نزلنا من البيت في مخيم الدهيشة للاجئين في الاسبوع الماضي مع شعور سيئ، لا أذكر مثله منذ زمن طويل، حزن على مصير الولد، خيبة أمل بسبب قلة الحيلة وغضب على من تسبب بألمه. عيسى المعطي فتى عمره (14 سنة)، معاق بسبب الجيش الإسرائيلي؛ فقد أطلق الجنود عليه النار الحية قبل سنة ونصف السنة وبترت قدمه وهو معتقل في السجن الاسرائيلي. في بيت جدته المريضة في مخيم اللاجئين المكتظ، تحدثت أمه بتسليم لا يصدق، عن سيرة ابنها منذ حوّله الجنود الى معاق أبدي: مكث في المستشفى شهرين ونصف الشهر، منها شهر كان معتقلا مكبلا الى السرير، ولم تبتعد عن سريره وتركت الرضيع الذي ولد في حينه وأمها المريضة. أجريت له ثلاث عمليات جراحية بترت خلالها قدمه بالتدريج، وسافر وحده مدة شهر الى الولايات المتحدة وعمره 12.5 سنة لملاءمة القدم الاصطناعية. اعتقل في منتصف الليل قبل عشرة أيام. دخل الجيش في حينه الى المخيم في حملة اعتقالات لا حاجة اليها هدفت الى استعراض القوة والاعتداء على السكان وتدريب القوات. حاول الشباب في المخيم مقاومة المقتحم بالأسلحة البدائية التي هي الحجارة والزجاجات الحارقة، واصطاد الجنود من نجحوا في اصطياده، وكان عيسى مع القدم الاصطناعية ضمن الغنيمة. سيزعم المتحدث بلسان الجيش أن الجنود لم يعرفوا أنه معاق. وسيزعم المتحدثون بلسان الشرطة أن هناك لائحة اتهام يتم اعدادها ضده. ستقول أمه إنه تعرض للضرب اثناء التحقيق على قدمه الاصطناعية التي خرجت من مكانها. ومتحدثو الشرطة سينفون ذلك. أمه ستقول إنه طلب منها اخراج وثائق طبية تثبت أن قدمه مبتورة من اجل اطلاق سراحه، والشرطة ستتحدث عن «مشكلة طبية» و»تم الطلب منه اخراج الوثائق الطبية للسماح باستكمال العلاج الطبي اثناء اعتقاله». المدعي العام العسكري سيعارض اطلاق سراحه، والمحكمة العسكرية ستصادق على اعتقاله، وكل شيء سيتم حسب القانون. بعد ذلك ببضعة ايام سيتم اطلاق سراحه فجأة بدون كفالة. لقد قضى عيسى نهاية الاسبوع في بيته مع والديه واخوته وجدته المريضة، وهناك محاكمتان بانتظاره، واحدة بسبب رشق الحجارة، التي أدت الى اصابته، والثانية ايضا بسبب رشق الحجارة التي أدت الى اعتقاله. في هذه الاثناء ذهب عيسى الى الصف السادس بسبب غيابه الطويل عن الدراسة. تم كل شيء حسب القانون. الاقتحام في ظلمة الليل للمخيم قانوني، استخدام الرصاص الحي ضد الولد قانوني، اعتقاله ايضا قانوني وكذلك التحقيق معه قانوني. هل شدد المحققون معه على قوانين التحقيق والاعتقال للقاصرين؟ هذا مشكوك فيه، لكن من الذي يهتم. هو «مخرب، مخرب»، حتى لو كان ولد مع قدم مبتورة. والأمر الوحيد غير القانوني هو رشق الحجارة ضد المحتل المعتدي والسارق. الجدار الفاصل والانغلاق الاسرائيلي مع جميع الذرائع التلقائية والعمياء لكل افعال الاحتلال يمكن إحداث الشروخ فيه فقط من خلال الأدوار: ما الذي كان سيحدث لو. ما الذي كان سيحدث لو أن الفلسطينيين أطلقوا النار على طفل اسرائيلي؟ ما الذي كان سيحدث لو كانوا اعتقلوا طفلا يهوديا معاقا؟ وما الذي كان سيحدث لو قاموا بتعذيب طفل اسرائيلي قدمه مبتورة؟ ليس صعبا تخيل الصرخة التي كانت ستخرج من القدس الى أقصى العالم: «الدم اليهودي»، طلب الاستنكار، وداني دنون في الأمم المتحدة، والدا الولد في الصدارة وهم يعرضون صوره، لكن عيسى طفل فلسطيني ووالداه ينشغلان الآن بمرض الجدة وإعالة البيت أكثر من أي شيء آخر. وما الذي سيحدث عندما سيقوم طفل يهودي، حريدي أو مستوطن، برشق الحجارة على الجنود؟ ويحتمل أن عيسى لم يقم برشق الحجارة، فقد يتبين ايضا أنه أطلق على الجنود قذيفة من دبابة. انتظروا المحاكمة العادلة. كل شيء على ما يرام، أيها المحتل، فضميرك نقي كالثلج. كان يجب اطلاق النار على عيسى، وكان يجب تكبيله وهو مصاب، وكان يجب حبس عيسى المعاق. لأنه ليس هناك أي خيار آخر لاسرائيل، إن الفلسطينيين بفظاعتهم يجبرونها على اطلاق النار على الاطفال واعتقال اصحاب الاقدام المبتورة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف