47عاما على انطلاقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين-محمد بهلول
2016-02-21
شكلت انطلاقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين علامة مميزة في مسيرة النضال الوطني التحرري للشعب الفلسطيني في اطار الثورة الفلسطينية المعاصرة، وهذه العلامة تتعدى الحماس الشخصي او الانشداد العاطفي والتاريخي الى ما هو قراءة موضوعية هادئة وعلمية وتستند الى المقارنة والوقائع المثبتة وثائقيا ورقابة على الاداء.
منذ الايام الاولى، برزت الجبهة كتنظيم سياسي مربك فكريا وايدولوجيا الا انه بسرعة قياسية حسم خياره الفكري وقطع مع كل ما هو ترسبات ومزيج خليطي الى النقاء الحاسم لفكر الطبقة العاملة، وهو ما ميز الجبهة عن باقي الفصائل اليسارية التي تقدمت الى الامام تحت تأثير نجاحات وانتصارات الحركة الثورية العالمية بفكرها الجديد، لكنها بقيت مشدودة الى الماضي بتأثير الفكر القومي السائد، فكانت عملية تحولها طويلة وغير حاسمة، لان اساسها قام على التأثر الخارجي دون مواكبه العامل الذاتي الداخلي .
حسم الخيار الايدولوجي السريع بما هو عملية تكاملية قائمة على الربط ما بين الفكر والايداء، مكن الجبهة الديمقراطية ومنذ ايامها الاولى لتبؤ مكانه اهلتها من التقديم الدائم لعنوان الحلقه المركزية للمرحلة النضالية للشعب الفلسطيني.
ان فهم التناقضات والربط بين ما هو "ادوات القراءة ومنهج التحليل للواقع الفلسطيني المعقد اجتماعيا والمتداخل بتقسيماته الطبقية والموزع جغرافيا والمتنوع بمصالحه اليومية والمباشرة والمتأثر بأنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة. لم تكن بمتناول الا من هو حاسم بخياره الفكري والمنسجم بمركزه القيادي والممتلك لأدوات القراءة ومنهج التحليل العلمي وهو الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
ان قدرة الجهة على فهم التناقضات ووضع العناوين ورسم الخريطة الطبقية والجغرافية على المستوى الذاتي الفلسطيني واشتقاق برامج عمل ملموسة لكل طبقة وفئه اجتماعية من جهة ولكل جغرافية من جهة اخرى تقوم على الربط بما هو عام وطني وخاص اجتماعي واقتصادي(ديمقراطي) يومي، مباشر ومحسوس، هو الذي مكن الشعب من اختراق حاجز الارتباط بالمشروع القومي الرسمي السائد والانشداد الى الدور الذاتي الوطني ورسم الشخصية الوطنية المستقلة للشعب الفلسطيني وهو الذي مهد لتحول منظمة التحرير من كيان تابع الى متحول فعنوان وكيان وطني.
ان تحول القضية والشعب من ادوات لمشروع قومي رسمي كادت تتعثر بانشداد الوطني الفلسطيني الى كيان منعزل عن محيطه العربي "الذي يحوي ما يزيد عن نصف الشعب كلاجئين" لولا ادراك العلاقة الجدلية ما بين الدور الذاتي والشخصية الوطنية والعام العربي من خلال الشعوب وقواها التحررية والديموقراطية اي ما عرف بحركة التحرر الوطني العربية، وهي علاقة صاغتها ومارستها الجهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. بحنكة عالية ومهارة املتها المصالح المتقاربة للشعوب العربية.
ان صياغة العلاقة الترابطية ما بين الخاص الفلسطيني والعام العربي، التي قدمت نموذجها الحقيقي الجهة الديمقراطية وتعممت لاحقا، واجهتها وجهتي نظر كانتا قاتلتين لو تم اعتمادهما، الاولى الفصل والانقسام تحت ذرائع الدور الذاتي والوطنية الفلسطينية الصارمة بعد سنوات من التذويب، والاخرى الرهان على الخيار القومي الرسمي المتستر بالانحياز والالتفاف الشعبي والمنسلخ ما بين ما هو وطني وديمقراطي .
انسياقا مع الربط ما بين الخاص الفلسطيني والعام العربي، كان لا بد من التقدم بصياغة ادوات التوحيد والشد الشعبي للعامل الذاتي الفلسطيني، والانتقال من الوحدة العاطفية الى الوحدة البديهية، فجاءت الصياغة لمفهوم الوحدة على اساس الربط المنطقي للمصالح الوطنية والمصالح اليومية المباشرة، في مقابل الانسياق العاطفي.
لنظرية سياسة السلاح كشكل اساسي ووحيد وهنا كان لمنهج التحليل وادوات القراءة الدور الحاسم في فهم التناقضات والتسليم بالتناقض الرئيسي مع الاحتلال وامكانية التعايش مع كل التناقضات الثانوية سواء في اطار الشعب الفلسطيني "تناقضات طبقية وجغرافية" او حتى التناقضات مع النظام العربي الرسمي، فكان مفهوم وحدة الشعب وتلاحم قواه وتعبيراته السياسية والحزبية في اطار جهة وطنية، وكان الشعار تحويل منظمة التحرير الى جبهة وطنية والعنوان" الوحدة الوطنية واهداف الشعب كله" وتناغم اشكال النضال المختلفة وفق الظروف الخاصة بكل الطبقات والفئات الاجتماعية والجغرافية المتنوعة وتم السيطرة بسرعة قياسية على نظرية سياسة السلاح وتحويلها الى نظرية الشعب المقاوم وسلاح السياسة.
كان لسلاح السياسة، الدور المؤثر في صياغة مشروع الشعب المقاوم في اطار ما عرف بالبرنامج المرحلي والذي اتى انسياقا طبيعيا لإرث فكري وسياسي كبير وان في اقل من ثلاث سنوات.
تقوم فلسفة البرنامج المرحلي عكس ما هو متعارف عليه، من انه انسجاما مع موازين القوى المحلية والدولية وتوائما مع الشرعية والقانون الدولي على اهميته وتأثيره، الا ان ما هو حاسم في البرنامج المرحلي هو توطيد الوحدة البديهية للشعب الفلسطيني المتنوع طبقيا والموزع جغرافيا والمتعدد بمصالحه الوطنية العامة والاجتماعية اليومية.
ان مصالح اللاجئين الوطنية هي العودة، ومصالح سكان المناطق المحتلة عام 1948 هو المساواة والاعتراف القومي ومصالح سكان المناطق المحتلة عام 1967 هو قيام دولة فلسطينية مستقلة، فجاء البرنامج المرحلي توائما ما بين هذه المصالح وتوحيدا لجهود ونضال مكوناتها الشعبية في اطار مشروع فلسطيني وطني واحد يعزز نظرية الشعب المقاوم ويوطد شخصية الوطنية المستقلة ويرتقي بعنوانه وكيانه الوطني.
ان الدور الذي لعبته الجهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لم يقتصر على التقديم النظري للحلقة المركزية للمرحلة المعينة بل نضال ودماء مناضلاتها ومناضليها في الميادين والساحات المختلفة وعلى الجهات كلها والجوانب كافة.
من حق مناضلات ومناضلي الجهة الديمقراطية ان يفتخروا اليوم بتضحيات العظام من ابناء جبهتهم والارث الفكري والسياسي والاداء النضالي لتحويل العناوين والشعارات الى وقائع عنيدة في كل الميادين.