:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/9758

العودة إلى فلسطين وحركة المقاومة العربية الشاملة-ماري ناصيف – الدبس

2016-05-15

سأل الأستاذ التلميذ عن أكثر العواصم بعدا عن المنطقة العربية، فأجاب بثقة وسرعة "القدس". ولما عاد الأستاذ ليسأل عن السبب الذي أدّى بالتلميذ ليقول ما قاله، أجاب التلميذ: منذ ثمانية وستين عاما والعرب يعلنون "يا قدس، إننا قادمون"، غير أنهم لم يصلوا بعد إليها.
هذه القصّة المضحكة والمبكية في آن تعبّر عن واقع حال النظام الرسمي العربي في هذه المرحلة المهمة والمفصلية من تاريخنا، وواقع الأنظمة التابعة بالإجمال والتي لم تعد تخجل من إعلان موافقتها على المشاريع الآتية تارة من صوب واشنطن وطورا من الاتحاد الأوروبي، والاثنان متفقان مع اللوبي الصهيوني العالمي - وامتداداته في تل أبيب - على الإسراع في تصفية قضية العرب المركزية، أي قضية فلسطين، ووضع حدّ نهائي للصراع العربي-الإسرائيلي.
كيف هي الحال في الذكرى الثامنة والخمسين للنكبة؟
في الوقت الذي تتابع فيه الانتفاضة الفلسطينية الجديدة طريقها وينطلق الشعب الفلسطيني كله في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلّين، ومعه فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948، لمواجهة ما جنته أيادي المستوطنين الصهاينة من جرائم ضد الإنسانية، لا بد لنا من التوقّف عند حقائق لم يعد بالإمكان لا إخفاءها ولا التغاضي عنها. وتترافق هذه الحقائق مع تطورات متسارعة يمكن لها، في حال عدم مجابهتها، أن تؤثّر سلبا على المنحى العام للتحرك المقاوم.
أهمّ هذه الحقائق تكمن في أن السلطة الفلسطينية بدأت، منذ ما يقارب الشهرين تقريبا وبعد انقطاع دام ما يقارب السنتين، بالتراجع عن قرار وقف الحوار مع الكيان الإسرائيلي؛ وبدل أن تركّز على الانتفاضة ودعمها وتطويرها كشكل أساس لتحرير الأرض وفرض حق العودة، إذا بها تكثر من الدعوات المباشرة وغير المباشرة الموجّهة إلى حكومة نتنياهو للعودة إلى طاولة الحوار. وأهم تلك الدعوات ما طرحته السلطة الفلسطينية في مشروع القرار الذي وزّع في نيسان الماضي على ممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
أكثر من ذلك، نشير إلى أن نص مشروع القرار المذكور وكذلك كل التصريحات التي أدلى بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس في أكثر من مناسبة لا تتناول القضية الفلسطينية من زاوية كيفية تطوير المقاومة بكل أشكالها من أجل تحرير الأرض وبناء الدولة الوطنية، بل إنها تنطلق من زاوية أخرى هي استعادة المبادرة العربية المقدّمة عام 2002 في قمة بيروت للدول العربية. وهذه المبادرة، كما هو معروف، حملت في طياتها الكثير من الثغرات والمضامين ذات الخطورة الواضحة، بدءا بإقرار مبدأ التطبيع مع العدو تحت شعار "الأرض مقابل السلام" وصولا إلى طرح حل مبهم لمسالة حق العودة من خلال استخدام شعار "الحل العادل"... الذي فسّرته تسيبي ليفني بأنه يعني عودة ليس أكثر من أربعين إلى خمسين ألف لأجيء والذي لاقاها فيه الرئيس الفلسطيني إلى منتصف الطريق عبر ما قاله العام الماضي إلى بعض الصحف الأميركية بأن حل مسألة اللاجئين الفلسطينيين لا يمكن أن يكون شاملا لجميع اللاجئين؟!
ولا ننسى، في طرحنا للمخاطر من أن نشير إلى أن حكومة نتنياهو أو أي حكومة أخرى، لاحقة، لن تقدم على وقف الاستيطان، وهي التي شجعته، فكيف بطرد المستوطنين الذين يقاربون المليون والمتواجدين في 167 مستوطنة والمنتشرين، حسب خطة مرسومة سلفا، بشكل أحزمة أمنية حول المدن الفلسطينية من القدس إلى رام الله وقلقيلية وغيرها الكثير.
وإذا ما ربطنا ذلك مع وصول عدد السكان في المناطق الفلسطينية المحتلّة، أي الضفة الغربية وأراضي 1948، إلى ما يقارب الثمانية ملايين نسمة بينهم أكثر من ستّة ملايين يهودي يشكّل المهاجرون الجدد نسبة وازنة داخلهم، وإذا ما تذكّرنا أن طموح الكيان الصهيوني للسنوات المقبلة هو زيادة العدد إلى العشرة ملايين، لقلنا أن قضم الأرض الفلسطينية المحتلة ومعه الاستيطان سيستمران طالما أن الموقف الوطني الفلسطيني منقسم على نفسه وطالما أن السلطة مستمرة في التنسيق الأمني مع العدو، من جهة، وتكتفي بتقديم الشكاوى إلى مجلس الأمن حول الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان... وطالما أن الكيان الإسرائيلي يستفيد في هذه الأثناء من التقاعس الرسمي الفلسطيني لتسريع استغلال النفط والغاز الفلسطينيين كعاملين مساعدين في إخراجه من الأزمة الاقتصادية التي يتخبّط بها.
ما العمل، إذا، حتى لا تبقى القدس أبعد عاصمة على وجه البسيطة، لا بل حتى تعود إلى أهلها واحدة موحّدة؟
لا بد من تغيير الوجهة والمسار من خلال خطوات سياسية وعملية تشكّل جزءا من البرنامج العام لكل القوى اليسارية والديمقراطية العربية.
أوّل تلك الخطوات تتمثّل في قطع التواصل الأمني مع العدو، والانسحاب من اتفاقية أوسلو، والطلب رسميا من الدول العربية المتورّطة مباشرة أم بشكل غير مباشر أن تقطع صلاتها السياسية والأمنية والمالية والاقتصادية مع إسرائيل، بدءا باتفاقية سيناء واتفاقية وادي عربة... هذا، إلى جانب التحرّك الفعلي (سياسيا ودبلوماسيا) من أجل فرض تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومنها على وجه التحديد تفكيك المستوطنات غير الشرعية كلها بحسب تلك القرارات. ولا يجب أن ننسى ضرورة إيلاء أهمية خاصة لدور فلسطينيي الشتات ودعمهم فعليا في المواجهة التي يخوضونها مع مؤسسات الأمم المتحدة، ومنها الأونروا، والكف عن قطع المساعدات عن المقاومين.
إلا أن الأهم يبقى في دور الانتفاضة الحالية ورفع وتيرتها بحيث تتحول إلى مقاومة شاملة على كافة الأصعدة. وهذا لا يعني فقط الشعب الفلسطيني بل كل الشعوب العربية المكافحة من أجل فك التبعية والخلاص من رموزها المتمثّلة في الأنظمة الرجعية والديكتاتورية والفاسدة التي سهّلت الطريق أمام مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الامبريالي وما يخلّفه من حروب وتفتيت وإرهاب. لذا لا بدّ من أن تستعيد القضية الفلسطينية دورها المركزي (المهمل حاليا) في سلّم النضالات التي تخوضها شعوبنا.
وهذا لا يمكن أن يتم إلاّ إذا استعادت منظمة التحرير الفلسطينية دورها وعافيتها بما يعيد جمع الشمل الفلسطيني. كما أنه يرتكز إلى دور عربي آخر خارج الأنظمة، هذا الدور الذي حدده "اللقاء اليساري العربي" بالدعوة إلى حركة مقاومة عربية شاملة تواجه في آن معا المشروع الصهيوني وما يجري على طول الأراضي العربية من حروب عدوانية إرهابية.
لذا، لا بد من أن يسرّع "اللقاء اليساري العربي" في تنفيذ القرارين المهمين اللذين اتخذهما في اجتماعه السابع، في بيروت، وهما: تنظيم عقد المؤتمر العربي – الدولي حول فلسطين، والبدء بوضع الأسس لإطلاق الجبهة الوطنية التقدمية كمرحلة أولى على طريق حركة تحرر وطني تقدّمية ديمقراطية مقاومة.
"إن قوات الأمن لدينا تدخل المدارس وتقوم بتفتيش حقائب التلاميذ
بحثا عن سكاكين لمنع عمليات الطعن"
من تصريح رئيس السلطة الفلسطينية
للقناة العبرية الثانية (نيسان 2016)
"إذا تحقق السلام فإن مبادرة السلام العربية تنص
على أن 57 دولة عربية وإسلامية ستطبع علاقاتها مع إسرائيل فوراً،
وهذه فرصة للمجتمع الإسرائيلي ليعيش باستقرار مع جيرانه دون جدران وعزل"
تصريح أمام وفد "ائتلاف اليهود الشرقيين" (29 آذار 2016)