تيسير خالد : المبادرة الفرنسية شابها الغموض بشأن عدة قضايا واسرائيل تعطلها على كل حال
2016-05-28
أكد تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن إسرائيل تقف عائقاً أمام إنجاح أي مساعٍ تقوم بها جهات دولية عدة لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتي كان آخرها جهود الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي دعا لتسوية الصراع بين الجانبين، وقبلها المبادرة الفرنسية.
واستبعد خالد، في حوار مطول مع بوابة "العين" الإخبارية، عقد قمة ثلاثية تجمع الرئيس المصري ونظيره الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مؤكدا أنها تصب في خدمة نتنياهو وإسرائيل التي لا تزال تواصل سياسة الترانسفير والتهويد والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، إلى جانب توسعها الاستيطاني الذي شل الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وتطرق خالد، الذي يشغل أيضا عضوية المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إلى جملة من المواضيع الأخرى، كضم ليبرمان للحكومة الإسرائيلية، والمبادرة الفرنسية لإحياء العملية السلمية، إلى جانب بعض الملفات الفلسطينية، كالمصالحة، وما يتوجب على الفلسطينيين فعله لمجابهة السياسة الإسرائيلية، إلى جانب إمكانية ترشحه لرئاسة السلطة الفلسطينية.
وفيما يلي نص الحوار..
ما رأيك في مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهل تتوقع نجاحها في ظل التعنت الإسرائيلي؟
في الحقيقة، وبحسب علمي هي ليست مبادرة من قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وإنما حديث أدلى به الرئيس السيسي في إطار اهتماماته بالتطورات السياسية في المنطقة وصلتها بملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في ضوء انسداد آفاق التسوية السياسية بفعل سياسة حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، التي تستغل الأوضاع الأمنية الصعبة في المنطقة مثلما تستغل انشغال الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية القادمة للمضي في مصادرة أراضي المواطنين الفلسطينيين والتوسع في النشاطات الاستيطانية ومواصلة سياسة الترانسفير والتهويد والتطهير العرقي.
وأرى أن ذلك يأتي في إطار حرص الرئيس السيسي ومصر بتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى جانب تمكين الشعب الفلسطيني من التحرر من كابوس الاحتلال، والنداء الذي أطلقه الرئيس السيسي يعكس قلق مصر من استمرار الجمود في العملية السياسية وجهود تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
إذن هي ليست مبادرة مصرية وإنما في إطار الجهود المبذولة أصلا من مصر؟
صحيح.. وأنا فوجئت من قيام البعض بإطلاق العديد من التكهنات، فذهب البعض إلى وصف ما جرى في ذلك الحديث بالمبادرة، بينما وصف آخرون ما جرى بالمفاجأة وبأن أمرا ما يجري الإعداد له بما يشبه التوافق مع حكومة نتنياهو على إطلاق عملية سياسية لمصر فيها دور بارز، في حين أن إسرائيل وضعت ما قاله الرئيس السيسي في سياقه العادي، فتحدث نتنياهو تارة عن ملاحظات وتارة أخرى عن نداء الهدف منه هو العودة إلى المفاوضات الثنائية للبحث في سبل التقدم في مسار التسوية، إلى جانب ربط البعض الآخر بما كان يجري في إسرائيل لتوسيع الائتلاف الحكومي بانضمام المعسكر الصهيوني وحزب إسرائيل بيتنا إلى حكومة نتنياهو.
ما المطلوب فلسطينيا الآن بعد كل ما تحدثت به عن حديث الرئيس السيسي؟
المطلوب معلوم للجميع، وهو ضرورة ترتيب أوضاع البيت الفلسطيني من الداخل ليس فقط على مستوى العلاقات بين حركتي فتح وحماس لطيّ صفحة الانقسام بل وعلى مستوى معالجة التوترات التي تصاعدت حدتها بين مؤسسة الرئاسة وكل من الجبهتين الديمقراطية والشعبية مؤخرا.
ما تعليقك على الأنباء التي تحدثت عن عقد قمة ثلاثية بين السيسي وعباس ونتنياهو؟
لا أتوقع عقد قمة من هذا النوع، كما لا أنصح بمجرد التفكير في خطوة كهذه، فهي ضارة بكل المقاييس الوطنية والقومية، وحسب اعتقادي أن تكون أنباء هذه القمة المقترحة من قبل نتنياهو في سياق مناوراته السياسية، وحاجته الماسة لها، في إطار دعوته إلى المفاوضات الثنائية دون شروط مسبقة، كما هي المواقف الإسرائيلية التي نعرفها.
وأعتقد أن نتنياهو يريد من خلال عقد قمة كهذه –إن تمت- أن يستخدمها في مواجهة الجهود الدولية لاستئناف مسيرة التسوية السياسية بشروط تختلف عن شروط حكومته، هو لا يخسر شيئا إذا ما عقدت قمة كهذه، على العكس من ذلك فقمة من هذا النوع يمكنها أن تشوش على الجهود الدولية، وتعفيه في الوقت نفسه من أي التزامات سياسية وتقدم خدمة كذلك للإدارة الأمريكية، التي تحاول التهرب من البحث في دفع جهود التسوية السياسية في إطار دولي، لذلك لا أنصح بمثل هذه القمم.
لماذا رفضت إسرائيل المبادرة الفرنسية رغم الترحيب الفلسطيني بها؟
لم تكن مبادرة فرنسية بالمعنى، وإنما كانت مجرد أفكار بحثتها فرنسا مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وأطراف دولية، ومن وجهة نظري لا اعتراض على هذه الأفكار في إطارها العام، لكن هذه الأفكار شابها بعض الغموض في مسألة حل الدولتين، وتبادل الأراضي، والحديث عن القدس عاصمة لدولتين وغيرها من الأمور الأخرى.
أما فيما يخص الرفض الإسرائيلي، فهو ينبع من اعتبارات تتصل بسياستها العدوانية الاستيطانية الاستعمارية التوسعية وأخرى تتصل بموقفها من القدس، فهي ترفض أية قيود على نشاطاتها الاستيطانية مهما كانت، وهي تعتبر القدس خارج إطار وسياق أي مفاوضات، وترفض مجرد البحث في حق اللاجئين في العودة، وفوق ذلك فهي لا تكتفي برفض المؤتمر الدولي بل هي ترفض كذلك المواكبة الدولية للمفاوضات.
كيف ترى التطورات الأخيرة بعد انضمام ليبرمان للحكومة الإسرائيلية؟
ما حدث من تطورات يصب في مصلحة الطرفين؛ ليبرمان الذي ضمن مكاسب سياسية ومالية لحزبه ونتنياهو الذي وسع ائتلافه الحكومي، وضمن حالة من الاستقرار والقدرة على الاستمرار من ناحية، ومن ناحية ثانية أغلق ملف التسوية السياسية على دائرة تتحكم فيها أحزاب يمينية متطرفة وأغلق أبواب التسوية السياسية في وجه الجميع، في وجه العرب والفلسطينيين وفي وجه فرنسا والمجتمع الدولي بهذه المناورة السياسية الواسعة بنى نتنياهو لنفسه ولحكومته خطوط دفاع متينة في وجه الضغوط الدولية وأطلق في الوقت نفسه العنان للنزعات الفاشية وميول التطرف في المجتمع الإسرائيلي وأرسل رسالة طمأنة للمستوطنين بأن حكومته سوف تواصل نشاطاتها الاستيطانية على نحو غير مسبوق يمزق الضفة الغربية إلى معازل تحاصرها الكتل الاستيطانية لمنع قيام دولة فلسطينية.
