ها هو سبب حقيقي لأن نحسد الامريكيين. احتجاج واسع جرى في الولايات المتحدة ضد سياسة الفصل بين الاطفال ووالديهم الذين يحاولون اجتياز الحدود من المكسيك دون التصاريح المطلوبة. المحررة الرئيسية في الصحيفة اليهودية "فور وورد" جايل آيزنر كتبت أن الجالية اليهودية الامريكية يجب عليها أن تتخلى عن ستيفن ميلر، المستشار السياسي الكبير في البيت الابيض، لأنه يدافع عن هذه السياسة "بدون ذرة تردد أو ندم". هذا ليس شخص يهودي، قالت آيزنر. "لا حاجة الى ابعاد رسمي، بل يكفي الابتعاد عنه والقول له إنك لست منا، ليس عندما تؤيد سياسة ضد الانسانية للآخر، وبهذا هي تناقض القيم اليهودية".
أي فكرة عظيمة وبسيطة التخلي والابتعاد عن كل يهودي يحتل منصب رفيع، مواقفه ونشاطه يناقض القيم اليهودية، كما تفهمها آيزنر (ومعها كما يبدو عدد غير قليل من الجالية اليهودية). ميلر يدفع طوال الوقت الى أن تطبق وتفضل الوطنية البيضاء، كتبت آيزنر باشمئزاز وذكرت أن أصله من عائلة هربت من ملاحقات في روسيا البيضاء وهاجرت الى الولايات المتحدة في 1903 وعن طريق شبكة الحوانيت شقت طريقها الى الطبقة الوسطى العالية. نفاق عميق يختفي خلف صعود ستيفن ميلر "السياسي" الخطير، كما قالت، لأنه بارادته يتجاهل تاريخ عائلته.
"أن تكون يهودي يعني أن تحترم الذاكرة التاريخية. وهذا يعني اظهار مسؤولية الواحد تجاه الآخر ومن يحتاج المساعدة والتعاطف. لقد أُمرنا بالدفاع عن الآخر والاعتراف بوجود قانون واحد للسكان والاغيار والتعامل مع الآخرين بنفس الصورة التي نأمل أن يتعاملوا بها معنا"، كتبت آيزنر. هذا هو الاساس المشترك لليهود في كل الطيف السياسي، حسب رأيها.
مقال تيلي كروفكن في "هآرتس" في 17/6 يظهر أن ميلر قام بأكثر من "الدعم". "عدة مقالات (في الصحف الامريكية) كشفت أن ميلر (32 سنة) هو الذي جعل ترامب يتبنى السياسة الوحشية منذ البداية". كتب كروفكن. ولكن آيزنر كانت محقة في التقليل من دوره: في نهاية الامر ترامب هو الرئيس وهو الذي يقرر.
الوطنية البيضاء، الفصل بين الاطفال وآبائهم، التنكر لحقوق الآخر، شطب الذاكرة التاريخية. كل هذه امور غير يهودية، كتبت آيزنر. يمكننا التحاور معها حول مقاربتها الجوهرية التي تظهر نوع من التفوق: نحن اخلاقيون على مدى التاريخ لأننا يهود. يمكننا أن نناقش مبدئيا الفصل الذي تقوم به بين مكان ومكانة جماعة معينة في كل مرحلة تاريخية وبين القيم والمواقف التي تتبناها وتغيرها.
يمكن ايضا أن نناقش التعميم – الذي لا يميز بين اشخاص مختلفين، من طبقات ومن خلفيات مختلفة، داخل الجالية اليهودية. ولكن هذه النواقص توجد لها مكانة كبيرة: الرسالة التي خلفها هي رسالة متطلبة تجاه كل واحد من جاليتها ولا تتعلق فقط باليهود الامريكيين.
الاستنتاج المطلوب هو أن آيزنر وامثالها في الجالية اليهودية الامريكية يجب عليهم التنصل بنفس الاصرار والعلنية من كل وزراء حكومة اسرائيل ومن قادة الجيش الاسرائيلي ومن عدد من المستشارين والموظفين الذين يطبقون، وليس فقط من الأمس، سياسة تجسد كل ما هو ليس يهودي، حسب رأيهم. في قطاع غزة وفي الخليل وفي مناطق ج في الضفة الغربية (60 في المئة منها) وفي شرقي القدس، اسرائيل تقوم بالفصل بين العائلات وتطرد اشخاص من بيوتهم ومن اراضيهم وتشجع سياسة التفوق اليهودي – الابيض، وتعمل على افقار وتحطيم الآخر من خلال التنكر لانسانيته.
داخل حدود الدولة غير اليهود يتم التمييز السلبي ضدهم ومطاردتهم. آلاف الميلريين يعيشون في اسرائيل ويوجد لهم عشرات آلاف المتعاونين بارادتهم وبحماسة، ومئات آلاف المتعاونين بالصمت – وجميعهم يبصقون على القيم اليهودية مثلما تفهمها آيزنر.
اليهودية فليتسيا لانغر
في يوم الخميس الماضي توفيت المحامية فليتسيا لانغر، وهي من مواليد بولندا، وهاجرت الى اسرائيل في 1950 مع زوجها الناجي من الكارثة. وقد انضما للحزب الشيوعي الاسرائيلي، وكانت عضو اللجنة المركزية للحزب وأنهت دراستها للحقوق في 1965، ومنذ العام 1967 بدأت في تمثيل النشطاء الفلسطينيين ضد الاحتلال – بهذا كانت هي الطليعية التي سار خلفها آخرون. لانغر كانت عضوة في المجلس الاسرائيلي لحقوق الانسان، وفي بيان ماكي (الحزب الشيوعي الاسرائيلي) حول وفاتها تم ذكر أنها كانت نائبة رئيس المجلس، اسرائيل شاحك. المهمة السيزيفية حطمتها: لقد هاجرت الى المانيا في 1990 وهناك توفيت. عند انتشار خبر وفاتها امتلأت الصحف الفلسطينية ببيانات التعزية.
لقد تذكرت ما قاله لي احد اصدقائي، أحد "الزبائن" الكثيرين الذين مثلتهم في السبعينيات: من مخيم جباليا للاجئين، إبن عائلة من المجدل (عسقلان)، لم اعرف ماذا يعني يسار"، قال لي. "لكني أردت النضال ضد الاحتلال". الجبهة الشعبية كانت مناسبة له، عندما كان عمره 18 سنة تقريبا انضم الى احدى خلاياها، التي زرعت عبوة ناسفة في مدينة في اسرائيل واعتقل اعضاؤها سريعا بعد ذلك. لانغر مثلته. لقد احد اعضاء الخلية كان هتلر. وقال لي "لانغر رفضت تمثيله". وهذا كان احد الدروس الاولى التي اخذه في الوعي السياسي اليساري.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف