:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/9353

مناورات على شفا الهاوية -معتصم حمادة

2016-03-17

القيادة الرسمية أمام خيارين: إعتماد الإنتفاضة والبرنامج الوطني المرحلي بديلاً، وإما إستمرار لعبة المناورات على شفا الهاوية بتداعياتها الخطرة وغير المحدودة
■ مع دخولها شهرها السادس، وتقديمها أكثر من مئتي شهيد، وآلاف الجرحى والمصابين والمعاقين، وأكثر من ثلاثة آلاف أسير شاب دخلوا المعتقلات الإسرائيلية تؤكد الإنتفاضة الشبابية أنها ليست حدثاً عابراً، وليست مجرد ردود فعل لشباب غاضب يمكن إمتصاصها بإجراءات أمنية ميدانية، وبموجة من القمع الدموي بالتعاون بين سلطات الإحتلال، والأجهزة الأمنية الفلسطينية.
هي حدث تاريخي، بسياقه النضالي المعروف، جاء نتيجة لإختمار وطني ثوري، عاشته المناطق المحتلة، في ظل سياسات الإحتلال، وتراجع دور السلطة، وإنسداد آفاق العملية السياسية ووصولها إلى الطريق المسدود.
جاءت إستجابة لحالة وطنية فرضت نفسها على المجلس المركزي بقراراته في أذار (مارس) 2015 الداعية إلى وقف التعاون الأمني، ووقف العمل ببروتوكول باريس الإقتصادي، وتصعيد المقاومة الشعبية، ومواصلة تدويل الحقوق والقضية الوطنية الفلسطينية.
ومع ذلك، فإن السلطة ما زالت تلعب دورها البهلواني في سلسلة مناورات وهي تقف على شفا الهاوية، تعيش حالة من الفوضى والإرتباك والعدمية السياسية والتعامي عن الواقع والإنفصال عنه والإغتراب عما تعيشه الحالة الشعبية الفلسطينية، والحالة الإقليمية بعناصرها البارزة، الإسرائيلية، التركية، وغيرها.
في مقدمة المشاهد التي تتعامى عنها السلطة الفلسطينية المشهد الإسرائيلي الذاهب أكثر فأكثر نحو اليمين المتطرف، إن من خلال منظومة القوانين التي تزداد عنصرية كما هي مطروحة على الكنيست، من مشروع تنحية وفصل النواب الفلسطينيين العرب، إلى مشروع منع الآذان في المساجد الإسلامية إلى مشروع تقاسم المسجد الأقصى، إلى باقي المشاريع العنصرية القائمة على مبدأ التمييز السلبي ضد كل من هو عربي فلسطيني.
كما تتعامى السلطة عن تغول الإحتلال في توسيع الإستيطان، وإجتياح لمناطق (أ)، و في مقدمها مدينة رام الله ــ البيرة، والإعتداء على المؤسسات الإعلامية الفلسطينية، والتشريع الفظ والوقح لجرائم القتل اليومي بدم بارد لشباب فلسطين، دون أن ترف لقادة العدو رمشة عين أو أن ترتجف لهم يد.
تتعامى عن التوغل أكثر فأكثر في رفض إستئناف المفاوضات، أياً كانت شروطها، متعمدة في الوقت نفسه إذلال المفاوض الفلسطيني، وتركه يدق أبواب العواصم الدولية، ويقف متلهفاً عند بوابة باريس مستجدياً مبادرة ولو دون المستوى المطلوب فلسطينياً، لإنقاذ ماء وجه المفاوض، وإستعادته لشرعيته في المعادلة السياسية كما ترسمها واشنطن وتل أبيب، مستنكفاً في الوقت نفسه عن الإلتحاق بالمعادلة السياسية كما تعيد رسمها الإنتفاضة الشبابية.
* * *
كما تتعامى السلطة الفلسطينية في سياستها اليومية عما تقوم به من سلوك إستبدادي و قمعي، من موقع الظن أنها بذلك تخمد المشاعر المتأججة، وتسلك بذلك طريقاً لإخماد الإنتفاضة.
في هذا السياق تتصدى للمتظاهرين ضد الإحتلال والإستيطان، [كما فعلت مع المسيرة الجماهيرية للجبهة الديمقراطية في عيدها]. وتقف حاجزاً بين الشباب الغاضب وبين حواجز الإحتلال لحماية الجنود الإسرائيليين. وتمارس كل أشكال الضغوط على الشباب، بما في ذلك مطاردة الناشطين على حسابات الفيسبوك بتهمة التحريض ضد الإحتلال. [ألم يعترف ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات أنه أحبط 200 عملية واعتقل 100 ناشط في الأشهر الثلاثة من الإنتفاضة]. وتتدخل بشكل فظ، حتى عبر أداتها الأمنية لإخماد التحركات المطلبية كما فعلت مع الأضراب المشروع للمعلمين، فطاردت نشطاءهم وزجت بهم في السجن، وأحالت بعضهم على التقاعد المبكر وحاربت البعض الأخر بلقمة عيشه من خلال حسم الراتب وأيام الإضراب. وتناصب العمال العداء، من خلال إعادة صياغة قانون الضريبة بما يرضي الأغنياء ورجال المال والأعمال، وتعيد النظر في الضمانات الإجتماعية، لغير صالح الفئات الدنيا من عمال وصغار كسبة وموظفين وأصحاب الدخل المحدود. كذلك تناصب العداء مؤسسات المجتمع المدني، بفكها وإعادة تركيبها بقرارات فوقية ، دون أن تترد في التعدي على الحصانة النيابية لأعضاء المجلس التشريعي، في محاولة باتت مكشوفة لكمّ الأفواه، وقمع الحريات الديمقراطية، وإعادة هندسة علاقاتها بالمجتمع الفلسطيني، لجره نحو معارك جانبية تلهيه عن واجباته الوطنية الرئيسية، في تطوير الإنتفاضة، والتصدي لسلطات الإحتلال والمستوطنين ومشاريع التهويد والأسرلة.
تمارس السلطة الفلسطينية هذه السياسة بإعتبارها إستراتيجية واعية ومدركة لأهدافها، على حساب التفرغ للنضال الوطني، ولحرف الأنظار عن تقاعسها في تطبيق قرارات المجلس المركزي بإعتبارها الخطوة المفصلية لحسم الموقف من إتفاق أسلو، وحسم الموقف من العملية التفاوضية العبثية التي لم تنتج سوى تغطية سياسية لجرائم الإحتلال وممارساته العنصرية وسياساته الإستيطانية.
* * *
رغم أنها مدركة أنها باتت تعيش نهاية مرحلة سياسية بائسة، وفاشلة، اقتطعت من عمر الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ربع قرن بالتمام والكمال، فإن السلطة الفلسطينية ما زالت تخوض رهانات فاشلة بحثاُ عن مشاريع ليس من وظيفتها سوى تقطيع الوقت وملء الفراغ الذي خلفه وراءه جون كيري وهو يودع رام الله بدون إعتذار عن وعوده الكاذبة، وضماناته الفارغة.
آخر المشاريع، موضع الرهان، المشروع الفرنسي ــــ إذا جاز التعبير ــــ . وقد وافقت عليه السلطة ورحبت به حتى دون أن يتم الكشف عن عناصره وآلياته ومخرجاته.
هذا التلهف على المشروع الفرنسي إعلان جديد بإفلاس سياسة السلطة وخلو سلتها من أية بدائل. والغريب أن السلطة لم تعدل موقفها من هذا المشروع رغم الحقائق التي أخذت تتكشف عنه.
• فهو ليس مؤتمراُ دولياً. بل مؤتمر لدول تدعوها فرنسا لحضوره. المؤتمر الدولي هو الذي ينعقد تحت رعاية الأمم المتحدة، ورايتها، وبموجب قراراتها، والمؤتمر الذي تدعو له فرنسا، هو مؤتمر لعدد من الدول، تكون الأمم المتحدة ضيفاً عليه دون أية صلاحيات. ويكون موضوعه إستئناف المفاوضات الثنائية، دون وسيط دولي [إلا إذا رغب الوسيط الأميركي بأن يستعيد وظيفته] ودون العودة إلى قرارات الشرعية الدولية. ويتم بموجب إتفاق أوسلو، وخطة الطريق ومشروع «حل الدولتين» ومبدأ «ما يتفق عليه الطرفان يكون هو التطبيق العملي لقرارات الشرعية الدولية» وهو المبدأ الذي أثبتت التجربة فشله، في كل جولات المفاوضات بما في ذلك مفاوضات كامب ديفيد.
• هو ليس تحت إشراف مجلس الأمن بل إن ما يتم الإتفاق عليه، يؤخذ إلى مجلس الأمن ليصادق عليه. أي لإلباس الحل المختل وغير المتوازن، لباس الشرعية الدولية، على حساب القرارات السابقة الضامنة للحقوق الوطنية الفلسطينية بموجب القانون الدولي.
• وأخيراً، وليس آخر، تراجعت فرنسا عن وعدها بالإعتراف التلقائي بالدولة الفلسطينية إذا فشلت المفاوضات في الوصول إلى حل. وواضح أن هذا التراجع تمّ إرضاء لإسرائيل. ولنيل موافقتها على المشروع الفرنسي.
ألا تدرك السلطة كل هذا. بتقديرنا، إنها تدركه وتدرك أكثر منه، لكن الإنتفاضة وضعتها في الزاوية الحرجة، فإما أن تنصاع للإرادة الوطنية وتتوجه نحو تطبيق قرارات المجلس المركزي، المقياس العملي لتبني الإنتفاضة وبرنامجها السياسي [البرنامج الوطني المرحلي] بديلاً، وإما مواصلة لعبة المناورات على شفا الهاوية، وهو ما يعرض كل الحالة الوطنية لمخاطر غير محدودة.
ترى أي طريق ستختار هذه السلطة؟■