هكذا بنى نتنياهو«مملكة» معزولة ومحاصرة !-معاريف
2016-05-28
قال أحد الطلاب الذين درسوا مع نتنياهو في الولايات المتحدة ذات مرة إنه كان يقف أمام المرآة لساعات، ويقوم بحركات غريبة تشبه حركات الكراتيه. وذلك من اجل التحفيز الشخصي. وعندما جاء الى البلاد في العام 1988 وانضم الى «الليكود» كان يقوم بتحفيز نفسه بحركات مشابهة أمام الكاميرا قبل تسجيل البث الانتخابي. لقد قام بتعليم بعض أمراء «الليكود» هذه الحركات. وقال إن هذا يساعد على الثقة بالنفس ويرفع نسبة الادرينالين. ويمكنه الانزواء والانفصال، وعندما يرى أن الضوء الاحمر أُشعل فوق الكاميرا، يستنفر في لحظة ويدخل الى الشاشة بصورة مختلفة. نتنياهو ممثل. وهو من أكبر الممثلين السياسيين في اسرائيل أو في العالم. يستطيع أداء كل الادوار وفي أي وقت. وفي الاسبوع الماضي حصلنا على عينة من قدرته هذه. للحظة تحدث مع بوجي هرتسوغ في مفاوضات ماراثونية، وبعد لحظة سقط في احضان افيغدور ليبرمان. كان يمكنه عقد صفقة مع هرتسوغ بالقدر نفسه من النجاح الذي عقد فيه الصفقة مع ليبرمان، وفي الوقت ذاته. إنه يتحسن مع الوقت ويكتسب قدرات جديدة. في هذا الاسبوع بعد انتقاله بشكل طبيعي من هرتسوغ الى ليبرمان، أضاف شيئا جديدا ونادرا: في الوقت الذي ضم فيه ليبرمان الى الائتلاف أعلن أن «الباب ما زال مفتوحا لانضمام المعسكر الصهيوني». وهو يستطيع تسويق أي بضاعة فيها عيب أو وهمية. وهو يعرف جمهور الزبائن معرفة حميمية. وهو يعرف ما الذي يريد الجمهور سماعه وكيف. وهو دائما يلائم نفسه مع مطالب الجمهور. الخبز والألعاب للجمهور بشرط واحد: أن يبقى هناك، قائد اللامكان. يقود بوساطة الناي الجمهور المسحور في دائرة مغلقة. إنه لم يكن المنتظر، بل العكس. لقد حمل شقيقه الشعلة. يونتان نتنياهو هو الذي كان من المفروض أن يلعب الدور التاريخي لاعادة الاحترام للعائلة التي كانت مستبعدة من قبل «مباي» والنخبة الإصلاحية. البروفيسور نتنياهو شخص بارد ومنغلق وحاد حتى الألم. وهو لم يكن هنا في زمن النضال (العائلة عادت الى هنا بعد «حرب التحرير» فقط). لقد كان يعتمد على ابنه يوني فقط ليقوم باحداث الاصلاح التاريخي. بنيامين كان مجرد رقم مثل أخيه الثالث عيدو. لقد خطط لنفسه حياة مختلفة تماما. لم يبق من اجل السيرة العسكرية لأن هذا كان مخصصا ليوني، ترعرع في مؤسسة اكاديمية رفيعة في الولايات المتحدة، وغير اسمه الى اسم اميركي (بن شلتاي)، وقُبل للعمل في بوسطن كونسلتينغ. الحياة العادية كان يفترض أن تحوله الى ملياردير أميركي. وكان من المحتمل أن يصبح من أكبر المتبرعين. ولكن سقوط يوني في عملية «عنتيبي» حوله الى أحد أبطال اسرائيل الكبار. رأى بنيامين الشعلة على الارض فقام برفعها. ومن الآن فصاعدا أصبح عبء العائلة، وبات توقعها متعلقاً به. استجاب نتنياهو للتحدي، وجند كل مهاراته. فلديه مهارات كثيرة ومتعددة: سرعة البديهة، الذكاء الطبيعي والفطري، تصميم فوق انساني. كل ذلك يغطي على نواقصه: غياب الوعي العاطفي، غياب الحدود الاخلاقية، غياب العمود الفقري الحقيقي، الانانية والسعي الخنزيري الى الرفاه. نتنياهو ليس رجل افعال. هذا يتدفق في الجينات العائلية. نتنياهو يهتم بالكلمة المكتوبة ويركع للخطاب الذي يتم تصويره ويصمم على الصياغة الدقيقة. ولكنه يستخف بأعماله ويتجاهلها. لم يترعرع على معرفة البلاد ولم يرتبط بـ «يهودا» و»السامرة» أو يحرث المستوطنات. فبالنسبة له كل ذلك هامشي. ايديولوجيته هي «تاريخ الفوضى». وهو الذي يحذر ويلاحظ البدائل لما سيحدث للشعب. دائما يقوم بالتحذير والصراخ والتهديد والتخويف. وهو يرفض الفرص ويتجاهل الأمل. بالنسبة له فان العالم يحتوي على نوعين من البشر: اليهود والباقون ضدهم. محظور علينا أن نغفو ولا مجال للهدوء، يجب أن نكون مستعدين دائما. إنه مواظب بشكل مخيف. لا توجد له حياة خارج غريزة البقاء التي تقض مضاجعه. لا يتمتع من شيء سوى الانتصار. إنه بحاجة الى تهديد خارجي وداخلي كحاجته للهواء. لا يتحمل المنافسة ولا يعرف الاطراء. ولا يسمح لأحد بالتطور والنمو في ساحته. يقوم بتسميم الاجواء وتيئيس منافسيه حتى يتركوا. روني ميلو، دان مرغليت، دافيد ليفي، اسحق مردخاي، بني بيغن، جدعون ساعر، موشيه كحلون، اهود اولمرت، تسيبي لفني وارئيل شارون، هذه قائمة جزئية لاشخاص فضلوا الموت على الحياة معه. ومع الوقت أقنع نفسه بأنه مهم لسلامة الشعب ومستقبله. لذلك فان صراع البقاء اليومي هو من اجل بقاء اسرائيل. في ظل غياب المنافسين تقريبا يعرف كيف يسحر سامعيه ويرضيهم. في الغرف المغلقة يعد من يجلس معه بكل ما يريد. وعند التنفيذ يختفي. هو يثق بنفسه عندما لا يفي. الهدف يبرر الوسيلة. إنه لا يعارض نظرا لسوء القلب بل العكس، لا يوجد لديه السوء الذي يميز اغلبية السياسيين. إنه غير شيطاني. إنه ببساطة انتهازي خالص غير قادر على فهم حقيقة أن الطرف الثاني لديه رغبات وحاجات. يمكن تسمية ذلك نظريا «مشكلة نرجسية متطرفة». وفي الواقع يمكن تسمية ذلك بيبي. كانت هناك فترات بدا فيها وكأنه تنازل وتعب وفهم أن الامر قد انتهى. المشكلة هي أن ادمانه على القوة قد زاد مع الوقت، السيطرة، وامتيازات السلطة، وتعمقت الحياة القيصرية لديه. إنه على قناعة بأن على الشعب أن يشكره ثلاث مرات يوميا لأنه وافق على التضحية بنفسه وتحمل مسؤولية هذه القيادة. إنه مصمم على أن يقوم الآخرون بتمويل الحياة القيصرية التي اختارها لنفسه. ولا يفهم لماذا هذا الامر مرفوض. إنه يعتبر الطموح السياسي لاستبداله هو بمثابة خيانة. إنه يركز 24 ساعة في اليوم، 365 يوما في السنة من اجل ملاحظة هذا الطموح وتحييده. هو لا يؤمن بالله ويكفر بالفرائض ويهزأ بالتقاليد، لكن ذلك لا يمنعه من قول «إن شاء الله» واحاطة نفسه بواضعي القبعات الدينية. مع مرور الوقت زادت وتعمقت مخاوفه وهوسه. وتضاءل المقربون منه وتبدل الموالون. عشرات الاشخاص ممن يحملون أسراره، المستشارون والمقربون الذين عملوا معه ومن اجله تم ابعادهم كالجرابات المستعملة. إنه يقوم بادارة الدولة بوساطة دائرة ضيقة محصورة وعائلية. المحاميان الأبديان، المحامي اسحق مولخو، المسؤول عن الشؤون الخارجية، والمحامي دافيد شومرون المسؤول عن المملكة الداخلية. ويضاف الى كل هؤلاء الزوجة، صاحبة الكلمة الاخيرة، المخلصة الوحيدة التي لا أحد سواها. وفي الآونة الاخيرة أضيف ايضا الابن البكر يائير. وهو نسخة عن الزوجة. هذا هو المنتدى الذي يتم اتخاذ القرارات فيه في اسرائيل، أما الباقي فهو زينة. الكابنت، المطبخ السياسي، لجان الوزراء، الحكومة. كل شيء من ورق. لقد بنى نتنياهو لنفسه مملكة معزولة ومحاصرة. أقام جدارا ناريا يدافع عن سلطته، سيطر على وسائل الاعلام ونشر البدائل وجعل من الساحة السياسية مهزلة. لقد تبنى اتفاقات اوسلو، وحطمها. ألقى خطاب «الدولتين» وهو يأخذنا الى الدولة الواحدة. بالنسبة له كل شيء مسموح، معقول، ومشروع بشرط أن يبقى هنا. وكما تبدو الاشياء من هنا، فهو سيبقى. والسؤال هو هل سنبقى نحن ايضا؟