العطش يفتك بالغزيين وسط تلوث المياه الجوفية وانهيار البنية التحتية
2025-08-07
يضطر الكثير من سكان قطاع غزة، الذين نهش الجوع أبدانهم، إلى قطع مسافات عبر المناطق المدمرة كل يوم، لجلب احتياجاتهم من المياه لأغراض الشرب والنظافة، في ترحال لا يوفر لهم، رغم مشقته، إلا قدراً يسيراً من المطلوب للحفاظ على صحة الناس.
وبينما تحول الاهتمام العالمي إلى الجوع في غزة، حيث تقول مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهي مرصد عالمي للجوع، إن مجاعة تتكشف هناك تحت وطأة الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 22 شهراً، فإن أزمة المياه لا تقل خطورة وفقاً لمنظمات الإغاثة.
ورغم أن بعض المياه يأتي من وحدات تحلية صغيرة تابعة لمنظمات الإغاثة، فإن معظمها يستخرج من آبار في طبقة مياه جوفية شديدة الملوحة وأصبحت أكثر تلوثاً بسبب مياه الصرف الصحي والمواد الكيميائية التي تتسرب من الأنقاض، ما أدى إلى انتشار حالات الإسهال والالتهاب الكبدي.
وقطعت إسرائيل إمدادات المياه والكهرباء عن غزة في بدايات الحرب. ورغم استئنافها لبعض الإمدادات لاحقاً، فإن خطوط المياه تعرضت لأضرار.
ولحق الدمار بمعظم البنية التحتية للمياه والصرف الصحي. وتعتمد مضخات المياه الجوفية في كثير من الأحيان على الكهرباء التي يتم الحصول عليها من مولدات صغيرة، والتي صار من النادر توفر الوقود لها.
وأشار معاذ مخيمر، (23 عاماً)، الذي كان طالباً جامعياً قبل الحرب، إلى أنه يضطر للسير مسافة كيلومتر تقريباً والوقوف في طابور لمدة ساعتين للحصول على مياه. ويحتاج في أغلب الأحيان للقيام بالمهمة ذاتها ثلاث مرات يومياً. ويقوم بوضع المياه على عربة يدوية معدنية صغيرة عائداً إلى خيمة العائلة الموجودة على أرض وعرة.
وقال مخيمر "أزمة كبيرة.. المية الحلوة والمية المالحة.. أكتر احتياجات شعبنا هي المية.. بنعاني منها بشكل كبير كل يوم.. يومياً بنطلع أقل إشي مشوارين إلى 3 مشاوير علشان نعبي هادولا الجالونات مية.. بنمشي تقريباً مسافة كيلومتر وبنقعد ساعتين على الدور علشان نعبني هادولا الجالونات علشان نقدر نمشّي يومنا".
وتساءل مخيمر "إلى متى نظل على هذا الحال؟"، بينما كان ينقل عبوتين كبيرتين من الماء شديد الملوحة لاستخدامهما في التنظيف، وعبوتين أصغر من الماء النظيف للشرب.
وذكرت والدته (53 عاماً) أن ابنها يقوم بإحضار المياه التي يحتاج لها أفراد عائلته الكبيرة المكونة من 22 شخصاً، وتعيش في مجموعة صغيرة من الخيام في دير البلح وسط قطاع غزة.
وأضافت وهي تستعرض مجموعة من البراميل الكبيرة "البراميل كلهم فاضيات مش عارفين نعبيهم.. يادوب يادوب بنوفر نتفة المية الحلوة علشان نشرب منها إحنا وصغارنا".
وتابعت "الصغار رايحين جايين والجو حامي وكل الناس بدهم يشربوا، ويا عالم بكرة هنعرف نعبي ولا منعرفش".
ويتكرر الكفاح من أجل نقطة المياه في أنحاء القطاع الصغير المكتظ بالسكان، حيث يعيش الجميع تقريباً في أماكن إيواء مؤقتة أو خيام من دون مرافق صرف صحي أو سبل الحفاظ على النظافة العامة، ولا يحصلون على ما يكفي من المياه للشرب والطهي والغسيل، وسط انتشار الأمراض.
وذكرت الأمم المتحدة أن الحد الأدنى لاستهلاك الفرد من المياه في حالات الطوارئ هو 15 لتراً يومياً لأغراض الشرب والطهي والتنظيف والاغتسال. ووفقاً لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، يبلغ متوسط الاستهلاك اليومي في إسرائيل حوالي 247 لتراً يومياً.
وقالت بشرى الخالدي مسؤولة السياسات الإنسانية في منظمة "أوكسفام" للأراضي الفلسطينية المحتلة، إن متوسط الاستهلاك في غزة الآن يتراوح بين ثلاثة وخمسة لترات يومياً.
وأوضحت "أوكسفام" الأسبوع الماضي أن الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه والتي يمكن الوقاية منها وعلاجها "تنتشر في غزة" وارتفعت المعدلات المبلغ عنها بنحو 150 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وقال دانيش مالك، المسؤول العالمي عن المياه والصرف الصحي في المجلس النرويجي للاجئين "شح المياه يتزايد بشكل كبير كل يوم، والناس يلجؤون إلى الترشيد بين استخدام المياه للشرب أو استخدامها بكميات كبيرة للنظافة".
ويقضي الكثير من سكان غزة ساعات طويلة في طوابير المياه، والتي غالباً ما تشهد تدافعاً مع الآخرين للحصول على مكان في الطابور. ويقول سكان غزة إن مشاجرات تندلع أحياناً.
وغالباً ما يكون جمع المياه مهمة الأطفال، إذ يبحث آباؤهم عن الطعام أو الضروريات الأخرى.
ولفت منذر سالم، مدير عام مصادر المياه في سلطة المياه وجودة البيئة إلى أن "الأطفال فقدوا طفولتهم وأصبحوا ناقلين للمياه في جالونات بلاستيكية، وهم اللي بيركضوا خلف الحافلات اللي بتنقل المياه أو بيذهبوا لمناطق بعيدة من أجل تعبئة مياه من أجل عائلاتهم".
ومع صعوبة الحصول على المياه، يستحم الكثير ممن يعيشون قرب الشاطئ في البحر. ومن المقرر إنشاء خط مياه جديد بتمويل من الإمارات لخدمة 600 ألف شخص في جنوب غزة من محطة تحلية مياه في مصر. لكن ربما يستغرق عدة أسابيع أخرى.
وتقول وكالات إغاثة إن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود. وقال جيمس إلدر المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن الحرمان المستمر منذ فترة طويلة أصبح قاتلاً. وأضاف "لم يعد الجوع والجفاف من تداعيات هذه الحرب، بل أصبحا من الآثار المباشرة".
وأكدت بشرى الخالدي من "أوكسفام" أن وقف إطلاق النار والسماح لوكالات الإغاثة بالوصول دون قيود ضروريان لحل الأزمة، "وإلا سنرى الناس يموتون من الأمراض التي يمكن الوقاية منها في غزة، وهو ما يحدث بالفعل أمام أعيننا".