:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/9280

سرّ تمسك الاتحاد الأوروبي بالموضوع الفلسطيني-نظرة عليا

2016-03-09

النبأ الذي نشر في "هآرتس" في 12 شباط 2016 والذي تحدث عن مكالمة هاتفية بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وبين المسؤولة عن الشؤون الخارجية والامنية في الاتحاد الاوروبي، فيدريكا موغريني، التي تقرر فيها انهاء الازمة بين اسرائيل والاتحاد الاوروبي في أعقاب قراره من تشرين الثاني 2015، وسم البضائع التي مصدرها المستوطنات واستئناف الحوار بين الاطراف في الموضوع الفلسطيني. وقد جاء قبل الاعلان أن "اسرائيل والاتحاد الاوروبي بدأتا في مفاوضات هادئة لانهاء ازمة وسم البضائع". وجاء ايضا أن الاطراف على استعداد لاستئناف المحادثات فيما بينهم في الموضوع الفلسطيني. هذه المحادثات التي تم تجميدها من اسرائيل قبل ثلاثة اشهر ردا على قرار الاتحاد الاوروبي وسم البضائع وبما يتناسب مع قرار رئيس الحكومة اجراء "اعادة تقييم" لتدخل مؤسسات الاتحاد في العملية السياسية. اضافة الى نية استئناف النقاش في الموضوع الفلسطيني، الاطراف تنوي التوصل الى تفاهمات تشمل خطوات متبادلة من اجل اعادة العلاقات "الى المسار الصحيح".
في المحادثات التي أجريت بين مندوبي وزارة الخارجية الاسرائيلية ومندوبة وزارة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، هلغا شميدت، قيل إن أحد شروط استئناف النقاش مع الاتحاد في الموضوع الفلسطيني هو "تعامل الاتحاد بشكل متزن أكثر. وأكثر احتراما لاسرائيل". وقد قيل لها "إن قرار مجلس وزراء خارجية الاتحاد وقرار وسم البضائع كانا أحاديا الجانب وتبنيا عمليا الرواية الفلسطينية. وبهذا الشكل لا يمكن اجراء نقاش محترم". يمكن القول إن محادثات توضيحية اخرى ستحدث، ستحصل فيها اسرائيل على "مقابل" بسبب استعدادها لاستئناف النقاش مع الاتحاد في الموضوع الفلسطيني. يصعب التكهن بهذا المقابل الذي قد يكون له طابع رمزي غير ملزم. وليس هناك فرصة لأن يغير الاتحاد قراره المبدئي في موضوع الوسم أو في أي موضوع آخر يرتبط بالمسألة الفلسطينية.
على هذه الخلفية يتم طرح عدد من الاسئلة. السؤال الاول يتعلق بـ "المسار الصحيح". هل يمكن في الظروف السياسية الحالية اعادة العلاقة الى مسارها الصحيح؟ ما المقصود بالمسار الصحيح؟ ويضاف الى ذلك الى أي مدى هذا الهدف منطقي، لا سيما في ظل المواقف الاساسية للاتحاد الاوروبي في الموضوع الفلسطيني بشكل عام وموضوع الاستيطان بشكل خاص. هذه مواضيع كانت وما زالت مثارا للخلاف بين الاتحاد واسرائيل منذ سنوات. إلا اذا كان المقصود هو "العودة الى المسار الصحيح"، أي استمرار ادارة الازمة وعدم حدوث تصعيد في العلاقة.
سؤال آخر هو – طلب اسرائيل "اسلوب محترم ومتزن أكثر" من قبل الاتحاد، في ظل كون قرار وسم البضائع خطوة أحادية الجانب تتبنى الرواية الفلسطينية. حتى لو لم يكن واضحا ما هو قصد اسرائيل من هذا الشرط، فليس هناك جديد في الادعاء الاسرائيلي حول غياب التوازن من قبل الاتحاد في مواضيع العملية السياسية واستعداده لقبول الرواية الفلسطينية. في الظروف الحالية هي من المنطق توقع أن يعيد الاتحاد النظر في مواقفه تجاه الموضوع الفلسطيني والمستوطنات كجزء من الجهد لاعادة العلاقات الى المسار الصحيح؟.
جهود الطرفان لا تعكس الاستعداد لتغيير المواقف المبدئية، بل تعكس استعداد اسرائيل لـ "النزول عن الشجرة" التي تسلقت عليها حينما ردت بخيبة أمل، الامر الذي وجد تعبيره في اقوال رئيس الحكومة ("يجب على الاتحاد أن يخجل"... القرار هو تعبير عن "التلون وازدواجية الاخلاق"... "اوروبا تسم الطرف الذي يتعرض للارهاب... يبدو أن هناك الكثير من الناس في اوروبا على الارض التي ذُبح فيها 6 ملايين يهودي، لم يتعلموا أي شيء..."). في اقوال عدد من وزراء الحكومة (وزيرة العدل اييلت شكيد اعتبرت قرار الوسم قرارا معاديا لاسرائيل ولليهودية) وفي اعلان قطع الاتصالات و"اعادة التقييم" لتدخل الاتحاد في الامور المتعلقة بالعملية السياسية يبدو أن الفهم الذي تبلور لدى حكومة اسرائيل هو أن التجميد لن يحل الازمة. وكما قال رئيس الحكومة في أحد تصريحاته – "بالنسبة للاتحاد ما زالت اليد ممدودة. وفي كل ما يتعلق بالعقوبات ضد المستوطنات وقدرة الاتحاد على التمييز بين اسرائيل والمناطق". من هنا يوجد مكان للعودة الى الحياة العادية. وخلافا لحكومة اسرائيل التي تدعي أن الموضوع الفلسطيني فقد الاهمية بسبب الاحداث في الشرق الاوسط وأن على الاتحاد تركيز جهوده في الصراعات التي تؤثر في استقرار المنطقة وأمن اوروبا، فان الاتحاد يستمر في اعطاء حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني الاهمية العملية بواسطة تطبيق حل الدولتين. من هنا توجد حاجة في نظر الاتحاد للتحادث مع اسرائيل، الامر الذي يعطيه فرصة للعمل في ساحة الصراع. على أساس فهم أنه لا يمكن تغيير موقف الاتحاد، رئيس الحكومة نتنياهو يكتفي بالأمل أنه في مقابل استئناف الحوار فان الاتحاد سيكون على استعداد للتعاون "بطريقة محترمة أكثر".
اضافة الى الرأي السائد لدى النخب الاوروبية حول أهمية حل المشكلة الفلسطينية كعامل مساهم في استقرار الامن في الشرق الاوسط، توجد للمشكلة الفلسطينية ايضا اهمية كموضوع يوحد 28 دولة في الاتحاد. في مقال نشر في صحيفة "الايكونوميست" في كانون الثاني 2016 والذي تحدث عن سياسة اوروبا الخارجية التي تستند الى المباديء والقيم، كان هناك انتقاد يقول إن الدول الكبرى رفعت من شأن المواضيع السياسية التي تستند الى لاهاي وأبقت لنفسها الاهتمام بالمواضيع "الصعبة" مثل الأمن والطاقة. وجاء ايضا أنه الى جانب تأييد العدل الدولي واستنكار عقوبة الاعدام، كان هناك تأييد صامت للديكتاتور أو صفقات الطاقة المشبوهة.
في اللقاء الذي جرى بين ممثلي وزارة الخارجية في الاتحاد وممثلي اسرائيل جاء أن الشرعية والاساس لانتقاد الاتحاد الاوروبي لسياسة اسرائيل في المناطق راسخ في القانون الدولي. وفي هذا السياق تستطيع كل عضوة في الاتحاد تقديم موقف مشترك. وهذا أمر مهم للاتحاد في ظل وجود ما يُفرقه أكثر مما يُوحده (يشار الى أن اخلال روسيا بالقانون الدولي هو ايضا أساس لموقف مشترك للاتحاد حول العقوبات على روسيا رغم أن بعض الدول الاوروبية لا ترتاح لهذه السياسة). من هذه الناحية هناك مستوى من العدل في اقوال نتنياهو إن مشكلة اسرائيل مع الاتحاد ليست مع الدول المختلفة بل مع نمط الاتحاد الذي لا ينتظر ردا بل هو يبادر – كما حدث في موضوع وسم البضائع. إن انتقاد نتنياهو للجهاز في لاهاي يتقاطع مع "روح المرحلة". جمهور متزايد، خصوصا في وسط وشرق اوروبا، ينتقد التأثير الزائد للاهاي على حياتهم وعلى تقييد سيادة الدول نفسها. وعلى خلفية نشاط نتنياهو في الاسابيع الاخيرة في اوساط دول الاتحاد المعارضة لتأثير لاهاي على سياستها، يبدو أنه يعتقد أنه كلما زاد الشرخ داخل الاتحاد كلما كان هذا أفضل لفرصة منع اتخاذ قرارات مناهضة لاسرائيل.
خلاصة القول: يبدو أن قرار الاتحاد الاوروبي وسم البضائع، الذي كان السبب في الازمة الاخيرة بين اسرائيل والاتحاد، كان من اعراض مشكلة مستمرة، والتي هي ليست تقنية بل تعبيرا عن سياسة الاتحاد الذي يميز بين اسرائيل في حدود 1967 وبين مناطق يهودا والسامرة. حسب رأي الاتحاد، الخطوة تهدف الى الحفاظ على فكرة حل الدولتين على قيد الحياة. إن جهود اعادة العلاقات بين اسرائيل والاتحاد "الى المسار الصحيح" قد تنجح اذا قامت حكومة اسرائيل بتغيير سياستها الحالية، والتي تقدس الوضع الراهن وتقوم بخطوات تؤكد تأييدها لحل الدولتين للشعبين. وفرصة حدوث ذلك في الوقت الحالي ضعيفة جدا.