دولة يهودية ؟ نعم ديمقراطية؟ كلا بالتأكيد-معتصم حمادة
2016-01-23
تتجه إسرائيل يوماً بعد يوم نحو «الدولة الدينية» ما يفترض قراءة انعكاس هذا التطور على البرنامج الوطني الفلسطيني وآليات الصراع مع المشروع الصهيوني.
■ قضت المحكمة المختصة في إسرائيل بفوز بنيامين نتنياهو بولاية جديدة على رأس حزب الليكود بالتزكية لعدم وجود مرشحين آخرين. وهو أمر أثار انتباه وتعليقات المراقبين، الذين رأوا في هذا الحدث تطوراً خطيراً ينبئ وكأن البلاد باتت عاجزة عن إنتاج زعماء سياسيين يجددون الحياة السياسية فيها، ويدخلون تطويرات وتحديثات على المؤسسة، خاصة في ظل ما يوجه لنتنياهو من اتهامات ثبتت صحتها، بأنه يذهب أكثر فأكثر نحو التسلط الفردي في إدارة الليكود، وفي إدارة الحكومة، حتى إنه أمسك في التشكيل الحكومي الجديد أكثر من وزارة في إطار التعقيدات التي رافقت تشكيل هذه الحكومة.
المراقبون في إسرائيل ربطوا بين عجز الليكود عن إنتاج منافسين لنتنياهو، وبين السياسة اليمينية المتطرفة التي بدأ يتخذها هذا الأخير، منذ إعادة انتخابه رئيساً للحكومة في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وهي سياسة من شأنها أن تعمق العنصرية في البلاد، وأن توتر العلاقات أكثر فأكثر بين مكوناتها المختلفة، وأن تنزع عن إسرائيل المسحة الخفيفة للديمقراطية التي كانت تدعيها أمام الغرب عموماً.
• ففي الساعات الأخيرة قبل إغلاق صناديق الاقتراع، دعا نتنياهو الناخبين «اليهود»، وليس أنصار الليكود فقط، إلى المسارعة للمشاركة في التصويت في مواجهة ما أسماه آنذاك «التسونامي العربي» الذي اجتاح الصناديق مما يهدد مستقبل دولة إسرائيل ــــ على حد زعمه ــــ فبدا نتنياهو آنذاك زعيماً ليس لليمين فقط، بل وكذلك لأقصى اليمين المتطرف، في مزاحمة أزعجت حلفاءه في باقي الأحزاب كحزب بينيت وليبرمان.
• وعندما قام أحد الشبان الفلسطينيين بعملية شارع ديزنغوف سارع نتنياهو إلى زيارة المكان، وأدلى بتصريح أدان فيه الفلسطينيين العرب داخل إسرائيل، باعتبارهم بيئة مشوهة تنتج الإرهاب، وحملهم مسؤولية العملية جميعاً.
• بالمقابل رفض نتنياهو إدانة المستوطنين الذين يرتكبون جرائم القتل في المناطق المحتلة. فوصف مرتكب جريمة احراق الطفل أبو خضير بأنه «مختل عقلياً»، كما أعفى المستوطنين عن مسؤولية إحراق عائلة الدوابشة، وحمل الجريمة لأفراد، خارج إطار مفهوم البيئة والعرق الذي تناوله في حديثه عن عملية ديزنغوف.
• وهو أخيراً، يدفع باتجاه إصدار قانون يحرم فيه على المآذن إطلاق آذانها بمكبرات الصوت بإعتبارها تشكل مصدر إزعاج لغير المسلمين من اليهود، خاصة وأن إسرائيل تعتبر نفسها دولة يهودية.
* * *
الحديث عن «دولة يهودية»، يعتبره المراقبون المفتاح الذي بإمكانه أن يقودنا إلى قراءة ما تعيشه إسرائيل من تطورات نوعية تقودها نحو اليمين المتطرف بما يؤمن به من ايديولوجيا عنصرية مكبوتة، تكن العداء للغير، أي لكل ما هو غير يهودي.
• فثلاثة من أصل أربعة من قادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل يحسبون على التيار اليهودي المتدين، ويلبسون «الكيبا» اليهودية علامة التدين. وهؤلاء يمسكون بمقاليد أجهزة المخابرات والأمن، التي تلعب دوراً كبيراً في توجيه المجتمع وهندسته من خلال تدخلاتها المعقدة والبعيدة بشكل عام عن أنظار المراقبين وعن أنظار مؤسسات المجتمع المدني.
• وزارة الخارجية الإسرائيلية [التي يتولاها نتنياهو شخصياً]، تطلق وثيقة تؤكد فيها «شرعية» الاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة، وتطلق عليها الاسم التوراتي «يهودا والسامرة» وتعتبرها «أرضاً يهودية محررة» من قبضة العرب والمسلمين.
• الحكومة الحالية اتخذت إجراءات خطيرة تقضي بإعادة توزيع أراضي اللاجئين الفلسطينيين على اليهود، في خطوة تنطلق من مبدأ ما يسمى بـ «سيادة إسرائيل على أرضها» وانطلاقاً من تأكيد «يهودية الدولة الإسرائيلية».
• مازالت قرارات المحاكم الإسرائيلية القائمة على التمييز العنصري تحرم على الفلسطيني العربي [حامل الجنسية الإسرائيلية] السكن في الأحياء اليهودية إلا برضى السكان اليهود.
• مازالت الإدارات الحكومية تحرم على الفلسطينيين العرب داخل الــ 48 ترميم منازلهم خاصة في الأحياء العربية القديمة، بهدف هدمها، وإنهاء المظاهر الفلسطينية فيها.
• لا تقتصر الهجمات اليهودية على الفلسطينيين المسلمين بل تطال كذلك الفلسطينيين المسيحيين، عبر احراق الكنائس (كنيسة الخبز والسمك عند بحيرة طبريا)، والكتابات العنصرية والمعادية للمسيحيين على جدران أكثر من كنيسة داخل القدس وخارجها.
* * *
حتى المراقبين اليهود، لا يترددون في قراءة كل هذه التطورات داخل إسرائيل، سوى أنها نتاج حتمي وفعلي لحملات تعبئة حاقدة تمارسها الأجهزة الحكومية والأحزاب الصهيونية اليمينية واليمينية المتطرفة، لصالح إعلان «إسرائيل دولة يهودية»، محرمة على غير اليهود، علماً أن الأحزاب المعنية نفسها لم تتفق بعد على تعريف من هو اليهودي، فما زال التعريف موضع خلاف بين هذه الأحزاب وحزب شاس (على سبيل المثال).
ومع ذلك تتفق كل من هذه الأحزاب على محاربة «الأغيار» من مسلمين ومسيحيين، واعتبارهم حالة طارئة على «الدولة اليهودية».. هؤلاء المراقبون اليهود، يعترفون علناً، وعلى صفحات الصحف الإسرائيلية أن إسرائيل ذاهبة أكثر فأكثر نحو دولة استبدادية، عنصرية، تقوم على المفاهيم الأكثر تعصباً، والموتورة، والداعية إلى الانتقال نحو دولة «دينية» تكون الديانة اليهودية هي مصدر التشريعات فيها، وإلغاء كل القوانين ذات الطابع العلماني، ما يعني، في حسابات هؤلاء المراقبين، أن ما تبقى من ديمقراطية إسرائيل [ديمقراطية لليهود وليس لسواهم] أمر أريل للزوال، وأن إسرائيل سوف تنتهي دولة لا ديمقراطية لأنه لا يمكن الجمع بين الدولة الدينية اليهودية وبين مفاهيم الديمقراطية.
ما يهمنا في هذا الأمر، هو أن نقرأ انعكاس هذا كله على مجرى الصراع مع الشعب الفلسطيني، وانعكاسه كذلك على مصير الفلسطينيين العرب داخل الــ48، في ظل منظومة قانونية صهيونية تجه اكثر فأكثر نحو التطرف اليميني والعنصري.
ما يهمنا في هذا الأمر، أيضاً أن نقرأ انعكاس هذا على مستقبل قضية اللاجئين، وحقهم في العودة، وانعكاس هذا كذلك على مواقف أصحاب الدعوة «لدولة واحدة»، تتجاوز البرنامج الوطني الفلسطيني الداعي إلى دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس بحدود 4 حزيران وحق العودة.
الأمر بات يستحق أكثر من جولة نقاش ■