:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/7680

عن أية « سلطة وطنية » يتحدثون؟ -معتصم حمادة

2016-01-16

ليست سلطة أوسلو هي ما نريد الحفاظ عليها، بل السلطة الوطنية التي تتبنى البرنامج الوطني المّوحد والموّحد، والتي تشكل حقاً طريقاً نحو الاستقلال و العودة.
مرت فترة كثر فيها الحديث، في أوساط السلطة الفلسطينية، عن رغبة رئاسة السلطة «إعادة التكليف» إلى الجانب الإسرائيلي، أي بما معناه الاستقالة من المهام الموكلة إلى السلطة، وإعادة الأمور إلى سلطات الاحتلال. وكثر الحديث، في السياق نفسه عن رغبة في حل السلطة، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل اتفاق أوسلو، لإحراج الجانب الإسرائيلي، وتحميله مسؤولية وصول العملية التفاوضية إلى الطريق المسدود.
رد الفعل الإسرائيلي كان هادئاً، حين أبلغ ضباط الإدارة المدنية «الوزير» حسين الشيخ [ضابط الإدارة المدنية في السلطة الفلسطينية] أن لا مانع من استقالة الرئاسة في رام الله وأن «رجلنا في رام الله» جاهز لإدارة الأمور على خير ما يرام.
رد الفعل الأميركي كان مؤنباً، حين وصلت إلى «المقاطعة» رسالة تطلب إلى الرئاسة الفلسطينية الكف عن التلويح بالاستقالة وحل السلطة وإعادة التكليف للجانب الإسرائيلي لأن هذا من شأنه، كما قالت الرسالة، التشويش على الدور الأميركي في رعاية العملية السياسية.
إلى جانب الحيرة الشديدة التي أصابت «المقاطعة»، وهي تبحث عن «رجل إسرائيل» في رام الله، والذي هددت به سلطات الاحتلال السلطة في حال رغبت في حلّ نفسها، فإن القرار الفلسطيني كان بإعادة برمجة التصريحات، والانتقال مباشرة من التهديد بحل السلطة، إلى التأكيد على التسمك بالسلطة باعتبارها مكسباً وطنياً، والتأكيد على نفي الرغبة في حلها، والقول، في السياق نفسه، إن السلطة الحالية هي محطة انتقالية نحو بناء الدولة الفلسطينية المستقلة بعد الوصول إلى اتفاق تسوية مع الجانب الإسرائيلي.
***
التصريحات الأخيرة، والتي كانت أخرها خطاب بيت لحم بمناسبة عيد الميلاد الشرقي، تثير سلسلة من التساؤلات والنقاشات.
• هل هذه «السلطة» هي سلطة وطنية حقاً. وهل برنامجها هو برنامج وطني حقاً. أم هي سلطة أوسلو، وبرنامجها هو اتفاق أوسلو الذي شكل انقلاباً على البرنامج الوطني الفلسطيني وعلى الإئتلاف السياسي في م. ت. ف؟
• هل هذه «السلطة» تشكل حقاً محطة انتقالية نحو بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وفقاً لما نص عليه البرنامج الوطني، والرابط بين الاستقلال والعودة إلى الديار و الممتلكات التي هجر منها اللاجئون منذ العام 1984؟.
• هل امتلكت هذه «السلطة» برنامجاً واضحاً لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، والربط بين الاستقلال والعودة إلى الديار والممتلكات. وهل شكلت هذه «السلطة» أداة كفاحية بيد الحركة الوطنية والحركة الشعبية، لطرد الاحتلال وتفكيك الاستيطان، وتحرير القدس والأرض المحتلة، وتقريب ساعة العودة إلى البلاد؟
• ماذا تشكل التزامات «السلطة» بالتنسيق الأمني، وماذا يعني التزامها بروتوكول باريس الاقتصادي الذي أدى إلى تدمير ما تبقي من الاقتصاد الوطني الفلسطيني، وألحق الحالة الفلسطينية بشكل كامل بالاقتصاد الإسرائيلي، في حالة اندماج لا سابق لها. وماذا تشكل التزامات «السلطة» بعدم اللجوء إلى إجراءات «أحادية» كالذهاب إلى مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة الجنايات الدولية وغيرها؟
• هل الإصرار على المفاوضات العقيمة سبيلاً وحيداً للوصول إلى الخلاص من الاحتلال، يقود إلى بناء «سلطة وطنية» مع العلم أن إسرائيل أغلقت باب المفاوضات، وأن الولايات المتحدة تخلت عن كل التزاماتها وتركت «السلطة» تائهة على قارعة الحل السياسي لا تدري ماذا تفعل وكيف تدير الشأن السياسي؟
• وأخيراً، وليس أخراً، هل هذه «السلطة» هي الحريصة على البرنامج الوطني (الذي انقلبت عليه) بينما تعمل على تهميش مؤسسات م. ت. ف وهل هذه «السلطة» هي الطريق إلى الدولة، ومازالت حتى الأن تعطل قرارات المجلس المركزي [أذار (مارس) 2015) التي من شأنها أن تراكم الخطوات لإلغاء اتفاق أوسلو، وشق طريق جديدة نحو إنجاز برنامج الدولة، وهي الأسيرة بقيود الجهات المانحة، وقيود نظام تحويل أموال المقاصة لدى إسرائيل، وقيود صندوق النقد الدولي.
***
يمكن لنا، في هذه السياق، أن نسرد الكثير والكثير من الأسئلة لكن يهمنا بالمقابل أن نقدم بعض الإجابات والتوضيحات في إطار توضيح المواقف وإغناء النقاش.
• يهم الشعب الفلسطيني أن تكون له سلطة «وطنية» حقاً تدير شؤونه، في إطار برنامج وطني واضح المعالم، يقود حقيقة إلى إنجاز الحقوق الوطنية، في خطة كفاحية يتوحد حولها الجميع، بغض النظر عن الخلفيات السياسية والإيديولوجية والفكرية. ولا يريد سلطة تزعم أنها وطنية، لكنها في الوقت نفسه تقيده بقيود الالتزامات المهينة للكرامة الوطنية، وتعطل مسيرته الوطنية، ولا توفر السبيل الصحيح للوصول إلى الحقوق الوطنية، تتركه تحت رحمة لهيمنة الأميركية، والتسلط الإسرائيلي وإرهابه.
• «السلطة الوطنية» التي نتمسك بها يجب أن تتحرر من التزامات التنسيق الأمني، وإن تكف عن أن تكون وكيلاً للاحتلال [قوة لحدية] تقمع الشعب الفلسطيني وحراكه الوطني وتقف حائلاً وسداً بينه وبين أهدافه في النضال، على غرار ما يجري مؤخراً حين تعطل الأجهزة المسيرات وتقمعها، وحين يتعاون ضابط «السلطة» مع ضباط الاحتلال في رسم الخطط لمحاصرة الانتفاضة وخنقها ووأدها.
• «السلطة الوطنية» التي نتمسك بها لتكون محطة انتقالية نحو دولة الاستقلال، عليها أن تقطع علاقاتها الاقتصادية مع اقتصاد الاحتلال وتتحرر من التزاماتها نحوه، وأن تعمل بدأب على بناء الاقتصاد الوطني الفلسطيني متحرراً من ضغوط إسرائيل، ومتحرراً من ضغوط الجهات المانحة وصندوق النقد الدولي.
• «السلطة الوطنية» التي نتمسك بها يجب أن تشكل جزءاً من الحركة التقدمية العربية، وعنصراً رئيسياً من عناصر المقاومة العربية ضد المشروع الصهيوني، والمشروع الأميركي للهيمنة على المنطقة وتفتيت دولها، ونهب ثرواتها، وتدمير تراثها وصياغة مستقبلها بما يحولها إلى توابع للسياسات والمصالح الأميركية والغربية. ما تمارسه «السلطة» الحالية من سياسات إقليمية، يؤكد أنها ما زالت تشكل جزءاً من الجناح الأكثر تخلفاً في الحالة العربية والإقليمية، وتزيد من تكبيل نفسها حين تلتزم التزامات سياسية فئوية، تزج بمصالح الشعب الفلسطيني في أقوى الصراعات و النزاعات الإقليمية المركبة على مفاهيم مذهبية مقيتة لا تقدم لمصالح الشعب الفلسطيني سوى المزيد من الضرر و الأذى.
•«السلطة الوطنية» التي نتمسك بها هي السلطة التي تشكل إطاراً كفاحياً، وليست «السلطة» التي تحولت إلى اطر بيروقراطية تتكدس فيها، مكاسب وامتيازات شبه خيالية للفئات العليا من إطارتها الإدارية والأمنية، مكاسب يتم هدر أموالها على حساب مصالح الفقراء من أبناء الشعب الفلسطيني، وعلى حساب بناء اقتصاد وطني فلسطيني مستقل بشكل أساساً من أسس بناء الدولة المستقلة.
لذلك نعتقد أن المصلحة الوطنية الفلسطينية تتطلب في هذه المرحلة عودة جريئة إلى «الإطار القيادي المؤقت» تحت رعاية م. ت. ف، لإعادة بحث الأوضاع الفلسطينية بما يطال: رسم الخطة الكفاحية عملاً بما جاء في قرارات المجلس المركزي الأخير، صياغة حكومة قوية تكون معنية بوضع الخطط اللازمة لاستقبال تداعيات تنفيذ قرارات المجلس المركزي، التحضير لانعقاد المجلس الوطني، وفي مقدمة هذا كله اعتبار الانتفاضة هي المنعطف نحو إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني ببرنامجه الوطني الموًّحد والموٍّحد [ بديلاً لاتفاق أوسلو] وبسلطته الوطنية [بديلاً لسلطة أوسلو] وبمنظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية، بديلاً للهياكل الهزيلة للمنظمة الحالية تحت وطأة زلازل أوسلو وإهتراءاته.
هذه هي السلطة الوطنيةّ التي نريد، وهذا هو أحد المسالك نحو إنجاز الحقوق الوطنية، الدولة المستقلة، والربط مع حق العودة إلى الديار والممتلكات.