:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/9294

عام على قرارات المجلس المركزي- معتصم حمادة

2016-03-10

معركة تنفيذ قرارات المجلس المركزي مفتوحة فهي المدخل لنواري مرحلة أوسلو التراب ونفتح الأفق لمرحلة نستعيد بها البرنامج الوطني الكفاحي.
■ عندما أصدر المجلس المركزي قرارته في مطلع أذار (مارس) الماضي، والتي شكلت نقلة نوعية في السياسة الفلسطينية، إيذاناً بمغادرة مرحلة سياسية نحو مرحلة سياسية جديدة، قلنا، وقال آخرون «إن العبرة بالتنفيذ»، لكن مثل هذا القول لم يكن يعني، بالنسبة لنا على الأقل، أن المرحلة قد وصلت إلى غاياتها، بل على العكس من ذلك، حين اعتبرنا قرارات المجلس انتقالاً إلى محطة سياسية جديدة، وأن هذه القرارات هي سلاح في يدنا، نتسلح به في مواجهة المحاولات المستميتة لإدامة المرحلة السابقة، والتهرب من إستحقاقات المرحلة الجديدة، بكل ما فيها من تعقيدات وصعوبات وتضحيات ملزمة.
أولى محاولات التهرب من قرارات المجلس المركزي، خاصة قراري وقف التعاون الأمني، ومقاطعة الإقتصاد الإسرائيلي، تمثلت في محاولة القيادة الرسمية إعادة تفسير القرارات بأنها مجرد توصيات، وأنها غير ملزمة، وأنها تحتاج إلى نقاش من جديد في اللجنة التنفيذية. حتى أن البعض، وإرضاء منه للقيادة الرسمية، وتأكيداً منه للولاء لها، ولما توفره له من مكاسب فئوية وشخصية، ذهب إلى حد الإقتراح بطرح القرارات «التوصيات» على الإستفاء الشعبي. لكن ضغوط الحالة الشعبية، وإحساس القيادة الرسمية بحجم هذا الضغط، دعاها لطي هذه الإقتراحات والتي لا همّ لها سوى الإلتفاف على القرارات، وإفراغها من محتواها، وتحويلها إلى مجرد وجهة نظر، قد يؤخذ بها، وقد لا يؤخذ، وأن الأمر يعود إلى «المطبخ» الذي بيده قرار الحل والربط، في محاولة فظة لتجاوز المجلس المركزي وتهميشه، ولإقصاء اللجنة التنفيذية المؤتمنة، حسب آليات العمل في المؤسسة، على تنفيذ قرارات المجلس.
* * *
رغم الإقرار، تحت الضغط الشعبي، بأن قرارات المجلس المركزي قرارات ملزمة، وغير قابلة للتفسيرات الملتوية، واصلت القيادة الرسمية محاولات الإلتفاف عليها، والمماطلة في تنفيذها، بإحالتها إلى اللجنة السياسية، وإلى لجان أخرى شاركت فيها قيادات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لدراستها وتقديم التوصيات والإقتراحات بآليات تطبيقها، وإستحقاقات هذه التطبيقات، وكيفية مواجهتها، خاصة ردود فعل سلطات الإحتلال الإسرائيلي. وكان ممكناً لهذه اللجان أن تعقد إجتماعات غير محدودة، لمنح القيادة الرسمية المزيد من الوقت للتهرب من واجبات وإستحقاقات التنفيذ. لكن ما عطل مثل هذه المناورات عاملان كبيران، يفترض ألا نتهاون في تقدير دورهما، عامل الضغط الذي مارسته القوى السياسية الفلسطينية خاصة ذات الإتجاهات اليسارية والديمقراطية، على القيادة الرسمية، في أكثر من أسلوب وأكثر من ميدان، في المؤسسة، وفي الشارع، مع المشاركة الحيوية لمؤسسات المجتمع المدني. والعامل الأخر، وهو الذي قلب الطاولة في وجه القيادة الرسمية وجردها من القدرة على المراوغة هي الإنتفاضة الشبابية التي إنفجرت في القدس وفي أنحاء الضفة، ولقيت الإحتضان الكبير من الحالة الشعبية الفلسطينية، في الـ 48، وفي الـ 67 وفي مناطق اللجوء والشتات. ورغم أن الإجماع الوطني لم ينعقد برنامجياً على تبني الإنتفاضة وإستحقاقاتها عنواناً لمرحلة سياسية جديدة، ببرنامجها وآلياتها، وأساليبها الكفاحية، فإن ما حققته الإنتفاضة وضع سداً منيعاً في وجه المحاولات للتخلص من إستحقاقات تنفيذ قرارات المجلس.
ومع أن خطاب القيادة الرسمية في الجمعية العامة للأمم المتحدة حاول أن يجعل من هذه القرارات موضوعاً للمقايضة، في خطوة أراد بها أن يمنح نفسه المزيد من الوقت، في رهان على تطور ما يبقيه يعيدا عن الإلتزام بقرارات المجلس؛ فإن الوقائع العنيدة كانت أكثر قوة، من تلك المحاولة، ولعل القيادة الرسمية نفسها، تدرك أكثر من سواها أن عملية المقايضة هذه هي في الأساس عملية خاسرة، ولن تؤدي إلى شيء إيجابي يخدم المصالح الوطنية الفلسطينية، وبالتالي فإن الحديث عن الإلتزام المتبادل بالإتفاقات الموقعة، فات وقته، ولم يعد يشكل مادة صالحة للتفاوض.
فالجانب الإسرائيلي، وهو يدرك حالة الإهتراء التي وصلت إليها الإستراتيجية السياسية للقيادة الرسمية، وهو يدرك كيف تخلت واشنطن عن المفاوض الفلسطيني تائهاً على رصيف الوعود الكاذبة، وهو يدرك (أيضاً) كيف لفظت اللجنة الرباعية أنفاسها، وهو يدرك، إلى جانب هذا كله إنشغال العالم، والعرب عن القضية الفلسطينية، لا يرى في هذه المقايضة ما يخدم مصالحه الإحتلالية الإستيطانية، لذلك تجاهلها في كل المحطات، وتمسك بشروطه المانعة للعودة إلى عملية سياسية مفيدة، تبدو شروطها أكثر إنحداراً من شروط سابقاتها. وفي الختام وصلت لعبة المقايضة إلى مرحلة الإفلاس، ووصلت مناورات الإلتفاف إلى الطريق المسدود، ولم يبق بيد القيادة الرسمية سوى طلقة أخيرة تحاول أن تطلقها، في رهان جديد أن تفعل هذه الطلقة، ما فشلت كل الطلقات السابقة في فعله.
* * *
في هذا السياق، أعادت القيادة الرسمية تفسير قرارات المجلس وخفضت سقفها، بحيث تحول قرار وقف التعاون الأمني إلى موقف إستجداء سياسي، تبدي السلطة إستعدادها للإلتفاف عليه، والإلتزام بالمقابل بكل موجبات التعاون مقابل وقف قوات الإحتلال لإجتياحاتها وتوغلاتها للمنطقة (أ)، أي العودة للعمل بموجب إتفاق أوسلو، وإحياء المواد الميتة منه. حتى في هذا المجال، ردت سلطات الإحتلال على الموقف المتردي للسلطة بمناورة تجعل من الإلتزام الإسرائيلي رهناً بالإلتزام الفلسطيني، بحيث تخضع الأجهزة الأمنية لإمتحان مديد، تؤكد فيه مدى إستعدادها للذهاب إلى أقصى الحدود لتطويق الإنتفاضة الشبابية، وخنقها. لذلك كان الرد الإسرائيلي دعوة إلى الدخول في تجربة ميدانها رام الله وأريحا. وإذا ما نجحت الأجهزة الأمنية في تعاونها مع سلطات الإحتلال يمكن البحث في توسيع مساحة الإتفاق. أي بتعبير آخر، بدلاً من أن تعمد السلطة إلى تطبيق قرار وقف التعاون الأمني، وجدت به سبيلاً إلى إعادة تلميع أجهزتها في العيون الإسرائيلية، وتأكيد جدارة هذه الأجهزة في تقديم الخدمات الضرورية لأمن الإحتلال وأمن المستوطنين، عبر لعب دور البديل في مطاردة شباب الإنتفاضة والناشطين السياسيين.

خلاصة القول إن معركة تنفيذ قرارات المجلس المركزي ليست معركة محدودة الأفق. بل هي عنوان لمعركة سياسية عنوانها «التحرر من إتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس الإقتصادي». بكل ما يعينه هذا التحرر من إعادة صياغة للعلاقات الفلسطينية ـــ الإسرائيلية، والفلسطينية ـــــ الفلسطينية، والفلسطينية العربية، وهي عنوان لإنتهاء مرحلة سياسية عمرها ربع قرن من الزمن، وصلت بنا إلى الطريق المسدود، وضرورة رسم معالم المرحلة السياسية الجديدة، وبرنامجها الكفاحي وآلياتها وأدواتها النضالية. وبالتالي إذا كان قد مّرْ عام على قرارات المجلس المركزي، ولم تنفذ حتى الآن، ولم تحدث النقلة النوعية المطلوبة حتى الآن، فهذا ليس معناه نهاية المطاف. وحتى ولو لجأت القيادة الرسمية إلى اللعب بتفسير قرارات المجلس، وإلى المناورة عليها، فليس إلا لإدراكها حجم الإستحقاقات التي يتطلبها إلتزام هذه القرارات، وحجم الإنقلاب الذي ستحدثه في الحالة الفلسطينية وما سيلحقه هذا من ضرر بمصالحها الفئوية، مغلبة هذه المصالح على المصالح الوطنية العليا.
إن معركة تنفيذ قرارات المجلس المركزي ستبقى مفتوحة لأنها تشكل المدخل لنواري التراب مرحلة أوسلو، ولنفتح الأفق أمام مرحلة سياسية جديدة، نستعيد بها البرنامج الوطني الكفاحي، كما صاغته المؤسسة الفلسطينية، وكما قدمته إلى العالم عام 1988 إعلان الإستقلال