وجهان للفاشية-يديعوت
2015-12-29
في نظرة أولى ليس ثمة أي علاقة بين صارخي عرس الدم وبين نشطاء "نحطم الصمت". هؤلاء في الطرف اليميني، واولئك في الطرف اليساري. ولكن القاسم المشترك أكبر بكثير مما يبدو من النظرة السطحية: هؤلاء واولئك يحتقرون الديمقراطية.
لدى رجال "تدفيع الثمن" الامور معروفة. توجد مرجعية خارجية عليا، الهية، تملي عليهم كيف يتصرفون. حكم الشعب، من الشعب وللشعب، هو موضوع سخيف عندما لا يرى الشعب الحقيقة العليا. وعلى أي حال، كل تعليمات العمل والفعل تأتي من مصدر المرجعية الذي لا يعلوه احد. هم يحتقرون الديمقراطية بالضبط مثلما يحتقرها رجال الاسلام السياسي.
لدى رجال "نحطم الصمت" الامور مختلفة بعض الشيء. ليس كل من يحذر من شذوذ ما يحتقر حكم الشعب. ليس كل من يعتقد بان هناك مجال للنقد الذاتي اللاذع هو عدو الديمقراطية. ولكن النواة الصلبة لاولئك الذين يظهرون بتكليف من أنفسهم في العالم أدمنوا على مرجعية خارجية عليا، كونية. الجدال على "التأثير من الخارج" الذي يصبح "اكراه من الخارج" هو بالتالي اساس الموضوع.
توجه محافل مختلفة من اليسار الراديكالي الى مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة، الى المحكمة الدولية في لاهاي او تأييدهم العقوبات أو المقاطعة ضد اسرائيل ينبع من احتقار عميق للديمقراطية. فالفرضية هي أنه لا أمل في أن يصل الجمهور، بقواه الذاتية، الى الحقيقة العليا، وعليه فينبغي استبدال سيادة الشعب بسيد خارجي.
من يؤمن بالديمقراطية يحاول الاقناع. من فقد الايمان بالديمقراطية يحاول الفرض. هذا بالضبط ما يحاول عمله ايضا نشطاء تدفيع الثمن وكذا نشطاء اليسار المتطرف. في مقال مدح وتمجيد لـ "نحطم الصمت" ادعى البروفيسور زئيف شترنهل بان "الشعب لا يريد أن يعرف الحقيقة البشعة"، واوضح بان هذا الوضع "يقوض شخصية الديمقراطية". منطقه صادق ومشوق. والفرضية هي أنه توجد حقيقة عليا. وهو يعرفها. الاقلية تعرفها. اما الشعب فيرفض الاعتراف بها. والنتيجة الناشئة: إكراه من جانب مصدر المرجعية العليا. الراعي الروحاني لـ "تدفيع الثمن"، الحاخام اسحق غينزبرغ، ما كان ليقول هذا على نحو افضل. عندهم هذا هو السيد الالهي. اما لدى اليائسين من الديمقراطية من اليسار فهو السيد الدولي. هكذا بحيث أن خلاصة شتيرنهل لا تتأخر في الوصول: "فقط عقوبات خارجية".
ثمة فرق بين مؤيدي الطرفين. لدى الاوائل منذ البداية لا توجد ادعاءات بقبول رأي مختلف. فهم لم يؤمنوا ابدا بالديمقراطية، بحيث أنهم لم ييأسوا منها. اما لدى الاخيرين، فالديمقراطية ترفع على رؤوس الاشهاد. فهم ينتمون الى المعسكر الذي يلوح كل اثنين وخميس بوصية فولتير بشأن حرية التعبير. فهم مع "الاحترام للرأي الاخر. غير أن هذا هو تضليل. لانهم مع اللعبة الديمقراطية بشرط مسبق: في أنه لا توجد سوى حقيقة واحدة، عليا. واذا كان الشعب لا يراها، فانهم يحطمون الاواني ويتوجهون الى السيد الخارجي.
مثلما هو الطليعي من اليمين أقلية قليلة تحتقر الاغلبية، هكذا ايضا شتيرنهل يتحدث باسم الطليعي الذي هو اقلية قليلة. بالنسبة له، فان اسحق هرتسوغ ويئير لبيد هما جزء من الاغلبية المرفوضة. صحيح أن الاسرة الدولية كما تجد لنفسها تعبيرا في المؤسسات الاكثر اهمية، كالامم المتحدت، تتشكل في معظمها من الدول الظلماء، ولكن ماذا يهم هذا؟ الحقائق لا تشوش في أي مرة المزاج الفكري المتزمت.
النزعة القومية ترغب في صالح الدولة، دون عنصر الاكراه ودون الاحتقار الشامل للاغلبية. النزعة القومية المتطرفة الفاشية، بالمقابل، تسعى لفرض "صالح الدولة" في ظل قمع الحوار الديمقراطي. هذا بالضبط ما يفعله الطليعي من اليمين. هذا ما يفعله شتيرنهل. فهو يعرف ما هو "صالح الدولة". أما الشعب فلا يعرف. وبالتالي فانه يعاقب الجمهور الجاهل. من شدة الانشغال بالفاشية، نجد انه تبناها.