رئيسة ميرتس الجديدة تمار زاندبرغ هي هبة ريح منعشة في السياسة الإسرائيلية. فهي مستقيمة، قيمية وعملية؛ يسار إسرائيلي لا يتخفى ولا يعتذر، نسوية ومتساوية. بتقديري، السياسة الإسرائيلية في المستقبل المنظور للعيان ستدار بينها وبين وزيرة القضاء أييليت شكيد. هاتان امرأتان لا تتشاركان في شيء باستثناء الذكاء، طلاقة اللسان والسير في المسار الايديولوجي.
وزيرة القضاء، هي التعبير الأكثر طلاقة عن النظام الحالي. فهي فهيمة أكثر من الوزير نفتالي بينيت وحقيقية أكثر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولكنها لا تقل خطورة عنهما. هي علمانية، ولكنها ترى في الوعد الالهي ببلاد إسرائيل الكاملة كل شيء. مشروع الاستيطان هو شمعة تضيء طريقها. دونم هنا ودونم هناك، لمنع دولة فلسطينية. صحيح أنها تعتقد أنها تعارض الدولة ثنائية القومية، ولكن بالتأكيد تقود إلى هناك بنجاح لا بأس به. تدعي أنها مؤيدة للديمقراطية الإسرائيلية، ولكن في نشاطها الناجع، تعمل على المس بإمرة المحكمة العليا. شكيد تؤيد قانون القومية، الذي يلحق الهوية الديمقراطية بالهوية اليهودية للدولة. وهي تتحدث بحسن شديد، حتى عندما تكون على شفتيها ديماغوجيا مخيفة وعنصرية.
اما زاندبرغ، بالمقابل، فهي النقيض التام. هي ترى في مقاومة الاحتلال خلاصة الوطنية الإسرائيلية، وبالاحتلال الخطر الأكبر على أمن دولة إسرائيل. الاحتلال بالنسبة لها هو موبئة اخلاقية، أمنية وسياسية على حد سواء. لقد أدارت زاندبرغ في الماضي وهي تدير اتصالات مع القيادة الفلسطينية في رام الله. لو كان لها تفويض بذلك ستكون قادرة على الوصول إلى حل وسط تاريخي مع الفلسطينيين من داخل الرواية اليهودية الصهيونية.
تمثل زاندبرغ تل أبيب الحديثة، إسرائيل مثلما يحب ويقدر العالم: ليبرالية، تكنولوجية وديمقراطية. هي نسوية كفاحية، ما يمكن قوله عن كل حزب ميرتس، الذي كانت من قياداته الاساسية شولميت الوني، زهافا غلئون والان زاندبرغ. هي متساوية أيضا في رؤيتها الاشتراكية – الديمقراطية للمجتمع والاقتصاد الإسرائيلي؛ دولة رفاه مع سوق حرة. المعركة على الهوية الديمقراطية في إسرائيل هي اساس اهتمام زاندبرغ، إلى جانب انهاء الاحتلال، تعزيز الفصل بين السلطات، فك الارتباط بين الدين والدولة وتعظيم حقوق الإنسان والمواطن في إسرائيل.
بين السياسيتين الايديولوجيتين زاندبرغ وشكيد، توجد كتلة غامضة وبراغماتية. المنتصر من بين الطرفين حاليا هو نتنياهو، الذي يبقى مخلصا لحركة غوش ايمونيم، وهو ينفلت كل يوم على سلطات انفاذ القانون والقضاء، الإعلام، المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان. في الوسط – اليسار يسمع التلعثم الاعتذاري للبيد وغباي، مهما كانا كفوئين، عن حل الدولتين. هذان هما شخصان ديمقراطيان، يفشلان في اشعال الشهية ونار التمرد ضد سحق الديمقراطية من قبل الحكم الحالي.
يقترب اليوم الذي ستضطر فيه إسرائيل إلى الحسم، ربما ليس بين شكيد وزاندبرغ، ولكن بين الفكرين اللذين تمثلاهما، بين الاحتلال والتسوية، بين الثيوقراطية والديمقراطية، بين الدولة المنبوذة أو العضو في أسرة الشعوب. في هذا الخيار لا يوجد وسط.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف