بقلم: جاكي خوري
سلوك الشرطة تجاه مظاهرة حيفا، نهاية الأسبوع، يؤدي إلى استنتاج واحد: المواطن العربي، سواء أكان من حيفا "مدينة التسامح والتعايش"، أم من أم الفحم "المتطرفة"، أم من أم الحيران غير المعترف بها، هو قبل كل شيء عربي.
العربي هو مواطن من الدرجة الثانية، يمكن ضربه واعتقاله؛ لأنه تجرأ على الاحتجاج دون أن يحصل على مصادقة على ذلك مسبقاً. وبشكل عام لأنه تجرأ على تشويش روتين الحياة لأغلبية اليهود.
كان يمكن للشرطة إنهاء الأحداث بصورة مختلفة لو أنهم فهموا التداعيات، ولو كانت لدى القيادة العليا بالشرطة رغبة في ذلك، لكن هذا عهد جديد، عهد جلعاد أردان وروني الشيخ، عهد يريدون فيه الاستثمار في المجتمع العربي، يفتحون مراكز للشرطة ويجندون رجال شرطة عرباً، لكنهم يرتكبون كل خطأ ممكن في الطريق إلى ذلك.
صادقوا في المستشفى، السبت الماضي، بأن فرح يتم علاجه، لكنهم قالوا: إنهم لا يستطيعون الإبلاغ عن حالته بسبب الحصانة الطبية.
ورد من الشرطة أن الفحص الأولي لم يظهر أموراً تربط بين إصابة فرح والاعتقال. "تمت الاعتقالات من أجل إعادة النظام العام إلى ما كان عليه ومنع تعريض سلامة الجمهور للخطر"، هكذا كتب في بيان الشرطة، "معظم الاعتقالات تمت حسب القانون وطبقا للإجراءات. رغم محاولة نشر شائعات وانتقاد أعمال الشرطة في الميدان فإن نتائج الفحص حتى الآن تظهر أنه لم يتم العثور على أي حدث استثنائي، يربط بين إصابة أحد المعتقلين واعتقاله".
حسب الإجراءات في حالة أن المتهم يقول: إن رجال الشرطة تعاملوا معه بعنف، فعلى الشرطة نقل كل مواد التحقيق بهذا الشأن ليتم فحصها من قبل قسم التحقيق مع رجال الشرطة. بعد فحص المواد يقوم قسم التحقيق مع رجال الشرطة باتخاذ قرار فيما إذا كان يجب فتح تحقيق رسمي.
المحامي حسن جبارين، محامي "عدالة"، الذي يمثل فرح قال: إن قوات الشرطة الكثيرة في المظاهرة أمروا المتظاهرين بالتفرق، ولكنهم لم يُمكنوهم من القيام بذلك. حسب أقواله فإن فرح اعتقل، وفي مركز الشرطة "رأى شرطياً يضرب ابنه، سأل لماذا يضربه، عندها ضربه على ساقه". ورد من الشرطة بعد الاعتقالات أنها "ستواصل السماح للجمهور بتطبيق حق الاحتجاج وحرية التعبير طبقاً للقيود والتعليمات الواردة في القانون، لكنها ستمنع كل محاولة لخرق النظام العام وتعريض أمن الجمهور للخطر".
انتشرت صور الاعتقالات في حيف، مساء الجمعة، بسرعة، فخلال دقائق انتشرت في بلدات كثيرة، حيث شاهد سكانها رجال شرطة مسلحين من قمة الرأس إلى أخمص القدمين وهم يقودون متظاهرين إلى سيارات الشرطة. في الشرطة قالوا: إن عدداً من المتظاهرين خرقوا النظام العام وحاولوا إغلاق الشوارع. حتى لو كان هذا الادعاء صحيحاً، ففي الشرطة تجاهلوا حقيقة مهمة: الاحتجاج في حيفا هو واحد من بين عشرات المظاهرات في المجتمع العربي في السنوات الأخيرة التي انتهت بصورة منظمة جدا، حتى في هذه الأيام، في نهاية أسبوع صعب وحافل جدا دفع فيه 65 فلسطينياً حياتهم على حدود قطاع غزة.
خرق النظام ليس صفة جينية موجودة لدى المواطنين العرب. بالعكس، منذ أحداث تشرين الأول 2000 وحتى الآن كان هناك حالات منفردة فقط خرجت فيها الأحداث العامة أو الاحتجاجات السياسية في المجتمع العربي عن السيطرة أو أنها انتهت بمواجهات عنيفة. تتحدث الشرطة عن الحاجة إلى الردع، لكن عمليا أيضاً القيادة المحلية والإقليمية في المجتمع العربي فهمت قواعد اللعب.
في شرطة لواء الساحل كان يمكنهم إنهاء الأحداث بصورة مختلفة لو أنهم فهموا التداعيات. في حيفا كان هناك عدد لا بأس به من المظاهرات في السنوات الأخيرة، ومعظمها جرت دون مصادقة مسبقة، لكن مقاربة الشرطة نحوها كانت مختلفة. تجوّل رجال شرطة بين الناس، وطلبوا بصورة مهذبة الصعود على الرصيف وعدم اغلاق الشارع. انتظر رجال الشرطة على بعد ما في انتظار أن تخرج المظاهرة عن السيطرة، لكن في الغالب نجح هذا الأسلوب. هؤلاء احتجوا وأولئك حافظوا على النظام العام، أي أنه يمكن التصرف بصورة مختلفة، إذا كانت هناك إرادة ورغبة لدى القيادة العليا للشرطة وإذا كان هناك دعم من المستوى السياسي.
ولكن هذا عهد آخر. عهد جلعاد أردان وروني الشيخ. عهد يريدون فيه الاستثمار في المجتمع العربي، يفتحون مراكز شرطة لكنهم يرتكبون كل الأخطاء الممكنة خلال ذلك. بدل معالجة الجريمة المتزايدة وشن حرب قاسية ضد منظمات الجريمة، يتفاخرون بقمع كل مظاهرة احتجاج من جانب الجمهور العربي. عن طريق النقاش والقليل من المنطق السليم كان يمكن إنهاء الأمور بصورة أخرى، لكن المقاربة التي اختاروها بدل ذلك هي مقاربة عنف وقمع وذلك كي يظهروا من هو السيد.
منذ سنتين يتحدثون في الشرطة عن زيادة النشاط في المجتمع العربي، وعن تحسين مستوى الثقة بالشرطة، لكن منذ بداية السنة قُتل 22 شخصاً في المجتمع العربي، ومعظم الحالات، جزء منها ملفات تم تغطيتها جيدا، لم يتم حلها. تقرير النائب العام عن أم الحيران فقط أوضح كم هذا الانفصال ما زال قائما.
الحدث الأخير في نهاية الأسبوع في حيفا عزز هذا الشعور. إذا كانت الشرطة تنوي أحداث تغيير في الوعي والعمل على تحسين الثقة، فيجب في القيادة العليا تغيير القرص، وأن يروا في العربي قبل كل شيء مواطناً، واليد القاسية يجب توجيهها إلى منظمات الجريمة. هكذا يقومون بإعادة إصلاح الثقة، وكذلك يحسنون الأمن الشخصي. خلاف ذلك، حتى لو فتحوا مئة مركز شرطة وجندوا ألف شرطي فلن يفيد هذا.

عن "هآرتس".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف