حين يصفع شالوم عريقات فيفش غلّه في تيسير خالد -معتصم حمادة
2016-01-07
ذهب عريقات يستنجد بشالوم ويدعو لمفاوضات سريعة قبل أن ينفجر الوضع في الضفة باعتباره خطراً على الطرفين: السلطة والاحتلال.
ثارت ثائرة صائب عريقات، المسمى أمين سر اللجنة التنفيذية، ورئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، وأرغى وأزبد، وصرخ وأرعد، وهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور لأن تيسير خالد، زميله في اللجنة التنفيذية، وعضو المكتب السياسي للجنة الديمقراطية لتحرير فلسطين، قد كشف في حسابه على الفيس بوك، أن عريقات كان قد التقى، ولمرتين على التوالي، وزير الداخلية الإسرائيلي سيلفان شالوم، في مفاوضات سرية بين الجانبين، دون علم اللجنة التنفيذية، ودون قرار منها، وأن اللقائين قد انتهيا إلى الفشل، لأن شالوم رفض العروض التي قدمها له عريقات. وفي تعليقه عل ما جرى أعلن خالد يأسه من تخليص المفاوض الفلسطيني من إدمانه على المفاوضات، منتقداً تجاوزاته لقرارات المجلس المركزي واللجنة التنفيذية، وذهابه بالقضية الوطنية في طرق ملتوية لا تلحق بها إلا الخسارة الصافية. علماً أن تيسير خالد وربما أعضاء أخرين، في «التنفيذية» استفسروا عن صحة اللقاءات السرية هذه، دون أن ينالوا جواباً شافياً ووافياً، بل ردوداً غامضة، من عريقات وباقي أعضاء «المطبخ السياسي» في مقاطعة رام الله، في تحد فظ للعلاقات التحالفية التي تقوم عليها الهيئات القيادية في
م. ت. ف باعتبارها الجبهة الوطنية «المتحدة» للشعب الفلسطيني وقواه السياسية. غير أن عريقات، الذي انكر ما جاء في حساب الفيس بوك لتيسير خالد، عاد واعترف، على صفحات «القدس العربي»27/12/2015 بلقاءاته مع سيلفان شالوم والرد الإسرائيلي على الاقتراحات الفلسطينية، كما أوضحت «القدس العربي» من جانبها، حقيقة اللقاء، وما أحاط به من غموض، ونقلت ما جاء في الدوائر الإسرائيلية من تعليقات عنه. فماذا قالت «القدس العربي»، وماذا انقل عريقات إلى شالوم، وما هي حقيقة ملابسات هذا اللقاء؟
* * *
اللقاء الأول تمّ في العاصمة الأردنية عمان، بعيداً عن الأعين قدم فيه عريقات إلى شالوم عرضاً باستئناف المفاوضات، على أن يكون جدول الأعمال من النقاط التالية: ترسيم الحدود بين «الدولتين»، وقف إسرائيل الاستيطان في المناطق التي ستعود إلى «الدولة الفلسطينية»، تنفيذ كامل الاتفاقات الموقعة بين الجانبين، الإفراج عن الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى. وتقول «القدس العربي» إن شالوم أبلغ عريقات أن اقتراحاته غير مقبولة، وأن إسرائيل على استعداد لاستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة. ونقلت الصحيفة عن عريقات أن إسرائيل تعمد إلى تشويه الموقف الفلسطيني حين تدعى أن هو الذي يرفض العودة إلى المفاوضات،. مؤكداً أن الجانب الفلسطيني على استعداد للعمل بما جاء في خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة في أيلول (ديسمبر) الماضي «الالتزام بالاتفاقات الموقعة، مقابل الالتزام الإسرائيلي بها». علماً أن عريقات، وهذا مالم تذكره «القدس العربي» ــ وكنا قد ذكرناه في العدد الأخير من «الحرية» ــــ كان قد التقى ـــــ علناً هذه المرة وليس سراً اللجنة الرباعية الدولية ــــ وطالبها بالضغط على الجانب الإسرائيلي للعودة إلى المفاوضات، والالتزام بآليات خطة «خارطة الطريق».
الصحافة الإسرائيلية، والإذاعة العبرية، أكدت هي الأخرى لقاءات عريقات ــــ التي لم ينفها أساساً ــــ مع شالوم. لكن ما عجزت «القدس العربي» عن الإحاطة به كاملاً، استكملته الصحافة الإسرائيلية حين قالت إن عريقات نقل إلى شالوم مخاوف «القيادة الفلسطينية» من انفجار الوضع في المناطق المحتلة، وأن هذا الانفجار لن يكون في خدمة إسرائيل، ولن يكون أيضاً في خدمة السلطة الفلسطينية وأن مصلحة الطرفين تتطلب العودة إلى المفاوضات، والقيام بخطوات مشتركة تقود إلى تنفيس الاختناق في الشارع الفلسطيني، وتطويق أي حراك قادم. ويبدد واضحاً أن اللقاء الأول بين عريقات وشالوم قبل انفجار الهبة الشعبية. في اللقاء الثاني، الذي عقد في القاهرة، وبعد ثلاثة أسابيع من اللقاء الأول، وكان قد وقع انفجار الهبة الشعبية، رفض شالوم اقتراحات عريقات، ووافق على مفاوضات «دون شروط مسبقة». لكن طالبه ــــ كشرط إسرائيلي مسبق ــــ «بإعادة الهدوء» إلى مناطق السلطة ــــ أي تطويق الهبة وخنقها ووأدها ــــ قبل العودة إلى المفاوضات.
كما كشفت الإذاعة الإسرائيلية أن عريقات، اقترح على شالوم «عقد سلسلة من اللقاءات بعيداً عن الانظار يعلن الطرفان في ختامها عن التوصل إلى اتفاق».
* * *
إذن، ومن خلال الإحاطة بالموضوع نستطيع أن نقول التالي:
1ــ إن «اللقاءات السرية» قد انعقدت بين عريقات وشالوم، وأنها لقاءات تمت بدون قرار من اللجنة التنفيذية، وخلافاً لقرارات المجلس المركزي في آذار/مارس 2015. التي قررت «طي» صفحة المفاوضات العقيمة والعبثية مع الجانب الإسرائيلي، والعمل على تدويل القضية الوطنية وحقوق الشعب الفلسطيني، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ومقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي.
2ــ «اللقاءات السرية» لم تتناول قضايا البيئة وآخر تعليقات الموضة في باريس، بل تناولت الملفات التفاوضية. هي إذن مفاوضات سرية، ولم تكن شيئاً آخر، ما يؤكد أن السياسة الحقيقية والفعلية التي تتبعها «القيادة الرسمية»، مازالت هي سياسة الإدمان على المفاوضات العبثية والثنائية، وأنها مازالت تبذل جهودها المستميته لتتهرب من استحقاقات قرارات المجلس المركزي والسياسات البديلة التي حملتها هذه القرارات.
3ــ إن «القيادة الرسمية» استشعرت حقيقة «الغليان» في الشارع الفلسطيني، وبدلاً من أن تحتضن هذا الغليان في سياسة جديدة وبديلة ــــ وفق قرار المجلس المركزي بتطوير وتصعيد المقاومة الشعبية ــــ تحولت إلى الجانب الإسرائيلي، تستنجده أن يعود إلى المفاوضات خوفاً مما هو قادم. ويبدو، من سياق الحدث، أن الرعب الذي أصاب «القيادة الرسمية» وصل حداً دفع بها إلى الموافقة على مفاوضات سرية (لماذا سرية ولماذا من خلف ظهر الشعب؟)، للوصول إلى اتفاق، لكن الصفعة التي تلقتها هذه القيادة، بما فيها من إهانة للكرامة الوطنية، يبدو أنها لم تفعل فعلها بعد، وأن هذه «القيادة» مازالت تكابر.
4ــ ولعل أحد علامات هذه «المكابرة» القائمة على نفخة ذاتية فارغة، هو رد عريقات على تيسير خالد، في تعليقه على المفاوضات السرية. وبدلاً من أن توجه هذه «القيادة» انتقاداتها، وسهامها إلى الجانب الإسرائيلي، في حربه الدموية ضد شبان الهبة، وجهتها إلى تيسير خالد، أحد القادة الفلسطينيين الذي بشر بالهبة، والذي كانت له مساهمته المعروفة، إلى جانب زملاء له في اللجنة التنفيذية، في صياغة قرارات المجلس المركزي، ورسم آليات تنفيذ هذه القرارات.
5ــ أخيراً، وليس آخراً، يبشرنا عريقات أن «القيادة الرسمية» سوف تعقد اجتماعاً قريباً لاتخاذ «القرار النهائي» بشأن العلاقات مع إسرائيل، ولما سألته «القدس العربي» إن كان هذا الاجتماع هو «الاجتماع الحاسم» لتنفيذ قرارات المجلس المركزي «الذي تأخر كثيراً» تردد في الإجابة، واكتفى «هذا ما تنتظره».
ننتظر ممن؟ ننتظر ماذا؟ وإلى متى الانتظار؟!■