:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/9732

الانتهاكات وجرائم الحرب

2016-05-11

سليمان أبو ارشيد
إن مجرد مقارنة 'المحرقة' بأي كارثة قد تكون أصابت مجموعة بشرية أخرى بغض النظر عن المكان والزمان، هي، في العرف الصهيوني، جريمة لا تغتفر، فكم بالحري إذا كانت المجموعة ذات الشأن هي الشعب الفلسطيني، والكارثة المقصودة هي النكبة التي نفذت بأيدي 'ضحايا' المحرقة أنفسهم وباسمها.
'التابو' على الكارثة هي سمة مرتبطة بـ 'احتكار الألم' أسوة بالعديد من الصفات الإنسانية وفوق الإنسانية المقتصرة على 'شعب الله المختار' دون غيره من الشعوب.
المقارنة تثير مزيدا من الغضب عندما تنطلق على لسان مسؤول عسكري رفيع، مثل نائب قائد أركان الجيش الإسرائيلي، في حفل إحياء ذكرى 'الهولوكوست'، وتقارب بين ما يحدث في إسرائيل اليوم من 'أفعال مقززة' بـ'الأفعال المقززة' التي حصلت في ألمانيا قبل 70- 80عاما، والتي شكلت مقدمات للمحرقة النازية ضد اليهود.
تحذير المسؤول العسكري الإسرائيلي، إن صح التعبير، يأتي على وقع ما وصفه رئيسه آيزنكوت بإفراغ باغات من الرصاص في جسد طفلة تحمل مقصا، وفي ظل تقرير مراقب الدولة الخاص بالحرب الأخيرة على غزة واستنتاجاته التي اتهمت الحكومة بعدم فحص خيارات أخرى سوى الحرب للتعامل مع القطاع، ما يعني أن القتل والتدمير يصبح هو الخيار الأسهل، وربما الوحيد للتعامل مع الأخطار بغض النظر عن درجاتها، ولا فرق في هذا الإطار بين قصف غزة بالطائرات والصواريخ وبين إطلاق الرصاص على الفلسطيني وهو جريح أو إفراغ باغة من الرصاص في جسد طفلة تحمل مقصا.
أما لماذا تقلق قائد الأركان ونائبه الرصاصات التي تخترق جسد طفلة فلسطينية واحدة، أكثر من أطنان القنابل التي تمزق أجساد مئات الأطفال في غزة، فلأن تلك الرصاصات لم تنطلق بأمر عسكري من الجهة الوحيدة، المخولة، أو المفروض أنها تحتكر القتل في دولة ديمقراطية، وهي الجيش. إنهما لا يريدان منافسا لهما ليس من منطلق الأنانية فقط، بل لأنهما يميزان بين القتل المنظم والمضبوط من خلال القنوات 'الشرعية' وبين منح هذا الحق لكل من 'دامت سعادته'، حتى لو كانت قوات شرطة أو أمن لا تتبع لقيادة الجيش، ما يمهد لانتشار الفوضى.
لطالما قيل أن إسرائيل هي عبارة عن جيش لديه دولة وليست دولة تمتلك جيشا، في إشارة الى أنها دولة عسكرتارية، تعتمد منطق القوة والغطرسة العسكرية في التعامل مع القضايا الخارجية وحتى الداخلية، وهو منطق يحكم علاقاتها مع جيرانها في الخارج ورعاياها ومواطنيها من غير اليهود في الداخل. ولكن من المفارقات أن يتحول الجيش إلى العامل الأكثر اعتدالا، ضمن جوقة التحريض الدموي الصهيونية التي تمتد من ناصيات جنرالات الصحافة إلى منصات جنرالات السياسة التي يقودها رئيس حكومة الدولة اليهودية بنيامين نتنياهو، والذي لم يمنعه منصبه الرسمي من المنافسة على جدارة التصدي لـ'عقلانية' نائب رئيس الأركان، مثلما تصدى لتصريحات سابقة لرئيسه.
بروز الجيش وأجهزة الأمن، 'الشاباك' بشكل خاص، كقوى أكثر 'عقلانية' و'اعتدالا' من المجتمع ومؤسساته المدنية، سياسية كانت أم إعلامية ، إنما يفضح الطبيعة الكولونيالية لإسرائيل كتجمع استيطاني تأسس على الإحلال والعنصرية واقتلاع الآخر، وبهذا المعنى فإن قيم العدل والمساواة وحقوق الإنسان بعيدة عن منظومته القيمية، وفي هذا السياق فإن الجيش بما يمتلكه من مصداقية وسلطة أبوية، يسعى إلى ضبط النزعات الصبيانية التي تكتنف هذا المجتمع وقياداته السياسية، ويلعب بصفته المؤسسة الأكثر تنظيما دور الضابط الذي يعيق الانزلاق نحو مهاو أكثر تطرفا قد ترتد إلى نحره وتعود بالوبال على مجتمع المستوطنين ذاته.
في الذكرى الـ 68 للنكبة تبسط إسرائيل كامل سيطرتها على أرض فلسطين التاريخية، بعد أن لحس 'يسارها' ويمينها حل الدولتين مستفيدة من وضع الانقسام الفلسطيني وحالة التفكك العربي، والتحولات التي تمر بها المنطقة لتوطيد أقدامها ليس في الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها عام 1967 فقط، بل كدولة إقليمية ذات نفوذ في المنطقة العربية مستغلة حالة الغياب العربي إلى أبعد الحدود..