<<الســيــد أمـــــن>> الـــــذي لـــــم يتــغـير-هآرتس
2016-01-05
شارع ديزنغوف بعد الصدمة ليس غريبا على بنيامين نتنياهو. في 19 تشرين الاول 1994 في ساعات الصباح انفجر باص رقم 5 في الشارع المحبوب، على بعد نحو 100 متر عن البار في ذلك الشارع. قتل 20 شخصا وأصيب أكثر من 30 في احدى العمليات الاصعب التي حدثت في تل ابيب. وقبل أن يتم اخلاء الجثث من الباص المفجر وصل الى المكان رئيس المعارضة نتنياهو ومعه مرافقوه وألقى خطابا اتهم فيه بشكل واضح رئيس الحكومة اسحق رابين بالمسؤولية عن العمليات، اضافة الى ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية في حينه.
مرت 21 سنة منها 10 سنوات تراكمية كان فيها نتنياهو رئيس حكومتنا. في السنوات السبع الاخيرة هو المسؤول الوحيد عن أمن مواطني اسرائيل. وقد أصبح شعر رئيسنا أبيض من كثرة السنوات. وازداد حكمة خبرة وأقدمية ورزانة. إلا أن صفة واحدة لم يتخلص منها: التعميم والتأجيج وبث الكراهية وزرع الخوف والتحريض على الأقلية، واستغلال كل فرصة وكل تراجيديا وكل كارثة انسانية من اجل كسب عدة اتصالات سياسية والحصول على مكاسب انتخابية.
في خطابه، أمس، في موقع اطلاق النار الذي قتل فيه شابان وأصيب عشرة آخرون، حيث تحت اقدامه تم اشعال الشموع، لم يكن نتنياهو مهدئا ولا قائدا – بل سياسي صغير. لم يخجل من القول – كما يبدو بأمر من زوجته التي تستعيد توازنها في البيت من التحقيق – إن عمر القتلى مثل عمر أولاده، لكنه نسي أن يئير وأفنير يرافقهما، خلافا لما هو معروف، حارس مسلح الى أي مكان يذهبان اليه. إنهما بحمد الله محروسان.
وخُصصت اقواله الباقية لهجمة شرسة ومخزية وقريبة من العنصرية ضد العرب في اسرائيل. لقد وَسَم وسطا كاملا وجمهورا كاملا كخارجين عن القانون وحاملين للسلاح وكمخربين محتملين. «لن تكون هنا دولتان، دولة قانون للوسط اليهودي ودولة لا يسيطر فيها القانون» قال رئيس الحكومة في السنوات السبع الاخيرة. من منعه من معالجة مشكلة السلاح غير القانوني في القرى العربية؟ من منعه حتى الآن من «وضع خطة مع الكثير من الاموال من اجل القضاء على هذه الظاهرة وبناء مراكز اخرى للشرطة في الوسط العربي وتجنيد رجال شرطة آخرين»، كما قال أمس. من منعه من فرض النظام والقانون؟ بوجي هرتسوغ؟ تسيبي ليفني؟ «نحطم الصمت»؟ احمد الطيبي وروبي ريفلين؟ هل بعد عملية الارهاب في دوما التي نفذت حسب الاشتباه على أيدي شباب يهود، بادر الى خطة شاملة من اجل تطهير سلاح المستوطنات من الاشكالية؟.
كان التهجم، أمس، على الجمهور العربي في اسرائيل قلة أدب، ومتدنيا أكثر مما عودنا على مدى السنين. كان يمكن أخذ الانطباع من اقواله إن اليوم الذي تلا اطلاق النار من قبل شاب الذي هو غير مستقر نفسيا كما يبدو من عارة في المثلث، أن جميع الوسط يحتفل بالقتل ويتظاهر فرحا ويؤيد ويحرض على تنفيذ اعمال مشابهة.
ما حدث هو العكس تماما: المشبوه بالعمل تم تسليمه من قبل والده الذي هو متطوع في شرطة اسرائيل على مدى الثلاثين سنة الاخيرة. جميع مخاتير القرية وممثلوها استنكروا العمل وتنصلوا من القاتل بشكل قاطع. لم نشاهد في القرى العربية في المثلث والشمال والجنوب أي محاولة تضامن مع الجريمة. واسرائيل توجد منذ 110 ايام في ذروة موجة الارهاب التي لا يستطيع نتنياهو ووزراؤه القضاء عليها. يخرج اغلبية المخربين من شرقي القدس «الموحدة الى الأبد»، حسب الشعار الفارغ الذي يردده نتنياهو ووزراؤه منذ سنين طويلة. لم ينضم باقي الجمهور العربي الى عرس الدم هذا باستثناء حالات معدودة. بل مرّ اخراج الجناح الشمالي للحركة الاسلامية في اسرائيل الى خارج القانون بهدوء في نهاية المطاف. لماذا اذا، بحق الجحيم، كان مهما بالنسبة لنتنياهو أن يشعل هذه النار الغريبة والسيئة نحو مواطنيه؟ يبدو أن الجواب واضح. لقد جاء للقيام بجولة كما فعل في تشرين الاول 1994. إنه ليس الشخص الذي يهدئ أو يصالح.
أمس، بدا وكأنه نبتة غريبة في تل ابيب. وجدت المدينة السليمة التي تتقبل الآخر والليبرالية والاكثر انفتاحا في الدولة صعوبة في هضم ظهوره. تحدث الشباب والشابات، اصدقاء وصديقات المصابين في الحادث في مقابلات كثيرة منذ يوم الجمعة بعد الظهر. هم الذين شاهدوا المشهد الغريب والصعب أمام أعينهم، تحدثوا بأدب وبدون كراهية. لم يبصقوا كلماتهم، وكذلك رئيس البلدية رون خولدائي حافظ على العقلانية. الى أن جاء نتنياهو للزيارة، ووقف في مكان متكدر حيث قتل شابان وحرض ضد خُمس مواطني الدولة. لم يتم القاء القبض على القاتل بعد، وضباط الشرطة يصمتون بأمر من المفتش العام الجديد الذي جاء من أقبية «الشاباك». منذ 110 ايام ومواطنو اسرائيل، لاسيما في القدس، يشعرون أنهم معرضون للخطر وغير آمنين تحت قيادة «السيد أمن» ونتنياهو يتصرف تصرفات سياسية داخلية.