يفترض بعض الفلسطينيين أن حسم الصراع مع الاحتلال الصهيوني التوسعي يتم بالقوة وحدها على الأهمية البالغة لهذا العامل، وأننا أمام معركة بمفهومها التقليدي والسطحي وحسب، وعليه فإن القوة وحدها إن توفرت يمكن أن تحسم الصراع وتقلب الموازين وينتهي الأمر، وحقيقة الأمر أن هذا تبسيط مبالغ فيه لصراع تاريخي مستمر منذ فترة طويلة، وتؤثر وتتأثر به دول عظمى وتتداخل به مصالح لقوى القرار.
لم تقم دولة "إسرائيل" في عام 1948 نتيجة لهزيمة العرب في الحرب التي وقعت في ذلك العام، وهي الحرب التي أطلق عليها الضابط البريطاني جون كلوب اسم «الحرب المزيفة»، وهو – أي كلوب باشا- كان يقود الجيوش العربية التي شاركت صورياً في هذه الحرب المزيفة بحكم أنه كان قائد الجيش الأردني.
من يقرأ التاريخ يفهم أن قيام الدولة "الاسرائيلية " كان حصيلة مئتي عام على الأقل من العمل السياسي والإعلامي البحت، ولاحقاً لذلك العمل الدؤوب على المستوى السياسي والإعلامي بدأت العصابات الصهيونية تتشكل تمهيداً لتتحول إلى جيش نظامي يحمي دولة قيد الإنشاء، وهو الجيش (أو العصابة) الذي نجح في استخدام القوة في المكان والزمان المناسبين.
بهذه المعطيات، وعلى هذا الأساس، ليس صحيحاً ابدا التقليل من العمل الفلسطيني في الخارج او تهميشه، ولا الجهد الذي تبذله الجاليات الفلسطينية في الغرب، ولا عمليات تشكيل مجموعات الضغط السياسي (اللوبي) التي تقوم بها الجاليات الفلسطينية، إذ بدون هذا العمل لا يمكن شرح القضية الفلسطينية، ولا يمكننا الترويج لروايتنا، ولا يمكننا الوصول الى العالم الغربي، بما فيه عواصم صناعة القرار من أجل التأثير فيها، وهذه مرحلة سبقت قيام "إسرائيل" الصهيونية بمئة عام على الأقل، وحققت المؤسسات السياسية اليهودية نجاحاً بالغاً فيها حتى وصلت إلى التأييد العالمي الذي أتاح لها أن تحول حلماً وضعه ثيودور هيرتزل في كتاب في النمسا عام 1896 إلى حقيقة على أرض فلسطين في عام 1948، أي بعد ذلك الحلم بـ52 عاماً.
على هذا الأساس وضمن هذه المعطيات، فإن مشاركة مؤسسات فلسطينية في اوروبا في جلسات في الأمم المتحدة تتناول قضايا اللاجئين والجدار والمستوطنات والعدوان الاسرائيلي على الأرض والإنسان يمثل إنجازاً كبيراً لا يجوز تجاهله، كما أن جلسة برلمانية في لندن ينظمها منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني، أو زيارة ينظمها لمخيمات اللاجئين، تمثل خطوة كبيرة وبالغة الأهمية على طريق شرح وجهة النظر الفلسطينية، وكذلك فإن فعالية ينظمها مكتب لمنظمة التحرير في عاصمة أوروبية، أو حفل تنظمه سفارة فلسطين في بلد غربي ما، يمكن أن تغير الكثير، أما نتائج هذه الجهود فلا يمكن أن تكون آنية ولا يمكن أن يلمسها المتابع في يوم وليلة، وإنما هو عمل تراكمي قد تلمسه الأجيال القادمة.. تماماً كما أن هيرتزل صاحب الحلم لم يكن موجوداً عند تحقيقه، وإنما كان مجرد صورة وضعت فوق رأس ديفيد بن غوريون وهو يُعلن قيام دولة "إسرائيل" مساء يوم الرابع عشر من أيار/ مايو 1948.
العمل الفلسطيني في العالم الغربي لا يمكن تهميشه، وهذا ينسحب على الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها السلطة والفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير والسفارات المنتشرة حول العالم، كما ينسحب على المنظمات المدنية الفلسطينية، وعلى المؤسسات الأجنبية المساندة للحق الفلسطيني، وعلى الجاليات الفلسطينية التي تنتشر في كل بقاع الأرض، وكل هذا العمل بالغ الأهمية في الجهود الرامية لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، واحداث تغيير كبير في الموقف الدولي، بما في ذلك الرأي العام للشعوب الحرة، وشاهدنا ذلك جلياً عندما خرج أكثر من 100 ألف بريطاني يتظاهرون ضد العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، ويحتجون أيضاً على تغطية «بي بي سي» الممولة من أموال الضرائب التي يدفعونها، في مشهد لم يكن مألوفاً من قبل، لولا أن الرواية الاسرائيلية باتت مفضوحة، ولولا أن الكذب الاسرائيلي لم يعد ينطلي على العالم المتحضر، وكل هذا بفضل أن الرواية الفلسطينية الأخرى أصبحت حاضرة.
خلاصة القول، هو أن المشروع الوطني الفلسطيني هو عملية نضالية طويلة الأجل، وهذا المشروع يحتاج لشعب لديه من الصبر ما يكفي للوصول الى الهدف، وفي النهاية فإن الأيام دول، ودوام الحال من المحال، ومهزومو الأمس سينتصرون غداً، وبحسب نظرية ابن خلدون فإن الدول كالبشر: تولد ثم تكبر ثم تهرم ثم تموت.
مدير الموقع

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف