طوال مساره لم يُضع بوصلة فلسطين-عبد الرحمن جاسم
2016-02-18
اهتم هيكل كثيراً بالقضية الفلسطينية، وخصوصاً أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. كان الأخير يرى أن قضّية فلسطين هي قضية العرب المركزية، لكنّ رحيل «الريس» وتحوّل مصر الساداتية لاحقاً إلى «السلام»، جعلا هيكل نفسه يتناقش كثيراً على نحو علني في القضية بحد ذاتها. انتقد «أوسلو»، و»تجاهل حماس ومقاومتها»، وكتب كثيراً عن «كواليس سلامٍ زائفٍ يعشقه قادةٌ وهميون». هو لم يكن أبداً رجل «سلام»، أي إنّه لم يبشّر يوماً بالسلام مع الصهاينة، ولم يؤرّخ له، وإن كان يمكن ملاحظة حديثه الدائم عن «قوّة» الكيان العبري ومتانته. «ثيمة» رسمية تلقفتها و»طبّلت» لها الأنظمة العربية (وأبواقها الإعلامية) منذ عام 1967 حتى عام 2000 (أي بعد انتصار المقاومة على اسرائيل وطردها من لبنان).
بدأ احتكاك هيكل بالقضية الفلسطينية حين غطّى كمراسلٍ حربي الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1948 (بدأ عمله هناك عام 1942 ويروي أنّه تعرّف إلى عبد الناصر وقتها)، وكان آخر صحافي غادر العاصمة الفلسطينية القدس إلى مدينة غزّة في ذلك العام.
ازدادت علاقته بالقضية الفلسطينية قرباً بعدما قدّم القيادة الفلسطينية (منظمة التحرير آنذاك ورئيسها ياسر عرفات) إلى عبد الناصر (غطى وكتب عن معركة الكرامة 1968 التي كانت من أوائل الانتصارات على الصهاينة).
وقتها أصر عبد الناصر على تقديم عرفات إلى العالم بصفته «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»، فكان أن ضمّه إلى الوفد الذي تولى هيكل بنفسه رئاسته للقاء القادة السوفيات. استمر هيكل في العلاقة «الحسنة» مع أبو عمّار، الذي وصفه أكثر من مرة بأنه «فلسطيني قلباً وقالباً»، وكان عرفات يحرص على زيارته كلما زار القاهرة للاطلاع على «الجو العام المصري». إبان عصر السادات، أخذ هيكل موقفاً مبهماً من القضية الفلسطينية عموماً، ومن السلام خصوصاً؛ إذ إنّه لم يكن يريد مواجهةً مباشرة مع السادات، لكنه في الوقت عينه بقي محافظاً على فكرته بأن هذه «قضية العرب» المركزية (ورد ذلك في كتابه الثلاثي الأجزاء: «المفاوضات السرية بين العرب واسرائيل»).
نظر إلى «حماس» بصفتها عميلاً إخوانياً أكثر من كونها «مقاومة» للصهاينة
ومع اغتيال السادات، ومجيء مبارك، بدا منطق هيكل هو ذاته، ورفع الصوت عالياً معارضاً لاتفاقية أوسلو (بين منظمة التحرير والعدو الصهيوني) ومصراً على أن هذه الاتفاقية كانت نوعاً من «الهزيمة»، قائلاً (في الثلاثية نفسها): «كان رابين يتطلع ــــ في حالة توقيع اتفاق مع منظمة التحرير ــــ إلى أن هذه السلطة الوطنية الفلسطينية سوف تحمل عنه مهمة القضاء على «المقاومة» الشعبية» (المتمثّلة في الانتفاضة آنذاك). برغم ذلك الموقف «الوطني» الطبيعي من هيكل، إلا أنّ صمته إبان العدوان على غزّة (عام 2014) كان مريباً، ما دفع وزير العدل الفلسطيني السابق فريح أبو مدين إلى توجيه رسالة علنية مفتوحة له سائلاً عن موقفه الصامت الغريب. ومن يفهم اللعبة السياسية المصرية الداخلية ونظرة هيكل إلى الإخوان المسلمين فإنه يستطيع بسهولة فهم صمت «الأستاذ». هو كان ينظر إلى «حماس» بصفتها عميلاً إخوانياً أكثر من كونها «مقاومةً» للصهاينة. تضاف إلى ذلك نظرة هيكل إلى «غزّة» بصفتها امتداداً «طبيعياً» لمصر. لذلك كان ما يحدث في غزّة جزءاً لا يتجزأ من موقفه من الإخوان وحماس ضمناً. الأمر عينه حكاه أيضاً تجاه «القادة» الحاليين للشعب الفلسطيني، فكتب: «هواجسي تزداد يوماً بعد يوم بأن قضية فلسطين وهي الأزمة المركزية في حياة العرب وأمنهم ومستقبلهم، طالت من دون قيادة، وتفاقمت من دون حل، وتقدم لمسؤوليتها من هم أقل من مطلبها، ثم آل قرارها إلى من لا يقدر عليه، فترك للزمن أن يغطيه، والزمن له قانون آخر حسابه بالفعل، وبغير الفعل فليس هناك غطاء، لأنه ليس مع الضياع حساب!».
أسف هيكل كثيراً في أواخر حياته (وخصوصاً في لقاءاته الأخيرة على قناة CBC المصرية مع لميس الحديدي) على نسيان العرب لقضيتهم المركزية فلسطين، مؤكداً على حزنه الشديد «لكوننا قد نسينا فلسطين»؛ والكاسب الوحيد من ذلك «النسيان» هو «الصهاينة الذين يزدادون قوةً ونحن ــــ كعرب ــــ نزداد ضعفاً».