وما المطلوب الآن فلسطينيا لمواجهة هذا التطور الإسرائيلي الجديد؟
يتوجب القيام بمراجعة تتجاوز تلك التي دعت إليها قرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دورة انعقاده مطلع مارس أذار عام 2015 باتجاه إعادة بناء العلاقة مع إسرائيل باعتبارها دولة احتلال كولونيالي استيطاني ودولة أبارتهايد وتمييز عنصري، وما يترتب على ذلك من وقف التنسيق الأمني بجميع أشكاله ووقف العمل باتفاق باريس الاقتصادي وفك ارتباط مع الاحتلال في الكثير من المجالات كسجل الأراضي وسجل السكان ومد سلطات وصلاحيات المحاكم الفلسطينية وتطبيق القانون الفلسطيني على جميع المتواجدين على أراضي دولة فلسطين تحت الاحتلال دون تمييز والتحضير في نهاية المطاف لعصيان وطني شامل في وجه سلطة الاحتلال الإسرائيلي.
ماذا فعلت السلطة الفلسطينية لإيقاف تنامي المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية؟
الاستيطان لم يتوقف لحظ واحدة وهو أخطر ما يواجه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال في الضفة الغربية بما فيها القدس. إنني من المتابعين عن قرب لنشاطات إسرائيل الاستيطانية الاستعمارية في الضفة الغربية بما فيها القدس، من خلال مسؤوليتي عن المكتب الوطني للدفاع عن الارض ومقاومة الاستيطان. والمعطيات التي بحوزتي تشير أنه خلال ولاية نتنياهو في الحكومة الأولى والثانية، ارتفع الاستيطان بنسبة 40% وخلال ولايته في الحكومة الحالية سجل رقما قياسيا لم تشهده الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية منذ 10 سنوات.
ومن وجهة نظري، تستطيع منظمة التحرير الفلسطينية السلطة الفلسطينية عمل الكثير لمواجهة غول الاستيطان والتهويد، بدءا بالتحلل من التزامات اتفاقيات أوسلو التي قسمت الضفة الغربية بعد استبعاد مدينة القدس الشرقية المحتلة إلى مناطق (أ، ب، ج)، وإلى جانب هذا على الحكومة الفلسطينية أن تتعامل مع المناطق المنكوبة بالاستيطان باعتبارها مناطق تطوير من الدرجة الأولى بكل ما يتطلبه ذلك من رصد للموازنات الضرورية، وأن ترعى لجان الحراسة الشعبية في القرى والبلدات وتمكنها من القيام بدورها في حماية المواطنين من الهجمات الإرهابية للمستوطنين.
أين وصلت المصالحة الفلسطينية؟ وما المطلوب لإنجاحها؟
ما زالت المصالحة تراوح مكانها، بل إن الانقسام يتجذر ويتعمق على حساب الوحدة الوطنية ووحدة النظام السياسي الفلسطيني، فهناك من يرى في هذا الانقسام المدمر وسيلة لتعزيز نفوذه ومكاسبه على حساب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
وفي الحقيقة ورغم توقيع العديد من الاتفاقيات فيما يخص المصالحة، بعضها على مستوى ثنائي بين حركتي فتح وحماس وبعضها على مستوى وطني ضم جميع الفصائل الوطنية والديمقراطية والإسلامية، فضلا عن الشخصيات المستقلة، وجميعها تدّعي الحرص على طي صفحة الانقسام الأسود والتوجه نحو تشكيل حكومة نسميها مرة بحكومة توافق وطني ونسميها مرة أخرى بحكومة وحدة وطنية، لكن للأسف جميع هذه الاتفاقيات ما زالت عالقة في طريق المصالح الفئوية الضيقة، لأن المصالحة كما يتم تداولها عند البعض تستند إلى حسابات المصالح والنفوذ والسيطرة والهيمنة في الأمور الصغيرة منها والكبيرة.
وأرى أنه يجري الآن التمترس وراء الانقسام بحجج مختلفة، وأعتقد هذه بلطجة سياسية واعتداء على حق المواطن الفلسطيني في الممارسة الديمقراطية. وإذا استمرت الأمور على هذا الحال، فمن الطبيعي أن تعيش المؤسسات الرسمية في حالة من التدهور على أوضاعها وعلى دورها ليتقدم المشهد في النظام السياسي سطوة حكم الفرد وما يسمى مؤسسة الرئاسة كما هو الحال في الضفة الغربية أو سطوة حكم الميليشيات كما هو الحال في قطاع غزة، وأعتقد أنه لا مخرج من هذا الانسداد في أفق المصالحة، سوى الخيار الديمقراطي واحترام حق المواطن في الممارسة الديمقراطية بعيدا عن الحجج والذرائع التي تسعى لتعطيل هذا الحق.
ما رأيك في التصريحات الأخيرة للرئيس محمود عباس والمتعلقة باستقبال لاجئين من دول المنطقة؟
الرئيس عباس لم يقصد بتصريحاته وبالخطاب الذي ألقاه قبل أيام في القمة العالمية الأولى للعمل الإنساني، في مدينة إسطنبول التركية أن فلسطين جاهزة لاستقبال آلاف اللاجئين، الذين شردتهم الحروب الدائرة في المنطقة من ديارهم وإنما حاول تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين في مخيمات سورية وقبلهم معاناة الفلسطينيين في مخيمات العراق من الآثار المدمرة للحرب في هذين البلدين الشقيقين، ومنظمة التحرير الفلسطينية كانت قد اقترحت استيعاب من يرغب من هؤلاء في مناطق السلطة الوطنية انطلاقا من استعداداتها لتحمل مسؤولياتها الوطنية ومسؤولياتها الإنسانية نحو ابناء الشعب الفلسطيني، وأن إسرائيل كدولة احتلال تمنع المنظمة من مد يد العون لهؤلاء الفلسطينيين، الذين يدفعون أثمانا مضاعفة بسبب هذه الحروب، بما في ذلك أثمان فقْد أبنائهم في أعالي البحار على أيدي القراصنة وتجار الحروب والموت.
طبعا نحن لا طاقة لنا باستيعاب آلاف اللاجئين والنازحين الهاربين من جحيم الحرب في سوريا أو العراق أو غيرهما من البلدان العربية، فهذه مهمة إنسانية تعجز عنها دول، وما أراد الرئيس الفلسطيني توضيحه في حديثه هو تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين وعلى موقف إسرائيل المسؤول الأول والأخير عن المأساة والمعاناة المستمرة لملايين اللاجئين، الذين شردتهم وهجّرتهم إسرائيل من ديارهم بالقوة العسكرية الغاشمة.
هل تنوي الترشح مجدداً لرئاسة السلطة الفلسطينية؟ خصوصا بعدما ارتبط اسمك باستطلاعات رأي ترشحك لذلك؟
قرار ترشحي لرئاسة السلطة الفلسطينية ليس شخصيا، حيث سبق وأن ترشحت في انتخابات العام 2005، وإنما كان قرار الهيئات المركزية للجبهة الديمقراطية، التي أرادت بتلك الخطوة التحضير لانتخابات المجلس التشريعي فضلا عن التأكيد على أن الجبهة الديمقراطية تناضل من أجل بناء نظام سياسي ديمقراطي وعصري يحترم التعددية السياسية والحزبية ويحترم الفصل بين السلطات وغيرها من الأسس الديمقراطية.
أما بخصوص الترشح من جديد لانتخابات رئاسية جديدة فهذا شأن تقرره كذلك الهيئات المركزية للجبهة، على المستوى الشخصي ليس عندي مثل ذلك الاستعداد، الذي كان عام 2005 ولكنني بالتأكيد سوف أشجع خطوة من هذا النوع، وأدعو إلى ضرورة أن توحد القوى والشخصيات الديمقراطية الفلسطينية مواقفها وتخوض الانتخابات بمرشح واحد مشترك للرئاسة تتفق عليه وتوفر له فرص النجاح.
ليس هذا فحسب، بل أدعو القوى والشخصيات الديمقراطية إلى التفكير جديا بخوض الانتخابات التشريعية القادمة بقائمة مشتركة تضمن لها أن تشكل القوة الضامنة في نظام سياسي تعددي وديمقراطي يحرر الوضع الفلسطيني من الآثار السلبية الواسعة للثنائية القائمة الآن، والتي أفسدت بممارساتها وسياساتها الحياة السياسية والدستورية الفلسطينية.
* أجرى الحوار عبدالله زقوت