الخيار الأردني .. الحل الوحيد الممكن-يديعوت
2016-04-28
مع اقتراب السنة الخمسين لاحتلال «المناطق» حان الوقت للعودة الى الفكرة التي كانت شمعة تنير طريق المعارضين للضم في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات. وهذه الشمعة هي الحل الاردني، أو الاردني – الفلسطيني. أمتنع عن الاعراب عن رأيي في أن يكون الشعب الفلسطيني هو بالفعل جناحا ذا طابع وطني صرف في الحضارة العربية الكبرى. فالنزعة القومية للجماعات الشعبية العربية كهذه أو تلك ليست واضحة حتى لأفضل الباحثين. الواضح جدا استنادا الى السلوك العملي – أو بلغة الاقتصاديين «التفضيل البين» – لدى الفلسطينيين: هم لا يريدون دولة حقا. إذ لو كانوا يريدون لكانت هذه تحققت منذ زمن. ما كانت اسرائيل قادرة على أن تمنع بنجاعة على مدى نصف قرن تطلعا وطنيا صادقا وعميقا تقرير مصير سياديا. فنحن لسنا امبراطورية. ان الدلائل على الامتناع الفلسطيني عن تقرير رسمي للمصير بدت واضحة جدا منذ ياسر عرفات وزملائه في قيادة م.ت.ف، ولكنها بُررت بايديولوجيا التحرر الوطني التي استوعبها كبار رجالات المنظمة في جامعات الكتلة السوفييتية. ومع انحلال الاتحاد السوفييتي انتقلت شعلة حل الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة (وغزة سابقا) الى الغرب، التي تبناها بلا تحفظ وبالاساس بلا تعمق في التفضيلات الحقيقية للفلسطينيين. اسرائيل، من جهتها، لاحقت بغباء الرموز التي عبرت عن التطلع الى دولة فلسطينية، بدلا من تشجيعها، ووضعت المصاعب في الطريق لاقامة اقتصاد فلسطيني قابل للحياة. وعندما سلمت الاغلبية الساحقة في السياسة الاسرائيلية أخيرا بحل «دولتين لشعبين» ودعه الفلسطينيون نهائيا، من الناحية العملية. حتى في عهد الانتفاضة الثانية لم يظهر من جانب قيادتهم المنصتة لمشاعر الشعب أي ايماءة حقيقية نحو حل سياسي مستقل. فانهاء الاحتلال – نعم، بالتأكيد. وماذا بعد ذلك وماذا سيكون مكانه؟ ننتظر ونرى. ان التنحية الفظة لرئيس الوزراء الافضل والاكثر نجاعة، للسلطة الفلسطينية، سلام فياض، نبعت من كونه مؤيدا متحمسا لفكرة الدولة الفلسطينية، ويعمل بحكمة على تحقيقها على الصعيد الاقتصادي، خلافا للروح التي تهب من القيادة. لقد اسقط تعزز الحركات الدينية المتطرفة تماما عن الساحة الفلسطينية حل الدولة. والدليل: الأعذار التي تصدر صباح مساء عن السلطة الفلسطينية من أجل الامتناع عن الاعلان عن اقامة دولة، حتى ولو في حدود مؤقتة، كما ورد في الوثيقة الدولية التي تسمى «خريطة الطريق». ان التملص غير مصادف وغير مرتبط بمعارضة هذه القوة العظمى او تلك، ولا حتى بتهديد اسرائيلي باتخاذ اعمال اخرى احادية الجانب في الضفة. وكأن أحدا ما في القدس يحتاج الى حجة لذلك. وهذا يرتبط بالفهم العميق بان فكرة الدولة المستقلة لا تسحر لباب الاغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني. من المعقول أن هذه الفكرة لم تكن في أي مرة مقبولة؛ وهي اليوم مجرد بقايا لمفارقة تاريخية. وان لم يكن دولة سيادية مستقلة، فماذا يكون؟ قسم لا بأس به من الزعامة الفلسطينية ترد عمليا على السؤال بالتعبير الأميركي «المزيد من الامر ذاته». استمرار السيطرة الاسرائيلية، ولكن الاكثر رقة، الاكثر رقابة، الاقل قمعا، وبالاساس تحت رقابة دولية ملاصقة. يوجد بينهم «متطرفون» يعتقدون بان الديمغرافيا ستفعل فعلها: من جهة عدد اليهود المستوطنين في اراضي الضفة سيحبط مسبقا خيار الانسحاب الاسرائيلي، ومن جهة ثانية فان الزيادة الطبيعية للفلسطينيين ستحقق لهم بلا جهد الاغلبية في اراضي «بلاد اسرائيل الكاملة». فهل هذه ستكون دولة ثنائية القومية؟ لا. ستكون هذه دولة اسلامية مع اقلية يهودية كبيرة. ولكن الاغلبية في اوساط الشعب الفلسطيني، مثلما هي ايضا في الشعب اليهودي، لا تسأل على الاطلاق عن البديل لدولة فلسطين في حدود الضفة الغربية من العام 1967. ان لم تسأل فلن تعرف، وان لم تعرف فستهدأ. من ناحية اسرائيل، في صالح اسرائيل والوجود المستقبلي لها من المرغوب فيه أن يوضع على الطاولة العالمية الخيار الاردني. الاعلان بان اسرائيل مستعدة للانسحاب من 98 في المئة من الاراضي التي احتلت في حرب «الايام الستة» واعادتها الى المملكة الاردنية. صحيح أنه في اواخر الثمانينيات اتخذت الجامعة العربية قرارا ينقل السيطرة في الضفة الغربية الى م.ت.ف، ولكن في الثلاثين سنة التي انقضت منذئذ أبدت م.ت.ف استعدادا يقترب من الصفر للتقدم نحو دولة مستقلة واقتصاد مستقل. وعليه، يمكن أن نرى القرار اياه لاغيا ولا يعكس التفضيلات الفلسطينية. ثمة للمملكة الاردنية مخاوف مفهومة من ان تكون في عناق فيدرالي او كونفدرالي مع الفلسطينيين، ولكن في الافق لا يوجد أي حل آخر. والطريق اسوأ من كل شيء.