مستقبل السلام بين اسرائيل ومصر
2013-06-03
* تقدير استراتيجي لاسرائيل للعامين 2012 – 2013،
مركز بحوث الامن القومي، جامعة تل أبيب، شباط 2013.
كان لتوجه دولة اسرائيل نحو علاقات السلام بمصر منذ كان انشاؤها، وجهان دائما، فقد كان السلام مع مصر يُرى من جهة كنزا استراتيجيا من الطراز الاول بالنسبة لاسرائيل لأنه أخرج مصر من دائرة الحرب مع اسرائيل وأزال بذلك خطر الحرب مع دول عربية اخرى ايضا، وأثر تأثيرا ايجابيا في علاقاتها بالعالم العربي والاسلامي ومنحها حرية عمل أوسع في المنطقة. وتوقعت اسرائيل من جهة اخرى ان تصب مصر مضمونا أكثر حقيقية في اطار تطبيع علاقتيهما وخاب ظنها. فقد بقي السلام بين الدولتين باردا، وبقي تطبيع علاقتهما محدودا وكان ذلك بقدر كبير لأن مصر لم تُرد أن يتطور.
إن التحول الذي جرى على مصر منذ 2011 والذي ما زال في صيرورة ولم يتشكل بعد، يثير علامات سؤال كثيرة تتعلق بمستقبل العلاقات بينها وبين اسرائيل. إن تولي جهة عظيمة القوة للحكم في مصر توجهها الأساسي لاسرائيل عدائي عقائديا وعمليا يثير شكوكا شديدة في عناصر السلام التي ستبقى في العلاقات بين الدولتين. فتريد هذه المقالة اذا ان تفحص عن العوامل التي قد تؤثر في علاقات السلام بين اسرائيل ومصر وعن الاتجاهات التي ستتجه اليها هذه العلاقات.
صوغ علاقات السلام في عهد مبارك: قاعدة صلبة لكنها ضيقة
صيغ نظام العلاقات بين اسرائيل ومصر في عهد حكم مبارك. وأثبتت على مر السنين نفسها باعتبارها تقوم على قاعدة صلبة ثابتة. وقد حرص الطرفان منذ تم التوقيع على اتفاق السلام بينهما على عدم مكوثه حتى في فترات اختلافات وتوترات بينهما وأوضحا أن لهما مصلحة جوهرية في بقائه، عرّفت مصر لا اسرائيل فقط السلام بين الدولتين بأنه كنز استراتيجي. وكانت نتيجة ذلك أن نشأ عند الطرفين على مر الزمن قدر من الثقة باستمرار اتفاق السلام واستقراره ولم يلح عامل يزعزعه.
لكن تطبيع العلاقات بين الدولتين لم يتطور كثيرا وقد اشتمل في الأساس على اتصالات محدودة بين قيادتيهما وعلى انشاء سفارتين فيهما وعلى افتتاح خطوط مواصلات وحركة مواطنين بينهما وبخاصة من اسرائيل الى مصر وقليل من العلاقات الثقافية. وتركزت الاتصالات في المستويات العليا بين الدولتين في أيدي مبارك ورجاله وتم التعاون الامني بين الجيشين. ولم يكن لمندوبين اسرائيليين قدرة على الوصول الى الوزارات والى مجلس الشعب والى وسائل الاعلام في مصر ولم يُربَ الجمهور المصري تربية كافية على فهم مزايا السلام بالنسبة لمصر والاعتراف بحق اسرائيل في الوجود. وفي فترات ما مكّنت مصر من تحسين علاقاتها باسرائيل. في ايام حكومة رابين التي كانت تراها مصر ذات توجه ايجابي للقضية الفلسطينية، زيدت الاتصالات بين القيادتين وخُففت التعليمات في الجانب المصري المتعلقة بحركة الناس والسلع بينهما وطرأ اتساع كبير على المجال الزراعي. وبعد ذلك وبعد ان استولت حماس على قطاع غزة، حماس التي يراها نظام مبارك جهة معادية مهددة وذراعا ايرانية، اتسع التعاون الامني بين الدولتين ولا سيما فيما يتعلق بما يجري في القطاع وسيناء، لكن هذه التحسينات لم تؤثر في جملة العلاقات بينهما التي بقيت محدودة وباردة. والى ذلك تم صد التحسن في المجال الاقتصادي في جزء منه فقد انخفض التصدير المصري الى اسرائيل الذي ارتفع في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، انخفاضا كبيرا منذ سنة 2000، ولم يبلغ الاستيراد من اسرائيل قط قدرا ذا شأن.
دفعت عدة اسباب مبارك الى الحد من التطبيع مع اسرائيل، وكان أهم اعتبار وضع مسيرة السلام الاسرائيلية العربية ولا سيما في القناة الفلسطينية. وكان لهذا الاعتبار عدة وجوه. فقد كانت مصر تلتزم بانشاء دولة فلسطينية ومنذ تم التوقيع على اتفاق السلام احتاجت الى ان تواجه دعوى أنها اهتمت بنفسها فقط ولم تُصر على احراز تسوية في الجبهات العربية الاخرى ايضا، فقد صعب عليها اذا ان تبني منظومة علاقات واسعة باسرائيل ما لم يطرأ تقدم حقيقي في المسارات الاخرى لمسيرة السلام. إن عدم وجود حل للمشكلة الفلسطينية أثقل على مصر ايضا لأنها شعرت بأن اسرائيل ضللتها ولم تفِ بنصيبها المتعلق بالقناة الفلسطينية الذي التزمت به في اطار اتفاق كامب ديفيد الذي تم التوقيع عليه بينهما قبل التوقيع على اتفاق السلام. ولهذه الاسباب استعملت مصر العامل الفلسطيني لاستعمال ضغط على اسرائيل للتقدم في مسار السلام مع تأكيدها ان تطبيعا كاملا معها سيكون ممكنا فقط بعد احراز سلام شامل بين اسرائيل والعرب.
وكان هناك اعتبار مهم آخر في نظر مصر هو العوامل القسرية الداخلية. لأنه يوجد توجه سلبي في اوساط مهمة في مصر نحو السلام مع اسرائيل وتوسيع العلاقات بها وأبرز هذه الاوساط الاتحادات المهنية التي كانت تخضع لتأثير منظمات اسلامية وجهات يسارية وناصرية – المجموعات الاسلامية وعلى رأسها "الاخوان المسلمون" واحزاب المعارضة وفريق من المثقفين وطلاب الجامعات الذين كان للمنظمات الدينية والجهات اليسارية تأثير كبير فيهم.
إن اسباب تحفظ هذه الجهات من السلام مع اسرائيل مختلفة. فقد رفضت الجهات الاسلامية وفي مقدمتها "الاخوان المسلمون" والمؤسسة الدينية مبدئيا وجود اسرائيل، لأنها رأتها نبتة غريبة غرسها الاستعمار الغربي في ارض مسلمة. وكان يصعب على مصريين كثيرين الى الآن قبول اسرائيل بأنها دولة ذات شرعية برغم اتفاق السلام أو خافوا من قوتها العسكرية وتفوقها التقني اللذين هددا في نظرهم مكانة مصر الاقليمية وظلوا يعتبرونها عدوا. وفي هذا الشأن اتصل الاعتبار الفلسطيني بالاعتبار الداخلي فقد أثرت مشاهد الانتفاضة والمواجهات بين اسرائيل والفلسطينيين في وسائل الاعلام في نظرة المصريين لاسرائيل وزادت في الغضب عليها والكراهية لها.
وهناك اعتبار مهم آخر وهو موقف العالم العربي. دفعت مصر ثمنا في الساحة العربية على أثر توقيع اتفاق السلام مع اسرائيل حينما قوطعت وعُزلت جزئيا في هذه الساحة نحوا من عقد. ومنذ ذلك الحين تغيرت الامور وانتهت عزلة مصر وقبل زعماء الدول العربية موقفها المبدئي وهو انه ينبغي حل الصراع مع اسرائيل بالطريق السياسي لا العسكري. لكن حقيقة ان الأكثرية الغالبة من الدول العربية لم تكن لها علاقات سلام باسرائيل أحدثت ضغطا مهما على السياسة المصرية نحو اسرائيل. فاسرائيل من وجهة النظر المصرية استغلت اتفاق السلام لتوسع حرية عملها نحو العرب – مثل قيامها بخطوات عسكرية موجهة على المنظمات الفلسطينية وعلى لبنان أو لتوسيع المستوطنات.
ويوجد من الجهة الاخرى الاعتبار الامريكي. فقد كانت الادارة الامريكية طرفا في اتفاق السلام ومنحت مصر مساعدة مالية سنوية ثابتة وكانت لها علاقات قريبة بها تشمل العلاقات في المجال العسكري. ومن الواضح ان الادارة الامريكية أرادت توسيع التطبيع في العلاقات باسرائيل وشجعته ولم تستطع مصر تجاهل الموقف الامريكي. لكن كان للاعتبار الامريكي تأثير محدود فقط في العلاقات باسرائيل وكانت مساعدته على منع تدهورها أكثر من مساعدته على الدفع بها قدما، ولم يتم الوفاء بكثير من الوعود المصرية للادارة الامريكية في عهد مبارك بتحسين العلاقات باسرائيل.
وفي النهاية أدى اعتبار الفائدة لمصر دورا ايضا في السياسة المصرية، فقد أدركت مصر أنها تستطيع ان تكسب من التعاون الاقتصادي مع اسرائيل عن تقدير لقدراتها التقنية. ولهذا السبب تقدم التطبيع في المجال الاقتصادي التجاري أكثر من تقدمه في مجالات اخرى، وأظهر رجال الاعمال أكثر التوجهات ايجابية نحو اسرائيل والسلام معها. وكذلك استمرت مصر في نقل النفط الذي التزمت بأن تزود اسرائيل به في اطار اتفاق السلام. وفي 2005 وقعت على اتفاق لتزويد اسرائيل بالغاز الطبيعي. وصدورا عن هذا التوجه وقعت اسرائيل ومصر في كانون الاول 2004 على اتفاق يتعلق بتخصيص مناطق صناعية معترف بها من اجل انتاج مشترك لمنتوجات بين اسرائيل ومصر وتصديرها الى الولايات المتحدة بحسب اتفاق التفضيل الضريبي.
تأثير التغييرات في مصر في علاقات السلام
إن هذه العوامل على نحو عام التي شكلت علاقات السلام بين مصر واسرائيل في عهد مبارك – وبخاصة التحفظ من الدفع قدما بالتطبيع في مصر بازاء اعتبارات اقتصادية وأمنية ودور الولايات المتحدة – ستظل تؤثر فيها ايجابا وسلبا في عهد النظام الجديد ايضا. لكن التغييرات التي طرأت على صورة وعناصر الجهاز المصري منذ 2011 قد تؤثر تأثيرا سيئا في العلاقات بين مصر واسرائيل، ويجب ان نقول مع ذلك إن اهتزاز النظم الداخلي في مصر لم ينته بعد، ويتوقع ان يستمر صوغ نظام القوى والعلاقات بينها زمنا طويلا ويتم بصراع بين القوى المختلفة، وما زالت نتائجه النهائية وتأثيراته في العلاقات باسرائيل غير واضحة الى الآن، وقد تكون مختلفة الى هنا أو الى هناك عما تبدو عليه اليوم.
توجد في مركز التطورات في مصر ثلاثة تغييرات وستؤثر في الأساس في مستقبل العلاقات بين مصر واسرائيل:
1-أصبح "الاخوان المسلمون" عامل القوة السياسي المركزي في مصر وهم يسيطرون على الحكومة وعلى مجلس الشعب (إلا اذا غيرت الانتخابات الجديدة المتوقعة لمجلس الشعب الصورة) وعلى مؤسسة الرئاسة فوق كل ذلك. ومع ذلك ليست سلطة "الاخوان" مضمونة وهم في صراع مع جهات مهمة ترفض منح الرئيس قوة كبيرة جدا وترفض محاولة وسم المجتمع المصري بوسم اسلامي.
2-فقد الجيش الذي كان مركز قوة سياسيا مهما في مصر من قوته على أثر الانتقاد الذي وجهه الجمهور له لكن ذلك كان في الأساس بعد ان عزل الرئيس الجديد محمد مرسي باجراء سريع حاسم القيادة العليا العسكرية التي قادت مصر في الفترة الانتقالية بعد اسقاط نظام مبارك. ومع ذلك بقي الجيش عاملا مهما في الجهاز المصري وقد يقوي الصراع بين الاخوان وخصومهم تأثيره.
3-إن الجمهور المصري الذي كان في فترة مبارك سلبيا وصامتا على نحو عام أصبح عاملا سياسيا مهما ذا صوت مع خروجه الى الشوارع منذ بدء الثورة، ويرى النظام نفسه مُجبرا على ان يكون مصغيا للآراء التي تسوده وعلى ان يرضيه احيانا ايضا. ومع ذلك فان قوة هذا الجمهور وتأثيره ما زالت غير واضحة بعد ان نجحت المنظمات الاسلامية في تنحية شباب الثورة ومنعهم من بناء قوة سياسية منظمة.
ان أهم هذه التغييرات ظهور "الاخوان المسلمين" باعتبارهم القوة المركزية في النظام المصري. ان نظرتهم الأساسية لاسرائيل والسلام معها سلبية ومعادية. وقد عرّف مرشد الاخوان الدكتور محمد بديع اسرائيل والولايات المتحدة في 2011 بأنهما العدوان الرئيستان لمصر وهاجم ما وصفه بأنه الخطة الامريكية للسيطرة على المنطقة لانشاء اسرائيل الكبرى والشرق الاوسط الجديد. وسمى اتفاق كامب ديفيد ايضا اتفاق استسلام وطلب وقف التطبيع والغاء الاتفاقات الاقتصادية وفتح معبر رفح بصورة دائمة. وكرر بديع كلاما مشابها موجها على اسرائيل عدة مرات بعد ذلك. بل كان أشد من ذلك اعلان لجنة الشؤون العربية في مجلس الشعب المصري الذي نشر في آذار 2012 ووافق عليه مجلس الشعب. فقد رفض الاعلان حق اسرائيل في الوجود وأوصى بألا تكون مصر أبدا صديقة أو شريكة أو حليفة لـ "الكيان الصهيوني" الذي هو أول أعداء مصر والأمة العربية. وعلى ذلك دعا الاعلان حكومة مصر الى الفحص من جديد عن علاقاتها واتفاقاتها مع العدو وعن تهديدها لأمن مصر، وقطع العلاقات الدبلوماسية بها، والوقوف بصورة كاملة الى جانب الكفاح المسلح لاسرائيل والنظر الى المقاومة أنها الطريق الاستراتيجي لتحرير الاراضي المحتلة والى تبني سياسة القطيعة العامة مع اسرائيل من جديد.
يجب ان نؤكد ان حكومة مصر الحالية لم تأخذ قط بتوصيات متطرفة من هذا القبيل تعني العودة الى سياسة مواجهة وإن لم تكن بالضرورة مواجهة عسكرية مباشرة – مع اسرائيل. وقد أكد اشخاص مصريون كبار، والرئيس مرسي نفسه، ان مصر ستحترم الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها. لكن للاسماع المتكرر لمطالب تغيير النظرة لاسرائيل معنى متراكما مهما يؤثر في العلاقة السلمية بها. والى ذلك كرر اشخاص مصريون كثيرون لا من المنظمات الاسلامية وحدها فقط الحاجة الى الفحص من جديد عن اتفاق السلام مع اسرائيل. وكان لطلب هذا الفحص من جديد عدة صيغ هي: الغاء الاتفاق لأن اسرائيل نكثته، والفحص عن ملاءمته للشريعة الاسلامية؛ واستفتاء الشعب فيه؛ أو تعديل أجزاء منه.
ان للتغييرين الآخرين الذين حدثا في اثناء الثورة معنى سلبيا فيما يتعلق بالعلاقات السلمية باسرائيل. ان قيادة الجيش المصري تولي الحفاظ على مصالح مصر الامنية اهمية مميزة ولذلك كانت قناة مهمة للدفع قدما بالتعاون الامني مع اسرائيل ولا سيما ما يتعلق بالوضع في قطاع غزة وسيناء. ان اضعاف مكانتها بعزل مرسي للقيادة العسكرية القديمة في صيف 2012 وتعيين قيادة جديدة تكون أكثر تعلقا بمرسي قد يضر بالعلاقة باسرائيل. وازدياد المكانة السياسية للجمهور المصري قوة باعتباره لاعبا مهما في الميدان قد يضر بهذه العلاقة ايضا. لم تكن النظرة لاسرائيل وللسلام معها قضية مركزية في الاضطرابات والتظاهرات التي حدثت في مصر منذ 2011 وإن كانت قد طفت بين وقت وآخر فوق السطح. لكن جزءا مهما من هذا الجمهور متأثر بجهات اسلامية وناصرية، ولم يُربى على رؤية السلام مع اسرائيل كقيمة ايجابية في حد ذاتها وعلى قبول حقها في الوجود، ولا يمكن لجهات اسرائيلية ان تنشيء صلة مباشرة به ويُظهر كثيرون منه توجها معاديا لها.
التقديرات الممكنة للنظام المصري
ما تزال منظومة تقديرات النظام المصري لمستقبل علاقات السلام باسرائيل غير واضحة. ونشك في ان يكون قد صاغ لنفسه توجهاته وسياسته نحو اسرائيل مع كونه تقلقه مشكلات أكثر الحاحا ولا سيما في الشؤون الداخلية والاقتصادية. فالقضية الاسرائيلية في مكان منخفض في جدول عمله. ويبدو لذلك ان النظام لم يعرض بعد تغييرات جوهرية في سياسته نحو اسرائيل ويشمل ذلك مسألة اتفاق السلام معها.
يمكن ان نقدر ان تحث سلسلة تقديرات القيادة المصرية على الحفاظ على علاقات السلام باسرائيل في الاطار الذي كان موجودا الى الآن تقريبا:
4-ان التقديرات الأساسية التي دفعت مصر الى التوقيع على اتفاق السلام مع اسرائيل ما زالت قائمة وهي: الاعتراف بالمزايا الكامنة في علاقات السلام باسرائيل؛ والمعرفة بتفوق اسرائيل العسكري وعدم الاهتمام بالتوصل الى مواجهة معها؛ والعلاقات القريبة التي انشأتها مصر بالولايات المتحدة منذ 1980؛ والحاجة الى استثمار موارد في المجالات الداخلية على حساب المجال الامني.
5-ان موقف الولايات المتحدة في هذا الاطار هو تقدير مركزي في نظر النظام المصري. فقد زاد الوضع الاقتصادي في مصر، الذي كان صعبا حتى في عهد مبارك، زاد سوءا بعقب الازمة الداخلية، وأصبح النظام أشد احتياجا للمساعدة الامريكية مما كان في الماضي. وقد أوضحت الادارة الامريكية من جهتها في تموز 2012 أنها تلتزم بأن تقدم لمصر كل مساعدة مطلوبة كي تمنحها الامن في طريقها الى الديمقراطية، وأنها تعارض مبدئيا كل اشتراط من مجلس النواب الامريكي يتعلق بمساعدة عسكرية لمصر. وينبغي ان نفترض ان من الواضح للنظام المصري انه لما كانت الادارة الامريكية ذات صلة باتفاق السلام بين مصر واسرائيل، وتضغط على مصر كي لا تضر بالاتفاق، فان المس بالاتفاق قد يفضي الى مواجهة غير مرغوب فيها مع الولايات المتحدة. ومع ذلك وبرغم ان الادارة الامريكية تجري تحادثا مع النظام المصري، توجد توترات بين مصر والولايات المتحدة تتعلق بعدة قضايا داخلية، ولا يريد النظام المصري ان يكون متعلقا بالولايات المتحدة ويريد ان يتخلص من تصوير الآخرين له بأنه يخدم مصالحها. وأكد اوباما نفسه في ايلول 2012 ان مصر والولايات المتحدة ليستا عدوين لكنهما ليستا حليفتين ايضا. فليس واضحا اذا كم سيريد نظام "الاخوان" الاستمرار في الابقاء على علاقات قريبة بالولايات المتحدة كما كانت الحال في الماضي، وبأي قدر ستكون الادارة الامريكية مستعدة للاستمرار في تسليح مصر، وبأي قدر ستريد الادارة وتستطيع التدخل في قضية علاقات مصر باسرائيل.
6- لمصر واسرائيل مصالح مشتركة قد تسهم في الحفاظ على العلاقات السلمية وهي: منع تدهور علاقات اسرائيل بمصر إثر عمليات ارهابية؛ ومنع مواجهة عسكرية اخرى بين اسرائيل وحماس في غزة واحراز تسوية مستقرة بينهما؛ والدفع قدما بتسوية اسرائيلية فلسطينية؛ ومنع أخطار تنبع من الوضع في سوريا. ان موقف مصر من التهديد الايراني – الذي كان عنصرا مهما في سياسة نظام مبارك – ليس واضحا الى الآن لكن النظام المصري الجديد لم ينفذ الى الآن تحولا في سياسته لهذه القضية، وربما يستمر التقارب في المصالح بين مصر واسرائيل بخصوصها.
7- توجد اهمية خاصة للفراغ العميق الذي نشأ في شبه جزيرة سيناء في حين يوجد للطرفين اهتمام بتقوية السيطرة المصرية عليها. ويبدو ان مصر تدرك ان التعاون مع اسرائيل بشأن سيناء قد يكون أفضل سبيل لمواجهة البؤر التي انشأتها فيها الجهات الارهابية التي تهدد سيادتها على الارض.
8-ان الجيش المصري عامل ايجابي في وجود تعاون مع اسرائيل لأنه فوض اليه الحفاظ على مصالح مصر الامنية ولأن له تراث الحفاظ على العلاقة باسرائيل والتعاون الامني معها، وهو يدرك جيدا اهمية علاقات مصر بالولايات المتحدة. وما زال الجيش المصري الى الآن يجري تحادثا وتعاونا مع اسرائيل ويُمكن هذا التحادث من حل مشكلات عن توجه ايجابي وامتناع عن المواجهات. يوجد اذا تلاؤم ايجابي بين مبلغ تأثير الجيش السياسي واستمرار الصلة الامنية بين مصر واسرائيل، ومن الاسئلة المفتوحة ماذا سيكون مقدار تأثير الجيش بعد ان ضاءله الرئيس مرسي.
ومن الجهة الاخرى توجد سلسلة تقديرات واسباب قد تحث النظام المصري على المس بقدر ما بالعلاقات السلمية باسرائيل وهي:
1- الجانب العقائدي – الديني: قيل من قبل إن "الاخوان المسلمين" يظهرون العداء لاسرائيل لاسباب عقائدية – دينية. وما زال كثيرون منهم يرون اسرائيل عدوا وتهديدا ليس لها حق وجود سياسي، ويوجد من عبروا عن ذلك علنا منذ كان التحول في مصر ايضا. ولو كان الامر متعلقا بتوجههم الاساسي فقط لربما ألغوا اتفاق السلام. وسيكون السؤال المفتاحي أي مصالحة يستطيع "الاخوان" ان يجدوها بين توجههم العقائدي وبين ضرورات الواقع.
2- مركزية الرئيس مرسي: برز محمد مرسي في غضون زمن قصير باعتباره رجل النظام القوي. فبعد عزل القيادة العسكرية العليا لا يوجد الى الآن عامل يستطيع ان يعادل قوته. وقد امتنع مرسي الى الآن خلافا لمبارك والسادات عن اجراء محادثة حقيقية مباشرة مع اسرائيل.
3- المشكلة الفلسطينية: أثقل عدم التقدم في المسار السياسي مع الفلسطينيين دائما على علاقات مصر باسرائيل لأن لمصر التزاما أساسيا منذ كان التوقيع على اتفاق السلام، أن تفضي الى انشاء دولة فلسطينية مستقلة، وما لم يحرز هذا الهدف فستستمر مصر في تضييق التطبيع مع اسرائيل. كانت هذه سياسة مبارك، ومن المؤكد أنها ستكون سياسة مرسي. وقد اصبح الاخوان يتهمون اسرائيل بصراحة بنقض اتفاق السلام بسبب عدم وفائها بنصيبها في القضية الفلسطينية، ويفتحون بذلك بابا، ولو في الظاهر على الأقل، لعدم وفائهم بنصيبهم، اذا استصوبوا ذلك. وينبغي ان نفترض من الجهة الاخرى انه سيكون واضحا للنظام الجديد تعقد القضية وأنهم سيضطرون من اجل الدفع بالتسوية قدما الى محادثة اسرائيل والوساطة بين المعسكرين الفلسطينيين.
4- الصلة بحماس: ان الاخوان المسلمين هم الحركة الأم لحماس وبينهما تقارب عقائدي. وهذه الحقيقة في حد ذاتها تنشيء احتمال احتكاك بين اسرائيل ومصر قد يزيد في تأييدها لحماس خلافا لعهد مبارك الذي كان يرى حماس تهديدا وذراعا متقدمة لايران. وتوجد من الجهة الاخرى عوامل قسرية في هذا التقارب لأن سلطة حماس في غزة قد تنشيء مشكلات امنية لمصر، ولن يدع الجيش المصري حماس تضر بأمن مصر وسيادتها؛ وتُحدث مسألة الأنفاق بين قطاع غزة وسيناء ومسألة الانتقال بين غزة ومصر توترات مع حكومة مصر، وستأتي زيادة حماس قوة على حساب مكانة السلطة الفلسطينية التي لا تعنى مصر باضعافها. والى ذلك يدل النشاط السياسي حول عملية عمود السحاب على ان مصر معنية ومستعدة للاستمرار في كونها وسيطة مركزية بين حماس واسرائيل كي تقلل المواجهات العسكرية بينهما باستغلالها علاقاتها بالطرفين. ومن هذه الجهة فان للعلاقات بين الاخوان وحماس معنى ايجابيا ايضا لأن مصر ستضطر باعتبارها وسيطة الى ان تأخذ في حسابها ايضا حاجات اسرائيل الامنية ومطالبها.
5- تأثير الجماهير: سيكون النظام الجديد في مصر أكثر حساسية من سابقه بالمزاج العام للجمهور. ولما كان كثيرون في الشارع المصري يظهرون عداءا لاسرائيل فقد يرضيهم النظام بأخذه بخطوات مضادة لاسرائيل اذا رأى حاجة لذلك.
6- مكانة مصر في العالم العربي: ان نظام الاخوان المسلمين قد يطمح أكثر من سابقه الى قيادة العالم العربي بصورة فاعلة مع استغلال ضعف الدول العربية المركزية كالعراق وسوريا وتبدل الأجيال في السعودية، وباستعمال العامل الاسلامي. فاذا طمح الى فعل ذلك فقد يستعمل العداء لاسرائيل وسيلة لتوسيع تأثيره.
خصائص علاقات مصر باسرائيل في المستقبل
ان نقطة الانطلاق للفحص عن علاقات مصر باسرائيل هي مستقبل اتفاق السلام بينهما. توجد في الحقيقة جهات في مصر تدعو الى الغاء الاتفاق. لكن طائفة كبيرة من القادة المصريين ومنهم الرئيس مرسي يؤكدون ان مصر ستبقى ملتزمة بالاتفاقات الدولية التي وقعت عليها. ولا يذكر أكثرهم بصراحة الاتفاق مع اسرائيل في ضمن ذلك لكن يمكن ان نفهم انهم لا ينوون الغاءه. فيجوز لنا اذا ان نفترض انه ما لم تتغير منظومة تقديرات النظام المصري وتوجهاته الحالية فانه لن يلغي الاتفاق. ولذلك عدة اسباب وهي ان هذا الموضوع ليس اليوم في مقدمة اهتماماته ولا يتعرض لضغط داخلي حقيقي لالغاء الاتفاق؛ وتضغط عليه الولايات المتحدة كي لا يلغي الاتفاق، وهو أشد احتياجا اليوم مما كان في الماضي الى المساعدة الاقتصادية الامريكية؛ ويجب عليه ان يأخذ في حسابه ان اسرائيل سترد على الغاء الاتفاق ردا يضر بمصر؛ وحينما يريد اليوم ان يبني مكانته الدولية فان الغاء الاتفاق سيجعله في وضع غير مريح.
حتى لو استقر رأي مصر على عدم الغاء اتفاق السلام فقد تستعمل خطوتين على الأقل تتصلان به. الاولى انه يتوقع ان تطلب تعديل الاتفاق ولا سيما الجزء الذي يتناول وضع القوات في سيناء في الملحق العسكري للاتفاق. وهذا الامر مهم جدا لمصر: ان طلب تعديل الاتفاق مشروع لأن طلب تعديله ممكن بعد خمس سنوات أو عشر من توقيعه؛ ولم تستحسن مصر قط الحد من سيادتها في سيناء وطلبت مضاءلة ذلك؛ ومن المهم للنظام الجديد ان يوضح انه حصل من اسرائيل على ما لم يحصل عليه النظام السابق. والاهم اليوم ان زيادة القوات المصرية في سيناء ضرورية لتقوية سيطرة النظام على سيناء في مواجهة الجهات الارهابية، وهو معني بتثبيت ذلك في اتفاق لا بارادة اسرائيل الخيرة.
وتتصل الخطوة الثانية بمضامين الاتفاق. يجوز لنا ان نفترض ان يفرغ النظام المصري اتفاق السلام من بعض العناصر التي بقيت فيه على الاقل حتى دون الغاء الاتفاق. وقد أخذ النظام الآن بعدد من الخطوات في هذا الاتجاه: فالرئيس مرسي لا يتحدث مباشرة مع القيادة الاسرائيلية؛ ولاسرائيل سفير في مصر لكن لا توجد سفارة فاعلة، وإن يكن سبب ذلك صعوبة وجود حل امني مناسب لحراسة السفارة لا قرارا من النظام المصري؛ واتفاق الغاز منذ سنة 2005 الذي كان أحد التعبيرات المفردة والمركزية عن التطبيع للعلاقات بين مصر واسرائيل وألغته مصر في نيسان 2012. فاذا استمر مرسي في الامتناع عن حديث مباشر مع اسرائيل ويدعه للجيش والاجهزة الامنية ووزارة الخارجية فسيكون في ذلك خفض آخر لمستوى العلاقات بها. وقد حدث في اثناء ذلك ايضا انخفاض لمستوى التحادث بين جيشي مصر واسرائيل، وأخذ يتم ذلك الآن على مستوى عسكري أدنى مما كان في الماضي. ويجب ان نؤكد من الجهة الاخرى ان مرسي أرسل سفيرا جديدا الى اسرائيل وينبغي ان نرى ذلك اشارة واضحة لاسرائيل الى انه ينوي الحفاظ على اتفاق السلام معها وبذلك أسهم ايضا في ارسال سفير اردني جديد بعد تأخر سنتين.
على كل حال، حتى لو أضرت مصر بالعلاقات السلمية باسرائيل فانه يبدو احتمال ان تتجه عائدة الى طريق محاربتها، يبدو ضئيلا. وسبب ذلك بسيط وهو انه يوجد في مصر جهات غير قليلة تتحفظ من السلام مع اسرائيل لكن لا يوجد في مصر – ولم يوجد ايضا منذ كان التوقيع على اتفاق السلام – أي زعيم أو منظمة جدية يقترحان العودة الى طريق المواجهة العسكرية معها. وفي ضوء التقدير المصري لتوازن القوى مع اسرائيل وادراك نقائص التوجه الى الحرب، فان احتمال ان تريد مصر العودة الى هذا الطريق في المستقبل منخفض.
حتى لو لم يكن لمصر أي اهتمام ونية للتوصل الى مواجهة عسكرية مع اسرائيل فقد نشأ احتمال تدهور محلي غير متعمد بين الطرفين على أثر الوضع الذي نشأ في سيناء. فقد بنيت في شبه جزيرة سيناء مواقع لمنظمات ارهابية جهادية تريد تنفيذ عمليات ارهابية استراتيجية تسقط اتفاق السلام على أثر ادخال قوة اسرائيلية الى سيناء لمنع عمليات كهذه. والى ذلك تعمل في شرق سيناء جهات ارهابية فلسطينية من قطاع غزة وتستعمل المنطقة ارضا انتقالية لتهريب السلاح الى غزة. لم تكن السيطرة المصرية على سيناء حتى في عهد مبارك كاملة وزاد ضعفها بعد تغيير النظام. على أثر قتل الجنود المصريين الـ 16 في العملية الارهابية في سيناء في آب 2012، بذلت الجهات الامنية المصرية جهدا كبيرا للقضاء على أوكار الارهاب، لكن هذا النشاط غير كاف. وفي الوضع الذي نشأ فان عملية ارهابية واسعة النطاق توجب على اسرائيل التدخل في سيناء، قد تفضي الى تدهور محلي بين الجيشين قد يعرض اذا أفرط ذلك مستقبل اتفاق السلام للخطر.
يوجد جانب آخر لمواجهة محتملة بين اسرائيل وجهات ارهابية. كان نظام مبارك يعامل المواجهات العسكرية بين اسرائيل ومنظمات فلسطينية أو حزب الله بضبط للنفس نسبي. أما النظام الجديد في مصر فقد يلتزم بموقف أكثر تشددا من اسرائيل في اثناء مواجهات كهذه ولا سيما مع حماس في غزة. وسيسهم في هذا الموقف عداؤه لاسرائيل وصلتها بحماس والضغط العام على النظام. وعلى ذلك فان عملية عسكرية اسرائيلية واسعة في غزة قد تفضي الى رد مصري أشد مما كان في الماضي، كاعادة السفيرين وتجميد العلاقات باسرائيل، وقد يجر هذا الرد المصري الاردن ايضا. صحيح ان الرد المصري في خلال عملية عمود السحاب كان معتدلا فقد دُعي السفير في اسرائيل الى تشاور وأُرسل رئيس الحكومة المصرية لزيارة القطاع. لكن التوجه المصري المعتدل نبع بقدر كبير من ان العملية كانت محدودة الزمن ولم تشتمل على عمل بري وكان عدد المصابين من المدنيين في القطاع محدودا. أما عملية أوسع في المستقبل اذا تمت ولا سيما اذا اشتملت على عمل بري فقد تستدعي ردا مصريا أشد.
الخلاصة
ستكون علاقات السلام بين مصر واسرائيل مختلفة في فترة حكم "الاخوان" عما كانت عليه في فترة حكم مبارك لكن ليس من الواضح الى الآن كم ستكون مختلفة. وقد بدأ عدد من التغييرات فقد أصبح النظر الى اسرائيل في الخطاب العام في مصر أكثر عداءا؛ ولا يجري الرئيس مرسي محادثة مباشرة مع اسرائيل ويُشك في ان يجريها في المستقبل؛ وتطالب اصوات كثيرة في مصر بتعديل اتفاق السلام ويوجد من يطلبون الغاءه؛ وتضاءلت علامات التطبيع أكثر. ومن الجهة الاخرى لم يحدث الى الآن تحول في علاقات مصر باسرائيل، فالاستمرار في علاقاتهما أكبر من التغيير وتم الحفاظ الى الآن على أسس اتفاق السلام فلم يتم نكث الاتفاق، ومصالح مصر الامنية على حدود سيناء والفراغ في داخل سيناء يحثان مصر على التعاون الامني مع اسرائيل، ويُمكن التحادث بين الجيشين من حل مشكلات؛ ولمصر واسرائيل مصالح مشتركة اخرى، وتضغط الادارة الامريكية على مصر كي لا تمس بعلاقات السلام؛ وللوضع الاقتصادي الصعب في مصر أثر ايجابي على العلاقات باسرائيل لأنه يستولي على معظم اهتمام النظام المصري ويزيد تعلقه بالمساعدة الامريكية.
إن جذر المشكلة هو في التوجه العقائدي – الديني للاخوان نحو اسرائيل الذي يرفض حقها في الوجود ويراها تهديدا وعدوا. ويجب على النظام المصري من الجهة الاخرى ان يأخذ في حسابه ضرورات الواقع والتقديرات الامنية والاقتصادية والسياسية. إن السياسة المصرية بعامة والتوجه نحو اسرائيل بخاصة مشتقان من التوتر بين الايديولوجية والواقع العملي. وكان النظام المصري الى الآن أكثر ميلا الى الجانب العملي وأقل ميلا الى الجانب الايديولوجي مرغما تقريبا، هذا الى ان القضية الاسرائيلية ايضا لا تشغله الآن فوق ما يستدعي الامر. وما زال يوجد سؤال مفتوح هو هل سيستمر في نهجه المعتدل زمنا طويلا أو ينوي ان يبني بالتدريج قاعدته السياسية والفكرية وحينما يشعر في مرحلة ما بأنه قوي بقدر كاف لمواجهة العقبات في طريقه ومواجهة أعدائه سيحاول تنفيذ توجهه العقائدي حتى نحو اسرائيل. واذا بلغ النظام هذه المرحلة فستكون ساعة امتحان لعلاقاته باسرائيل.
من المنطق ان نفترض ان القضية الفلسطينية ستكون قضية رئيسة في تحديد توجه علاقات مصر باسرائيل. وفي مرحلة ما في المستقبل القريب سيتجه النظام المصري كما يبدو الى علاج المشكلة ويحاول الدفع بها قدما برغم اشكاليتها وتعقيدها عن تقدير أنها تستطيع ان تكون ايضا أداة رئيسة لبناء قوته الرائدة في العالم العربي. وكلما استمر الجمود في المسيرة السياسية الاسرائيلية الفلسطينية وبقي الحل بعيدا، أثقل على علاقات مصر باسرائيل وزاد في الصعوبة عليها ولا سيما في اوقات مواجهة عنيفة بين اسرائيل والفلسطينيين. أما في مقابل ذلك اذا أُحرز تقدم حقيقي في المسيرة فمن المؤكد أنه اذا كانت مصر مشاركة في احرازه فسيستطيع ذلك المساعدة في التقريب في العلاقات بين مصر واسرائيل وتحسين صورة اسرائيل في نظر المصريين، واذا وقع ذلك فستكون له أهمية خاصة بالنسبة لعلاقات السلام بين مصر واسرائيل لأنها ستعطى ختم "الاخوان المسلمين".
يتحول شبه جزيرة سيناء الى ميدان مهم للعلاقات بين مصر واسرائيل بسبب نشاط الجهات الارهابية فيه ولكونه منطقة انتقالية لتهريب السلاح والاشخاص الى قطاع غزة. وقد وجد الى الآن تقارب مصالح بين مصر واسرائيل في هذا الشأن وكلاهما معنية بتعزيز السيطرة المصرية في سيناء ومنع العمليات الموجهة على اسرائيل. ومن المنطق ان نفترض ان يثير المصريون في المستقبل القريب في هذا السياق قضية تعديل اتفاق السلام تعديلا يُمكنهم من تحسين سيطرتهم على سيناء ولا يعارض هذا الامر بالضرورة المصلحة الاسرائيلية وفيه جوانب ايجابية لاسرائيل ايضا. لكن لما كان قصد الجهات الارهابية في سيناء الى ضعضعة العلاقات بين مصر واسرائيل بواسطة عملية مؤلمة موجهة على اسرائيل فستضطر اسرائيل الى اظهار حساسية وضبط للنفس وحذر كي لا تساعد تلك الجهات على احراز قصدها.
ونقول آخر الامر إن صورة النظام المصري وسياسته لم تتشكلا بصورة نهائية الى الآن ويُحتاج الى وقت حتى يحدث ذلك. إن تغير النظام يجري مع صراعات داخلية بين الاخوان وخصومهم بحيث قد يشارك الجيش في هذه الصراعات. ولما كان الامر كذلك فان سياسة مصر نحو اسرائيل في المستقبل – التي لا تحتل الى الآن مكانا مركزيا في هذه الصراعات – ستتأثر بنتائج مسار التغيير، وقد يبدو مختلفا عما يبدو عليه اليوم بقدر ما.
الدراسة المنشورة تعبر عن رأي صاحبها