الدراما القضائية حول موضوع «عدم» تجنيد أبناء المدارس الدينية تحطم كل رقم قياسي محتمل. فقد بحث الموضوع تسع مرات أمام المحكمة العليا على مدى أربعة عقود. بحثت دستورية أمر التشريع في هذا الموضوع أربع مرات، وفي حالتين – الأخيرة منها أول من أمس – شطبت المحكمة قانون الكنيست. حيث لم يسبق أن كان أمر كهذا.
لا يتردد القضاة في شجب القانون الحالي: «قناع»، نوع من ذر الرماد في العيون، «وهم محرج»، «ورق تين لتغطية عورة التمييز». من الصعب على المرء ان يعفي نفسه من تااحساس بتحطيم الاواني من جانب السلطة القضائية، التي تصطدم المرة تلو الاخرى بحائط صلب يقيمه امامها الواقع السياسي في اسرائيل.
مؤثرةٌ ورمزيةٌ الكلمة التي يبدأ بها القاضي الياكيم روبنشتاين قراره في آخر أسبوع في منصبه: «يأس». الرئيسة الوافدة، استر حايوت، تعترف بأنها لم تقدر بأنه بعد الحملة القضائية المضنية «ستقف قدماها في المكان ذاته، بل وأدنى منه، دون أن يوجد لنا حتى الان أي مسار محدد كفيل بان يؤدي الى حل مناسب ودستوري كما ينبغي». بالفعل، فان الخلاف حول التجنيد هو التهديد الأكبر لحلف المصير بين اليهود في إسرائيل.
يخاف الأصوليون من أن يكون الانتقال في سن 18 من إطار مدرسة دينية محمية الى إطار عسكري يحوز القوة العملية والرمزية الكبيرة تجاه المتجند، من شأنه أن يسحق مظاهر الهوية الاصولية للجيل التالي. معظم الأصوليين لا يعارضون الدولة أو الجيش؛ ويفهمون بان ليس كل اصولي بقادر أو معني بتعلم التوراة طوال حياته؛ ويعرفون انه لا يمكن الابقاء على المجتمع الاصولي في فقر مدقع على مدى الزمن. ولا تفرحهم الصورة الطفيلية التي علقت بهم ولكنهم يخافون ضياع الهوية، ولهذا فهم مستعدون لصراع عنيد.
نفذ صبر الناس من التمييز بين الدم والدم. فالنظر الى سياق الزمن يبين عمق المعارضة العامة للتسويات القائمة – من اليمين («تسوميت»، «اسرائيل بيتنا»)، من اليسار (اليسار برئاسة باراك، «ميرتس») وفي الوسط («شينوي»، «يش عتيد»). حكومتان سابقتان أنهتا حياتهما على خلفية الدعوة الى «المساواة – الان».
الجناحان المتعاكسان، الأصيلان وشديدا القوة، موضوعان كقنبلة زمنية متكتكة على الطاولة الوطنية. القضاء وحده لا يمكنه ان يفككها. فهو مسؤول عن حماية حقوق الانسان، وفي السياق الحالي عن المساواة. ولكن مدى تأثيره على حل المسألة، كما ثبت، محدود. الحل الذي اقترحته الحكومة السابقة – صيغة متصاعدة للتجنيد وفقا لمستويات محددة وعقوبات جنائية – متطرف جدا. فالتهديد بحبس الآلاف غير عملي ويدعو الى العصيان المدني على اساس ديني. اما القانون الحالي – الذي هو تسويف زمني دون واجب التجنيد حتى العام 2023 - فمتطرف في الاتجاه المعاكس.
حل ثالث يقترحه القاضي اسحق عميت: منح الأصوليين اعفاء كاملا من التجنيد على مدى فترة غير قصيرة، على امل أن ينضموا الى سوق العمل، ينخرطوا في المجتمع، هكذا بحيث يتجندون في النهاية مثل الجميع. ولكن هل سينجو نموذج «جيش الشعب» في مثل هذا الحل؟ فالاعفاء من الخدمة لكل سابع ملزم بالتجنيد - بالقانون – هو وصفة مؤكدة لتفكيك الالتزام الاسرائيلي بالخدمة في الجيش الإسرائيلي.
بدلاً من كل هذا يجب تبني صيغة تجنيد تعترف بالخوف الاصولي من المس بالهوية، لا تفرض التجنيد على الفرد، ولكنها تشجع تجنيدا واسع النطاق انطلاقا من الاستخدام للحوافز الاقتصادية – الايجابية والسلبية. فعالم المدارس الدينية يقوم بقدر كبير جدا على اساس ميزانية الدولة، واستخدام هذه الحقيقة، بطريقة محترمة وناجعة، هو الاتجاه السليم.
على الدولة أن تقرر الكلفة الاقتصادية المعقولة لتمويل تعليم التوراة بالميزانية، مثلما تتصرف في كل موضوع آخر – الامن، التعليم او الصحة. وحجم الميزانية يمكن ان يربط بطريقة العصا والجزرة، بعدد المتجندين للجيش من أوساط الطائفة. وعندها ستثور المصلحة الاصولية بتوزيع المبلغ المخصص حصرياً على التلاميذ الأذكياء حقاً. أما حماية الهوية الأصولية فستتحقق من خلال تأجيل التجنيد الى سن 22، حين يكون الاصولي المتوسط قد تزوج، وبالتالي فان هويته ستكون مستقرة نسبيا. وستكون لهذا كلفة لا بأس بها، وهذه ليست تسوية متساوية، ولكن في نظرة وطنية يعد هذا استثمارا مجديا لا بديل عنه.
لقد حددت المحكمة سنة واحدة لتفكيك القنبلة. فهل القيادة – العامة والأصولية – مستعدة للتحدي؟

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف