النواة الصلبة لـ<<مملكة يهودا>> لا تزال طليقة-هآرتس
2016-01-05
تقديم لائحة الاتهام في قضية عائلة دوابشة يعني، كما يظهر الآن، النجاح الحقيقي لـ»الشاباك» في إنهاء تحقيق جدي، شامل ومعقد. إن حل اللغز ينفي ما تم نسبه لـ»لشاباك» في البداية على أنه يفرغ التحقيق من المضمون من اجل عدم التوصل الى الحقيقة. لكنْ هناك سؤال آخر استمر طرحه وهو هل اتخذت الدولة قبل عملية القتل جميع الاجراءات المطلوبة لمنع أحداث كهذه مع الاخذ بالاعتبار المعلومات التي كانت متوفرة حول الجماعة الايديولوجية التي خرج منها المتهم بالقتل، بن أوليال، والقاصر أ. المشتبه بمساعدته؟
المقارنة بين الوسائل والطرق التي تم استخدامها قبل العملية، حيث كان واضحا أن الحديث يدور عن جماعة لا ترتدع عن قتل العرب وبين الاجراءات التي تمت بعد العملية، هذه المقارنة تطرح اجابة واضحة وهي أن المعاملة المختلفة لنشطاء اليمين المتطرف ومتابعتهم من جميع الاجهزة كان من شأنها أن تمنع الحادثة وتمنع هذه الجماعة من الاعتداء على منازل الفلسطينيين غير المأهولة وصولا الى احراق عائلة اثناء النوم.
عرف «الشاباك» بسرعة أين يبحث عن المشبوهين بالقتل. فبعد عملية دوما بيومين تحدثت شخصيات رفيعة في «الشاباك» مع عدد من الصحافيين. والاقوال التي قيلت حينها كانت مشابهة تماما لما قيل، أول من أمس. فمنذ بداية آب تم التعرف على جماعة «فتية التلال» برئاسة مائير ايتنغر، حفيد الحاخام مائير كهانا، والتي كان مركزها في عدة بؤر في شيلا. في ذلك الحين استطاع «الشاباك» تحديد الايديولوجيا الجديدة لجماعة ايتنغر التي تطورت بروح حلم الحاخام اسحق غينزبورغ المتطرف. لكن طلابه اعتقدوا أن نظريته ليست هجومية وليست طموحة بما يكفي. ايتنغر نفسه كان معروفا لـ»الشاباك» منذ زمن طويل. وقبل عملية القتل طلب «الشاباك» اصدار أمر اعتقال اداري ضده. لكن هذا الطلب رُفض فاضطر «الشاباك» الى الاكتفاء بأمر الابعاد من مناطق الضفة الغربية الذي تم استبداله بالاعتقال الاداري بعد عملية قتل عائلة دوابشة.
بعد ذلك جاء التصريح غير الموفق لوزير الدفاع موشيه يعلون، والذي تبين منه أن هوية القتلة معروفة لـ»الشاباك». تصريح يعلون أثار مجموعة من نظريات المؤامرة لدرجة الادعاء أن الاجهزة الامنية تتستر على القاتل عن قصد لأنه عميل لـ»الشاباك» في اوساط اليمين المتطرف. وفعليا حدث أمر آخر: الشرطة و»الشاباك» عرفا الهوية الايديولوجية للارهابي اليهودي الجديد من خلال افكار ايتنغر والوثيقة التي كتبها نشيط آخر كصدى لهذه الافكار. هذا النشيط هو موشيه اورباخ الذي وضع مبادئ العمل الى جانب توصيات عملية وتنفيذية حول كيفية القيام بالعمليات دون الانكشاف. الجماعة التي أخذت الالهام من هذه الكتابات تتكون من نحو 100 شاب في جيل 15 – 24، وكلهم تحركوا حول البؤر في «شيلا وجفعات هبلديم» القريبة.
وقد تم تحديد 30 – 40 شخصا كـ»نواة صلبة» للجماعة – نشطاء كانوا مستعدين لاستخدام العنف ضد الفلسطينيين. ليس فقط عمليات «تدفيع الثمن» ضد الحكومة من اجل ردعها عن اخلاء المستوطنات أو منعها من فرض القيود على اليمين المتطرف، بل مبادرات منهجية تهدف الى زعزعة النظام العام، وفي نهاية المطاف اسقاط الحكم. انطلاقا من فانتازيا افكار غريبة حول اقامة «مملكة يهودا» من جديد على خرائب الدولة. هؤلاء النشطاء، كما وصفتهم وثيقة اورباخ، عملوا في خلايا صغيرة تضم 3 – 5 اشخاص. القادة الايديولوجيون لم يحصلوا على تفاصيل افعالهم لا من قبل ولا من بعد. وقد حاولت هذه الخلايا أن تكون منفصلة عن بعضها، وبالتالي تصعب على «الشاباك» التغلغل الى داخلها.
الصعوبة الاساسية في التحقيق ارتبطت بتحديد المشبوهين المحددين بتنفيذ الحرق في دوما. في نهاية تشرين الثاني انتقل التحقيق من المرحلة السرية لجمع المعلومات الى المرحلة العلنية للاعتقال والتحقيق. وخلال اسبوعين تقريبا صمت المشبوهون اثناء التحقيق.
في ذلك الوقت أعطى المستشار القانوني للحكومة، يهودا فينشتاين، تصريحا لـ»الشاباك» باستخدام التعذيب في التحقيق. من الافضل عدم الاختباء وراء كلمات «اساليب تحقيق خاصة» – الحديث يدور عن تعذيب حتى لو لم يصل الى المستوى الخيالي الذي تحدث عنه محامي المعتقلين. استخدام التعذيب وبرقابة الجهاز القضائي كسر أ. في التحقيق - كما يبدو - سلم صديقه عمرام بن اوليال. وبن اوليال اعترف وأعاد تمثيل العملية تحت ضغط مشابه.
هذه الاساليب الاستثنائية لم تستخدم ضد اليهود في الماضي. وبعد القتل في دوما مباشرة تم اصدار عشرات أوامر التقييد والابعاد والاعتقالات الادارية ضد نشطاء «فتية التلال». وفيما بعد استخدمت اساليب التعذيب في التحقيق. وتم تبرير الامر بوصف التنظيم كـ»قنبلة موقوتة» من شأنها المبادرة الى عمليات اخرى اذا لم يتم اعتقال اعضائها. هذه خطوة غير مسبوقة رغم استخدام قادة الدولة في الماضي لهجة شديدة تجاه افعال اليمين المتطرف.
بن اوليال المتهم الرئيس في القضية الحالية كان يسكن حتى عملية القتل في كرفان في بؤرة «عيدي عاد» في «شيلا». وهي نفس البؤرة التي تم الكشف فيها عن مخبأ فيه سلاح تم استخدامه حسب الاشتباه في عمليات قتل فيها فلسطينيون على أيدي اسرائيليين في بداية الانتفاضة الثانية. مستوطن اشتبه فيه وكان مسؤولا عن هذا المخبأ تم اعتقاله واعترف في التحقيق. وبعد ذلك تراجع عن اعترافه. وفي تلك القضية لم يستخدم التعذيب ولم تقدم لوائح اتهام بتهمة القتل.
الخطوات الشديدة لا تقتصر فقط على التعذيب، والتي تعتبر نتائجها أمرا مختلفا فيه. قبل أكثر من اربع سنوات اهتزت الدولة حينما اقتحم «فتيان التلال» موقعا للجيش الاسرائيلي بالقرب من «كدوميم» وهاجموا الجنود والشرطة وضربوا عقيدا. رئيس الحكومة ووزير الدفاع وقادة الجيش الاسرائيلي تنافسوا فيما بينهم حول إبداء الزعزعة. لكن فعليا لم يتم فعل أي شيء لتقييد نشاط اليمين المتطرف.
أولا وقبل كل شيء تم اهمال المسلك التربوي: مئات الشباب ومعهم شابات تسربوا من المؤسسات التعليمية واستمروا في التواجد في التلال وازدادت مواقفهم تطرفا دون أن تبذل الدولة أي جهد لمساعدتهم. والجهاز القضائي ساهم من خلال لامبالاته تجاه الارهاب اليهودي. أما السياسيون فقد احتاجوا وقتا للاستيقاظ. بعضهم مثل الرمز اليميني في الحكومة، الوزير اوري اريئيل (تكوماه) هاجم «الشاباك» وطلب اغلاق القسم اليهودي في ذروة القضية الحالية. وزراء آخرون في اليمين استيقظوا بعد رؤية فيلم «عرس الكراهية» لـ»فتيان التلال»، وفهموا خطورة الاتهامات تجاه اتينغر وأتباعه.
نهاية البداية
موضوع التعذيب الذي صادق عليه فينشتاين لـ»الشاباك» سيقف في أساس التداول القضائي اثناء القضية. بلغة القضاة فان النقاش في المحكمة في صلاحية الاعتراف وسلامة التحقيق يسمى محكمة صغرى. لكن يبدو أنه سيحدث أكثر من ذلك بكثير. في هذه المرحلة ليس واضحا تماما مدى قوة الدلائل عند «الشاباك»، اضافة الى اعترافات المتهمين المركزيين واعادة تمثيل الحدث من قبل بن اوليال.
وقد جاء في لائحة الاتهام أن بن اوليال خطط للعملية مع القاصر أ. كعملية انتقام على اطلاق النار الذي قتل فيه في تلك المنطقة ملاخي روزنفلد قبل ذلك بشهر. لكنهما لم ينجحا في الالتقاء في ليلة الحادثة وخرج بن اوليال وحده. هذه نظرية مريحة لبن اوليال، الذي لم يعترف على أحد في التحقيق، ولـ»الشاباك» – الذي يستطيع الاعلان عن حل لغز القضية والاسراع في تقديم لوائح الاتهام.
هل عمل بن اوليال بالفعل وحده، وهل ذهب الى القرية سيرا على الاقدام دون أن تنتظره سيارة للهرب، رغم أن المحققين أمضوا وقتا طويلا في البحث عن سيارة كهذه؟ وماذا عن الاوصاف التي أعطيت بعد العملية، والتي تحدثت عن رؤية شخصين أو ثلاثة في المكان؟ هذه شكوك سيحاول المحامون بثها اثناء المحاكمة من اجل دحض رواية المدعي العام.
قبل أقل من اسبوعين حيث كان المعتقلون في مرحلة متقدمة في التحقيق ألقى شخص قنابل مسيلة للدموع داخل بيت فلسطيني في قرية قرب رام الله. «الشاباك» استغل التحقيق من اجل الكشف عن حالات اخرى من احراق الممتلكات الفلسطينية بدون اصابات. لكن حسب تقدير «الشاباك» ما زال هناك 20 – 30 نشيطا متطرفا يتجولون بحرية وهم يؤيدون العنف ضد العرب، ويمكنهم تنفيذ عمليات اخرى. اضافة الى صعوبات الأدلة المتوقعة في المحكمة، يبدو أن حل اللغز وتقديم لوائح اتهام حول عملية القتل في دوما هي مجرد مرحلة اخرى في القضية. إنها نهاية البداية وليس بداية النهاية للارهاب اليهودي الجديد.