ساكسونيا الفلسطينية -فتحي كليب
2016-04-17
يحكى ان قانونا غريبا عجيبا كان سائدا فى مرحلة تاريخية سابقة فى ولاية المانية اسمها ساكسونيا ، سقطت ساكسونيا وتوحدت المانيا ، وانهارت عروش وامبراطوريات الظلم في اوروبا لتحل مكانها مفاهيم وقيم الديمقراطية وحقوق الانسان والقوانين العصرية التي ارتقت باوروبا الى مصاف الكيانات الكبرى التي باتت جزءا ممن يقررون مصير العالم. لكن في بلادنا ما زالت ساكسونيا وقانونها حاضرين في فكرنا وممارساتنا اليومية.
يقول قانون ساكسونيا : اذا ارتكب أحد من عامة الشعب (الفقراء) جريمة تقطع رقبته. واذا أرتكبها أحد من النبلاء او الاغنياء تقطع رقبة ظله (في حال كانت جريمة قتل). واذا سرق احد عامة الشعب تقطع يداه اما اذا سرق احد الاغنياء فتقطع يد ظله..
القرار العجيب الغريب الصادر من ولاية ساكسونيا الفلسطينية بقطع حقوق ومستحقات الجبهتين الديمقراطية والشعبية لتحرير فلسطين من الصندوق القومي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية بقرار من الرئيس محمود عباس - ابو مازن - هو قرارا ساكسونيا بامتياز.
فعندما يتخذ الرئيس مثل هذا القرار بحق فصيليين رئيسيين يشكلان ركنين اساسيين من اركان منظمة التحرير الفلسطينية فهذا يعني اختصار المنظمة بالشخص والجماعة والحزب. ولم يعد هناك من يأبه لا لوحدة وطنية يحتاجها كل الشعب ولا لصيغ عمل مشترك ترتقي بأوضاعنا وقضيتنا الى افضل.
المسألة سياسية، واذا كان المقصود من القرار المذكور الضغط سياسيا على الجبهتين للتغطية على السياسات الاوسلوية ، فاصحاب هذا القرار هم هواة سياسة ، وان تقلدوا اعلى المناصب.. لأن مثل هذه التصرفات لن تقود الا الى عكس المراد ولن تغير مواقف فئات وقطاعات وازنة في الشعب الفلسطيني.
اما اذا كان المقصود بالقرار رسالة الى الجبهتين من اجل التراجع عن مواقفهما بشأن القضايا الوطنية الكبرى وفي المقدمة النضال الجاري لتنفيذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير وبرامج الاجماع الوطني، وبعض قضايا المجتمع وقضايا الديمقراطية والحريات العامة وغيرها من الامور التي ما زالت تشكل عائقا امام تطور المجتمع الفلسطيني وبالتحديد مجتمع المقاومة، فالرهان ايضا ليس بمكانه.
هل ان القرار له علاقة بما يريد بعضهم ان يصل اليه من هندسة لأوضاع داخلية سواء على مستوى حركة فتح او منظمة التحرير وتحديدا المجلس الوطني الذي فشل في عقد جلسته سابقا بسبب موقف الجبهتين الرافض لانعقاد الجلسة نتيجة ما شاب الدعوة من ثغرات على المستويين القانوني والسياسي والتي كان يراد منها تحقيق جملة من الاهداف ذات العلاقة بعملية التسوية وبمحاولة الرئيس تطويع الحالة الداخلية الفتحاوية وايضا المنظمة للتغطية على مشاريع تهبط بسقف الحقوق الوطنية حتى عن سقف اوسلو ..
الاهم ان هناك من يتصرف وكأن منظمة التحرير الفلسطينية وصندوقها القومي ملك شخصي نعطي من نشاء من دولارات ونحجب عن من نشاء وكله دون حسيب او رقيب.
ان القرار السابق لا بد وان يترك تداعيات سلبية على مستوى العمل الوطني الفلسطيني (رغم ان هناك من هو غير آبه بأية تداعيات). وسيضاعف من حجم الهوة الحالية بين الشارع الفلسطيني وقيادته السياسية التي تتصرف وكأنها غير معنية بمشاكل هذا الشعب سواء المشاكل في غزة او مخيمات سوريا او في لبنان..
مطلوب اليوم موقف موحد من جميع فصائل منظمة التحرير بما فيها حركة فتح لوقف هذه السياسية الارتجالية التي ستقود الى مزيد من شرشحة الحالة السياسية الرسمية والفصائلية والتوقف عن مثل هذه القرارات المسيئة لأصحابها.. الا اذا كانوا طرفا في مشروع سياسي يستهدف ضرب كل الحالة السياسية الراهنة وبما يهيء الساحة لحالة جديدة مصممة على مقاسات مرحلة يظن البعض انها اصبحت امريكية.
ان هذا التصرف يؤكد صحة الدعوات التي تقول باعادة النظر بكل اوجه الصرف المالي بعيدا عن المحسوبيات وكسب الولاءات وتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في جميع ملفات جرائم الفساد التي فاحت رائحتها وهي جرائم تطال مسؤولين في السلطة وعائلاتهم واعضاء في الاجهزة الامنية ووزارات ومؤسسات مجتمع مدني مقربة من الرئاسة..
يجب ان لا ننسى ان هذه التصرفات تأتي في ظل مواقف الجبهتين ونقدهما الدائم للسلطة والرئاسة تحديدا في تعاطيهما مع الانتفاضة الشبابية ووقوفهما عائقا كبيرا امام تطورها وايضا موقف الجبهتين من التنسبق الامني ومن اتفاقية باريس الاقتصادية وموقفهما الحازم بضرورة تطبيق قرارات المجلس المركزي والتي يمنع تطبيقها بقرار من الرئاسة.
دققوا جيدا .. اليس هذا هو قانون ساكسونيا لكن بنسخته الفلسطينية !!