من نوافل القول إنّ العلاقات الدوليّة محكومة بموازين القوى، فكم بالحري إذا كانت الدولة، مثل إسرائيل، مدعومةً من أعظم دولةٍ في العالم، الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، ومن دول النفاق الأوروبيّ، وفي الوقت عينه، تتمتّه بـ”دعمٍ” سريٍّ وأحيانًا علنيٍّ من دولٍ عربيّة تُصنّف في كلّ من واشنطن وتل أبيب على أنّها “دول عربيّة سُنيّة مُعتدلة” تتساوق مصالحها الإستراتيجيّة مع الدولة العبريّة في منع إيران من مواصلة التمدّد في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها أكبر دولةً مُصدّرةً للإرهاب.
علاوةً على ذلك، فإنّ زيارة الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، الأولى إلى خارج أمريكا في الـ22 من الشهر الجاري إلى كلٍّ من السعوديّة وإسرائيل تحمل في طياتّها مدلولات كبيرة، وذلك على وقع الأنباء المتواترة عن نيّة الإدارة الأمريكيّة الجديدة تشكيل حلف ناتو شرق أوسطيّ يتصدّى للمطامع الإيرانيّة في الشرق الأوسط، ويمنع “الهلال الشيعيّ” من مواصلة السيطرة على دولٍ وعواصم عربيّةٍ.
ولا يخفى على أحد أنّ إسرائيل، التي فشلت جميع رهاناتها في سوريّة، من تقسيم هذا البلد العربيّ وحتى إسقاط الرئيس السوريّ، د.بشّار الأسد، تعمل خلف الكواليس لكي تقوم أمريكا بتنفيذ المهمات التي عجزت هي نفسها عن إخراجها إلى حيّز التنفيذ.
وللتدليل على عمق حالة الذلّ والهوان العربيين، يكفي في هذه العجالة الإشارة إلى أنّ إسرائيل تحتل قسمًا من الجولان العربيّ السوريّ منذ عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، وبما أنّها دولةً مارقةً ومُعربدةً مع علامة الجودة والامتياز، فقد قامت في العام 1980 بسنّ قانونٍ في الكنيست يؤكّد ضمّ الجزء المُحتّل من الجولان للسيادة الإسرائيليّة.
وكما يقول المثل العربيّ: مع الأكل تزداد الشهيّة، فإنّ إسرائيل، التي باتت “شقيقة” و”صديقة” من قبل عدّة دولٍ عربيّةٍ مستخدمةً مع واشنطن فزاعة إيران، فقد كان طبيعيًا أنْ ترفع سقف مطالبها في سوريّة، وكأنّ هذا البلد العربيّ، الذي وصفه القائد والمُعلّم والمُلهم، جمال عبد الناصر بنبض العروبة، بات للبيع في مزادٍ علنيٍّ. فها هي دولة الاحتلال، بكلّ صلفٍ ووقاحةٍ تُطالب واشنطن بإقناع المجتمع الدوليّ بالمُوافقة على ضمّ الجزء المُحتّل إلى السيادة الإسرائيليّة، في الوقت الذي يُحافظ النظام العربيّ الرسميّ على سكوت أخل الكهف، لا بلْ أكثر من ذلك، يسعى لتشكيل حلفٍ مع إسرائيل وأمريكا للجم إيران وإضعاف حزب الله وسوريّة، علمًا أنّه حسب التقدير الاستخباراتيّ الإسرائيليّ للعام 2017 تُشكّل منظمة حزب الله أكبر تهديدٍ إستراتيجيّ على الدولة العبريّة، خصوصًا وأنّها مدعومةً من إيران ومن سوريّة.
ولا غضاضة في هذه العجالة من التذكير بأنّ مجلس التعاون الخليجيّ، بقيادة المملكة العربيّة السعوديّة اتخذّ في آذار (مارس) من العام 2016 قرارًا يعتبر حزب الله منظمةً إرهابيّةً، بكلماتٍ أخرى، إذا قامت إسرائيل بشنّ حربٍ على حزب الله، فإنّها تحمل في جيبها القرار التي يسمح لها بتدمير منظمةٍ إرهابيّةٍ بشرعيّةٍ عربيّةٍ.
بالإضافة إلى ذلك، على مدار الوقت تشهد البيئة الإستراتيجيّة للدول والكيانات والمجتمعات تغيرات تدريجية تطال كل مكوناتها أو بعض منها، والتي تؤثر على بعضها البعض لاحقًا، سواء بفعل عواملها الذاتية أوْ بفعل العوامل الموضوعية أوْ بفعل مبادر ومخطط. وبعد 70 سنة من نشأة إسرائيل فقد جرى في نهر بيئته الإستراتيجية القريبة والبعيدة، السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والمجتمعية، الكثير جدًا من التغيرات العميقة، والسؤال الذي يراود كل الباحثين الإسرائيليين يتعلق بوجهة هذه التغيرات، هل جعلت إسرائيل أكثر أمنًا أمْ زادت من تهديداتها؟، ونلحظ أنّ جوابهم يأتي سريعًا بالقول إنّ إسرائيل، التي كانت تعيش خطرًا وجوديًا، منبوذة، مقصاة، ومتعلقة بالدعم والحماية الغربية، باتت اليوم الدولة الأكثر استقرارًا في الإقليم، بل وباتت تطمح لأنْ تُشكّل رأس حربة لتحالفٍ إقليميٍّ، وقبلة الدول الساعية للتزود بالتكنولوجيا والباحثة عن التنميّة.
وفي دراسةٍ جديدةٍ للباحث يتسحاق دغاني، يقول إنّ معاهدة السلام مع مصر قائمة ومستمرة حتى الآن، لم يتم خرقها ولو مرّةً واحدةً، لكنها خضعت لاختبارات كثيرة على مرّ الزمن. حتى في الوقت الذي حكم مصر شخص تابع للإخوان المسلمين، وهو محمد مرسي، لم يلغِ المعاهدة رغم إعلانه بأنّه سيفعل ذلك، ورغم تأثره بأيديولوجية معاداة الإسرائيليين التي يتبعها الإخوان المسلمين.
وتابع: مع اندلاع “الربيع العربي” بدأت مصر تعاني من إرهاب الإسلام المتطرف، جزءٌ من الإرهابيين وجدوا مأوىً ومنطقة للأنشطة في شبه جزيرة سيناء. المصريون كانت قدراتهم القتالية محدودة ضدّ الإرهاب هناك، وقد طلبوا من إسرائيل إدخال وحدات جيش لسيناء وعربات مدرعة كانت ممنوعة من الدخول إلى هناك حسب معاهدة السلام، لافتًا إلى أنّ إسرائيل لم توافق فقط على ذلك، بل تساعد اليوم بشكل نشط مصر في قتالها ضدّ الإرهاب. لو كان هناك شخص تنبأ – قبل سنوات – بأنّ إسرائيل ومصر ستتعاونان في حرب ضدّ المسلمين لكان لزامًا أن تتم معالجته في مؤسسة تناسب حالته، لكن اليوم هذا هو الواقع.
ورأى أنّ مصر اليوم دولة فقيرة، تعاني من الإرهاب، ذات كثافة سكانية، ليس باستطاعتها أنْ تنتج المواد الغذائية الأساسية اللازمة لأولئك السكان، وأضاف: لا أتردد بأنْ أستنتج أن مصر على بعد مسافة قصيرة من التحول لدولة فاشلة. تكمن المفارقة في أنّ مصر كانت إحدى الممالك الأولى والأكثر نظامًا في التاريخ البشري.
واختتم قائلاً: ليس هناك شك في أن مصر خرجت، كما هو واضح منذ فترة طويلة، من دوامة القتال ضدّ إسرائيل، اليوم ليست مصر فقط لا تُشكل تهديدًا استراتيجيًا على إسرائيل؛ بل أيضًا يتعاون الجيش المصري مع الجيش الإسرائيليّ من أجل منع هجمات إرهابية وإرسال صواريخ من سيناء لداخل مناطق إسرائيل، بما فيها إيلات وجنوب النقب، على حدّ تعبيره.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف