:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/75436

مشاهد جديدة من قلب المعاناة في القطاع

2025-11-14

مشاهد جديدة من قطاع غزة، مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة شهره الثاني، ومازال في مرحلته الأولى، خاصة في ظل استمرار خروق الاحتلال للاتفاق، ومعاناة النازحين.
ومن بين المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام" مشهد يرصد تنفيذ نشطاء جدارية منددة بالإبادة البيئية في قطاع غزة، ومشهد آخر تحت عنوان: "رغم التحذيرات.. البيوت المتداعية مسكن للنازحين"، ومشهد ثالث يرصد استمرار إقامة حفلات الزواج في الخيام.

جدارية ضخمة تندد بالإبادة البيئية
أطلق "نشطاء الإعلام الرقمي" في قطاع غزة حملة دولية بعنوان "Ecocide"، تندد بالإبادة البيئية، وتسلّط الضوء على الخطر المتزايد لتدمير الطبيعة والبنية التحتية في قطاع غزة، وذلك بالتزامن مع انعقاد مؤتمر المناخ العالمي COP30 في البرازيل.
وجاءت الحملة بمبادرة من تجمع نشطاء البيئة والطبيعة في البرازيل، ونُفذت في قطاع غزة من خلال رسم جدارية ضخمة في مدينة خان يونس المدمّرة، حملت رموزاً بصرية تعبّر عن الألم والأمل في آن واحد، وعن ارتباط ما يحدث في غزة بالتهديد العالمي الذي تواجهه البيئة والإنسانية جمعاء.
وشارك في افتتاح الجدارية وتنفيذها ممثلون عن بلدية خان يونس، وحشد من النشطاء والمؤثرين الفلسطينيين داخل القطاع وخارجه.
وقال رئيس بلدية خان يونس علاء البطة إن "ما يحدث في غزة ليس مجرد دمار عمراني، بل هو إبادة بيئية بكل المقاييس"، موضحاً أن تدمير الأشجار، وتلويث المياه، وتحويل المدن إلى رماد يهدد الحياة لعقود قادمة.
وأضاف البطة: "رسالتنا من هنا إلى قادة العالم في مؤتمر المناخ.. لا يمكن الحديث عن حماية الكوكب فيما تُباد مدن بأكملها ويُترك سكانها وسط الغبار والدخان".
وشهدت الحملة تفاعلاً واسعاً من نشطاء ومؤثرين فلسطينيين في الداخل والشتات، خاصة من المقيمين في أوروبا، حيث نُشرت مئات المنشورات والفيديوهات التي نقلت صور الجدارية ورسائلها الإنسانية إلى جمهور عالمي.
وتأتي الحملة ضمن نشاطات منصة المحتوى الرقمي "بستيرا" التي تتبنى رسائل إنسانية تعرّف العالم على الكوارث والمآسي التي تمس الإنسان والطبيعة في مناطق النزاع، وقد شددت الحملة على أن الإبادة البيئية في غزة لم تعد قضية محلية، بل هي تهديد مباشر للعدالة المناخية العالمية.
وقال فريق الحملة في بيانهم الختامي: "من غزة إلى البرازيل، نرسل أصواتنا عبر اللون والحجر والرماد.. الطبيعة تُباد، والمدن تختنق، والعالم لا يمكنه أن يواصل صمته.. العدالة المناخية لا تكتمل دون العدالة الإنسانية".
وتواصل حملة Ecocide جذب اهتمام واسع من الإعلاميين والمنظمات البيئية حول العالم، وسط دعوات لتضمين ملف "الإبادة البيئية في غزة" ضمن جدول أعمال قادة الدول المشاركين في مؤتمر COP30.

البيوت المتداعية مسكن للنازحين
رغم سيل التحذيرات التي أطلقتها المديرية العامة للدفاع المدني في قطاع غزة، وجهات أخرى، إلا أن عدداً كبيراً من الأسر النازحة، تسكن في بيوت متداعية، تعرضت لأضرار شديدة، ويتهددها خطر الانهيار في أية لحظة.
فقد شهد الشهر الماضي أكثر من 20 حادث انهيار جدران، ومبانٍ آيلة للسقوط، ما تسبب بسقوط شهداء وجرحى، بينهم نساء وأطفال.
وجدد جهاز الدفاع المدني تحذيره من الخطورة الكبيرة الناتجة عن انهيار المباني الآيلة للسقوط وخطورتها على حياة النازحين، خاصة مع حلول فصل الشتاء، وهطول الأمطار، وانجراف التربة، وتصدع الجدران والأعمدة التي تعرضت للقصف.
وجاء التحذير في وقت يواجه فيه مئات الآلاف من النازحين في قطاع غزة ظروفاً إنسانية كارثية، حيث يبحثون عن مأوى في ظل الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية والمباني السكنية.
وبيّن "الدفاع المدني" أن العديد من المباني المتداعية والآيلة للسقوط انهارت خلال الفترة الماضية بشكل مفاجئ، ودون سابق إنذار، وهذا يؤكد خطورتها الكبيرة.
وأشار المواطن أيمن عمر إلى أنه اضطر للإقامة في منزله المتضرر وسط خان يونس، رغم علمه المسبق بخطورة الإقامة فيه، موضحاً أن جرافة إسرائيلية تعمدت ضرب ثلاثة أعمدة خرسانية في المنزل، كما اخترقت قذيفة السطح، لكنه لم يجد خياراً سوى الإقامة فيه بعد ترميمه، وإغلاق الثغرة في السطح، وإزالة الركام.
ولفت إلى أنه جلب عدداً من الدعامات المعدنية "أرجل"، ووضعها بديلاً عن الأعمدة الخرسانية كحل مؤقت، كما يحاول رص طوب على جوانب المنزل، مشيراً إلى أنه ينوي قضاء فصل الشتاء كاملاً في منزله، ويأمل بأن يحدث حل سريع، كوصول "كرفانات"، أـو خيام جيدة، ما يمكنه من إخلاء المنزل.
وذكر أن الكثير من العائلات تقطن في منازل آيلة للسقوط أو متضررة، والخطر يتهدد الكثير من المواطنين القاطنين في تلك المنازل.
ولوحظ أن الاحتلال يتعمد ترك منازل دون إكمال هدمها، وذلك بعد تدمير أعمدة خرسانية، ما يجعلها آيلة للسقوط، وهذا يؤكد نية الاحتلال قتل المواطنين، حتى بعد وقف العمليات العسكرية في بعض المناطق.
وتنتشر المنازل الآيلة للسقوط في مدينتي خان يونس وغزة، خاصة في المناطق التي انسحب جيش الاحتلال منها مؤخراً.

أفراح في الخيام
رغم المعاناة والفقد، وحياة النزوح، إلا ان المواطنين في قطاع غزة يصرون على استكمال حياتهم، ويتحدون الظروف التي تحيط بهم، ويقيمون حفلات الزواج بشكل متواصل في الخيام.
ولا يخلو يوم دون زغاريد وطبل في مخيم هنا، أو خيمة هناك، للإعلان عن زواج جديد، وسط مشاركة النازحين فرحة ذوي العروسين.
وفي مخيم بمواصي خان يونس، استغل النازحون ساحة صغيرة بين الخيام، وملؤوها بالكراسي، للإعلان عن إشهار زواج جديد، حيث قُدمت الحلوى، وألقى أحد الشيوخ كلمة مقتضبة، أكد فيها أن سنة الله في الأرض ماضية، والزواج أحد هذه السنن، رغم التضحيات الكبيرة.
وقال المواطن أحمد المصري إنه وبعد تأجيل متكرر، قرر تزويج ابنه، وقد خطب له ابنة جاره في المخيم، وأقاموا احتفالية صغيرة، حضرها جميع القاطنين في المخيم، ومخيمات مجاورة.
وأكد المصري أنه ورغم الألم والحسرة إلا أن سنة الحياة يجب أن تمضي، لذلك قرر تزويج ابنه، وجهز له خيمة بجواره، وسيعيش معهم برفقة زوجته.
وأوضح أن التاريخ يعيد نفسه، فقد تزوج جده في العام 1949 في خيمة، بعد أن أجبر على الهجرة من منزله وأرضه في فلسطين التاريخية، وها هو ابنه يتزوج في العام 2025 في خيمة، بعد أن نزحت العائلة من شرق خان يونس، وجرى تدمير منزلهم، وهم يعيشون ذات الظروف التي عاشها أجداده قبل عقود طويلة.
وأكد أن الشعب الفلسطيني يتعرض للظلم منذ نحو قرن من الزمان، يغادره احتلال ويأتي آخر، ويتم تهجير السكان من مكان إلى آخر، والعالم كله يتفرج على هذه المعاناة دون أن يحرك ساكناً.
وجرى في الآونة الأخيرة تجهيز صالات أفراح من "الشوادر" والخيام، وتزيينها، حيث يتم استئجارها لإقامة الأفراح والمناسبات السعيدة، حيث ذكر المواطن عبد الله سليم، أن شقيقه استأجر صالة لإقامة حفل زواجه، نظراً لعدم وجود مكان في المخيم يصلح لإقامة حفلة الزواج.
وأشار إلى أن عائلته، التي عانت ونزحت عدة مرات، من حقها أن تعيش ولو فرحة بسيطة لمناسبة زواج شقيقه، وبكل الأحوال الحياة تمضي رغم الألم والجراح.