لا يكف إبداع حكومة اسرائيل بشكل عام، وبنيامين نتنياهو بشكل خاص، عن النبض. فبعد أن طلب من محمود عباس الاعتراف باسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وجد نتنياهو الآن مبرراً جديداً، وهو أن على السلطة الفلسطينية وقف تقديم المساعدات الاجتماعية لعائلات الشهداء والسجناء الامنيين.
كيف يمكن فعليا تحمل وضع تنتقل فيه الاموال الفلسطينية العامة الى من قاموا بالاعتداء على اليهود، وخاصة اجراء المفاوضات مع من يشجع «الارهابيين»؟ وبالمناسبة، لم يخترع عباس هذا الامر، لأنه كان موجودا منذ العام 2003، في اعقاب قانون سنته السلطة الفلسطينية في زمن الانتفاضة الثانية. ومن المسموح السؤال ما الذي دفع نتنياهو الى اثارة هذا الموضوع، الآن، بالتحديد، بعد أكثر من 14 سنة.
الادعاء المقابل للفلسطينيين الذي يعتبر أن مكانة هؤلاء الاشخاص الشعبية لا تقل عن مكانة جنود الجيش الاسرائيلي الذين يقتلون الفلسطينيين الابرياء، أو الارهابيين اليهود من اعضاء «الليحي» و»الايتسل» و»الهاغاناة»، الذين سميت على اسمائهم شوارع، هذا الادعاء يخدم نتنياهو. إنه يهز رواية تحرير اسرائيل من أيدي الاحتلال البريطاني، ويزيد من مشاعر العدل أمام الاعتداء الفلسطيني.
لكن اسرائيل تجعل مهمتها سهلة عندما ترفض المقارنة بين اليهود الذين يقومون بقتل الفلسطينيين وبين الفلسطينيين الذين يقومون بقتل اليهود. على سبيل المثال، أعفت اسرائيل نفسها من المسؤوليات عن الحاق الضرر بالمواطنين الفلسطينيين من قبل الجيش الاسرائيلي، من خلال تعديل قوانين الاضرار، والذي يعفي الجيش الاسرائيلي من المسؤولية عن الضرر نتيجة عمل، بما في ذلك الإصابة أو القتل الذي يحدث في «مناطق الحرب»، قتل فلسطينيين ابرياء، حسب هذا القانون، هو عمل مشروع ومعفي من دفع التعويضات.
قتل اسرائيليين على أيدي فلسطينيين، في المقابل، يعتبر «ارهابا»، لكن من يريد التمييز بين جنود الجيش الاسرائيلي وبين الفلسطينيين الذين ينفذون العمليات بالاعتماد على ادعاء الشرعية، سيجد نفسه داخل شرك التناقض. فحسب هذا المنطق، لو كان رجال الشرطة الفلسطينيون هم الذين نفذوا العمليات «الارهابية» ضد اليهود، أو أن أبو مازن أقام وحدات تصفية رسمية تعمل باسم السلطة لتنفيذ العمليات ضد الاسرائيليين بزعم الدفاع في وجه الاحتلال، لكانت مكانتهم مماثلة لمكانة جنود الجيش الاسرائيلي، أي أنه لا يمكن اعتبارهم «ارهابيين».
ولكن أبو مازن لا يمارس الارهاب، وقوات الامن التابعة له تتعاون مع الجيش الاسرائيلي في القبض على «المخربين» وتقديم المعلومات الحيوية. ومن أموال السلطة تُعطي الكثير للعائلات التي أصيبت وتضررت من عمليات الجيش الاسرائيلي، والعلاج الطبي لمن أصيبوا باطلاق النار واصبحوا معاقين، واعمار البيوت التي هدمت خارج اطار القتال والحرب، وهذه المساعدات كان من المفروض أن تقوم اسرائيل بتمويلها، لولا الاعفاء الذي منحته لنفسها.
صحيح أن السلطة تقوم بدفع آلاف الشواقل شهريا لعائلات الشهداء والسجناء الامنيين، لكن اسرائيل تكذب عندما تقول إن العمليات ستتوقف اذا توقف من ينفذون العمليات عن الحصول على الرواتب من السلطة الفلسطينية. وسواء حصلوا على أجر أو تعويض أو لم يحصلوا، فان الشهداء والسجناء يعتبرون أبطال الأمة. آلاف الفلسطينيين قضوا سنوات طويلة في السجون الاسرائيلية، وكل هذا قبل أن تكون هناك رواتب لعائلاتهم.
إسرائيل، أكثر من أي دولة اخرى، يجب عليها الاعتراف بأن الصراع القومي لا يخلو من «الارهاب». النضال القومي لا يتم من اجل المال أو التعويض. طلب اسرائيل وقف دفع المال كوسيلة رادعة، هو مثل طلب أبو مازن اعتبار الشهداء قتلة مأجورين.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف