نشرت وكالة «رويترز»، الأسبوع الماضي، مقالاً للكاتب الاوروبي نوح بركين، الذي اقتبس عن «موظفين من المانيا» دون ذكر اسمائهم، وهم يتحدثون عن أن العلاقات السياسية بين المانيا واسرائيل تدهورت بشكل غير مسبوق الى درجة أن هذه العلاقات، التي امتدت لعشرات السنين، أصبحت معرضة للخطر. وسبب ذلك، كما جاء في المقال، هو أن رئيسة الحكومة الالمانية، السيدة ميركل، قامت بالغاء لقاء «القمة» بينها وبين رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي كان من المفروض أن يعقد في أيار القادم في القدس. صحيح أن مكتب ميركل علل سبب الغاء اللقاء بـ «الجدول الزمني المكتظ». ولكن اذا كان السبب الحقيقي هو «التحفظ على السياسة الاسرائيلية»، كما جاء في المقال، فهذا يضع علامات استفهام حول تعامل القيادة الألمانية مع اسرائيل ومعرفتها بالتحديات التي تواجه اسرائيل. ويبدو ايضا أن هناك اسباباً اخرى اكثر عمقا لهذه الاحاديث. ويذكر المقال أن جيلا جديدا من الشباب في المانيا يريد التنصل من مسؤولية الشعب عن الكارثة، الى جانب جهات في اليمين المتطرف تسعى الى اعادة تقييم ماضي ومستقبل المانيا. وهذا التوجه لا تغيب عنه الميول اللاسامية. إن رؤساء مثل ميركل مطلوب منهم مواجهة هذه الظواهر وعدم الخضوع لها، من اجل مستقبل المانيا نفسها وليس فقط من اجل العلاقة مع اسرائيل. المانيا بصفتها عضواً في الاتحاد الاوروبي شريكة في مواقف الاتحاد بالنسبة للموضوع الفلسطيني، بما في ذلك المستوطنات والقدس، لكن لم يسبق لها أن كانت رأس حربة لجهود اوروبا في المواقف التي لا توافق عليها إسرائيل، بل على العكس، كانت في العادة تبذل الجهود من اجل الغائها أو تخفيفها. فلماذا التغيير، اذاً؟. اذا كان تم الغاء اللقاء المخطط له في القدس بسبب «عدم الرضى» عن سياسة الحكومة الاسرائيلية، مثلما جاء في المقال، فسيتم طرح عدة اسئلة. السؤال الاول هو هل المانيا الآن تعتقد أن «العلاقة الخاصة» مع اسرائيل التي لا يمكن فصلها عن تاريخ الشعب الالماني والشعب اليهودي، يجب أن تكون أداة للسياسة الاسرائيلية؟ أي، هل التسليم التلقائي لحكومة اسرائيل مع الخط السياسي لحكومة برلين هو شرط؟ والسؤال الآخر لماذا انغيلا ميركل التي اعترفت في الاسابيع الاخيرة بأنها لم تقدر بشكل صحيح الاخطار الناتجة عن وجود المسلمين المتطرفين على اراضيها، تعتقد أنها يمكن أن تقدم النصيحة لحكومة اسرائيل حول اتخاذ القرارات التي توجد فيها أخطار على أمنها بالمعنى الاساسي لهذه الكلمة؟ الانفصال عن الفلسطينيين، بما في ذلك اقامة كيان خاص بهم، هو هدف يتفق عليه معظم الاسرائيليين، بما في ذلك رئيس الحكومة. لكن اقامة دولة فلسطينية الآن في ظل الوضع السائد في الشرق الاوسط، و»حماس هي» التي ستكون المسيطرة عليها، وستعمل فيها جهات ارهابية دون أي ازعاج – هي خطر كبير على دولة اسرائيل، ووصفة مؤكدة للحروب التي لا تنتهي. «الخبراء» في المانيا الذين اقتبست عنهم «رويترز» يستخدمون انتخاب دونالد ترامب لتبرير الكتف الباردة التي يقدمونها لإسرائيل، أي أن الانقلاب في الولايات المتحدة قام بزيادة تطرف مواقف اسرائيل. ولكن في الوقت الذي تترك فيه ادارة ترامب القرار حول طابع حل الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني في أيدي الاطراف وتؤيد حل الدولتين، فان الدول الاوروبية، بما فيها المانيا، تريد أن تفرض على إسرائيل حلاً لا توافق عليه. يجب علينا التذكر بأن الحزب الذي تترأسه ميركل هو الحزب الاكثر صداقة لاسرائيل في اوروبا المقسمة، ويجب على اسرائيل ايضا فحص نفسها اذا كانت قد بذلت ما يكفي من الجهود لتعزيز أسس العلاقة الخاصة مع المانيا. المانيا هي الآن زعيمة اوروبا كلها فعليا، وسيتعزز ذلك في اعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والفوضى السياسية السائدة في فرنسا وايطاليا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف