اوري اريئيل الذي يشغل اليوم منصب وزير الزراعة اقترح في نهاية السبعينيات طرد البدو من المنطقة التي تقع شرقي القدس – هذا ما يتبين من وثيقة بتوقيعه باسم “اقتراح لتخطيط فضاء معاليه ادوميم واقامة مستوطنة جماعية باسم معاليه ادوميم ب”. عمليا، هذا كان مخطط لتحويل منطقة فلسطينية مساحتها 100 – 120 ألف دونم تقريبا الى مجال يهودي اسرائيلي مأهول وتطويره كـ “رواق يهودي”، حسب تعبير اريئيل، من الغور وحتى نهر الاردن. التدقيق في المخطط يبين أن جزء كبير منه تم تنفيذه، وإن لم يتم طرد كل البدو.
في هذه الاثناء تسرع الادارة المدنية والشرطة الاجراءات قبيل هدم بيوت التجمع البدوي في قرية الخان الاحمر، المحاذية لمستوطنة كفار ادوميم. في وقت سابق من هذا الاسبوع اعلنت الدولة لمحكمة العدل العليا أنها مستعدة لهدم البيوت خلال ايام معدودة، رغم الامر المؤقت الذي جمد هذه الخطوة. الامر يتعلق بواحد من اصل 25 تجمع للبدو في المنطقة، الذي كان الرائد في مقاومة البدو في المناطق ج ضد توجهات السلطات الاسرائيلية لاقتلاعهم من اماكن سكنهم وتجميعهم في عدد من المناطق المحاذية لمناطق أ. وفرض عليهم التحول الى نمط حياة شبه حضري.
حدود المجال الذي يرسمه اريئيل في خطته هي القرى الفلسطينية حزما وعناتا والعيزرية وأبوديس من الغرب، سلسلة التلال التي تشرف على غور الاردن من الشرق، وادي القلط من الشمال ووادي قدرون وغور اوركانيا من الجنوب. “في الفضاء كثير من البدو يعملون في فلاحة الارض”، كتب اريئيل. وهذا خلافا للادعاءات التي تسمع الآن في اوساط المستوطنين، وكأن البدو سيطروا فجأة على الاراضي وظهروا فقط مؤخرا. ولكن الوزير اقترح حل ايضا: “بسبب أن المنطقة تستخدم ضمن الاستخدام العسكري وجزء كبير من الصناعة فيها يخدم جهاز الامن، يجب اغلاق المنطقة امام سكن البدو واخلاءهم”. الوثيقة وجدها د. يارون عوفاديا في ارشيف كفار ادوميم، في اطار كتاب يؤلفه عن صحراء يهودا. رسالة الدكتوراة كتبها عوفاديا حول قبيلة الجهالين التي تعيش في تجمع الخان الاحمر. “لكون (الفضاء) فارغ من السكان، يمكن اليوم تخطيطه بصورة كاملة كوحدة واحدة”، كتب اريئيل عن المنطقة التي هي احتياطي للارض من اجل البناء والصناعة والزراعة والرعي لبلدات وقرى فلسطينية شرق بيت لحم والقدس ورام الله. “استيطان عربي، حضري/ قروي، يمتد بوتيرة مدهشة على طول المحور من شرق القدس… يجب وقف هذا التمدد على الفور”.
حلول اريئيل هي: “بناء احياء حضرية تكون جزء من القدس و”اغلاق اداري لمجال القرى العربية عن طريق خطة مناسبة”. في “اغلاق اداري عن طريق خطة مناسبة” يمكن ايجاد بذرة للواقع الذي خلد الاتفاق المؤقت من العام 1995 (اوسلو ب)، حيث قسم بصورة مصطنعة الضفة الغربية الى مناطق ادارة فلسطينية، مناطق أ و ب، ومنطقة ادارة اسرائيلية في معظم الضفة، مناطق ج. هكذا تم خلق جيوب فلسطينية محددة ومقيدة من ناحية المنطقة التي فيها مسموح لهم التطور داخل فضاء يهودي.
اقتراحات تحققت
الخطة كتبت كما يبدو في نهاية العام 1978 وبداية العام 1979. وحسب ما يذكر الوزير اريئيل، تم نقلها الى رئيس قسم التخطيط في الجيش الاسرائيلي في حينه العميد ابراهام تمير. “نحن نعيش منذ ثلاث سنوات في المستوطنة القائمة في ميشور ادوميم”، كتب اريئيل. وقد قصد نواة المستوطنين التي عرضت على أنها معسكر عمل قرب المنطقة الصناعية في ميشور ادوميم، الذي بدأت اقامته في 1975. وحتى قبل اقامة معاليه ادوميم أ رسميا، اقترح اريئيل بناء “معاليه ادوميم ب” – كفار ادوميم. وهذه اقيمت في ايلول 1979.
اقتراحات اخرى قدمها اريئيل تحققت: توسيع وشق طرق (إن لم تكن جميعها) من اجل تقصير وقت السفر الى القدس، الاعلان عن وادي القلط محمية طبيعية. طبقا لحلم اريئيل حول “فضاء ادوميم”، مجال اختصاص معاليه ادوميم وحدها – بدون أي مستوطنة تابعة لها – هي 48 ألف دونم تقريبا (للمقارنة، مجال اختصاص تل ابيب هو 51 ألف دونم).
عدد من عائلات قبيلة الجهالين تم طردهم من اماكن سكنهم في 1977 و1980 لصالح مستوطنة معاليه ادوميم. في 1994 تم اصدار اوامر اخلاء ضد عشرات العائلات البدوية الاخرى. وتم تنفيذ طردهم في نهاية التسعينيات بمصادقة محكمة العدل العليا. ولكن آلاف البدو واغنامهم بقوا في المكان وإن كان ذلك في ظروف قاسية اكثر فأكثر. لأن مناطق الرماية، المستوطنات والشوارع، ضاءلت فضاء الرعي لهم وكذلك وصولهم الى المياه.
منذ بداية سنوات الألفين تخطط الادارة المدنية لاخلائهم وتجميعهم بالقوة في منطقة في بلدات ثابتة. في السنوات العشرة الاخيرة، جهات مثل جمعية “رغفيم” اليمينية واللجنة الفرعية لشؤون الاستيطان التابعة للجنة الخارجية والامن، تضغط من اجل اخلاء كل البدو من المنطقة عن طريق تنفيذ اوامر هدم للمباني السكنية البسيطة والحظائر. كفار ادوميم، المستوطنة التي اقامها اريئيل والتي يعيش فيها حتى الآن، كانت من بين الضاغطين الاساسيين من اجل هدم قرية الخان الاحمر والمدرسة المبنية فيها من الاطارات.
مخطط قديم
من المثير عرض اقتراح اريئيل من اربعين سنة على أنه مثال على التصميم الشخصي والسياسي، الذي يميز الكثير من نشطاء الصهيونية الدينية، والذي اصبح يمكن تطبيقه بعد فوز الليكود في انتخابات 1977. ولكن حكومة رابين الاولى هي التي قررت انشاء منطقة صناعية في الخان الاحمر تخدم القدس، والتي مساحتها هي 4500 دونم.
في العام 1975 قررت الحكومة أن تصادر من البلدات والقرى الفلسطينية في المنطقة مساحة كبيرة تبلغ 30 ألف دونم تقريبا، وبناء مستوطنة تحت غطاء معسكر عمل للمنطقة الصناعية. في البحث الذي كتبه نير شليف من جمعية “بمكوم” والذي نشر بصورة مشتركة مع “بتسيلم”، يشير الى أن شلومو كوهين الذي شغل منصب مدير لواء القدس في وزارة الاسكان عند اقامة معاليه ادوميم في 1975، قال إن هدف اقامتها “كان سياسيا… لقد كانت ضرورة لاغلاق مداخل القدس في وجه خطر من الاردن”. ولكن اذا كان الهدف سياسيا فمن الواضح أن نية كوهين لم تكن بسبب الخطر العسكري، بل التكاثر الطبيعي المرتبط بتوسيع البناء.
المخططات لاقامة معاليه ادوميم بدأت في فترة حكومة غولدا مئير. ولكن الوزير اسرائيل غليلي نصح مراسل صحيفة “دافار” حاغي ايشد، بأنه من الافضل أن لا تتعامل وسائل الاعلام مع هذا الموضوع “الساخن”، “لأن هذا الامر يمكنه أن يتسبب بالضرر”.
حكومة غولدا وحكومة رابين تعاملتا مع الاستيطان المستهدف كجزء من الفضاء الاداري للقدس. وفي ولاية حكومة رابين الثانية، في فترة اوسلو، تم طرد بدو من المنطقة، كروح اقتراح اريئيل. وبالاساس: في ظل حكومة غولدا اصدر غليلي وموشيه ديان في 1971 أمر عسكري رقم 418، الذي أدخل تغييرات كبيرة على جهاز التخطيط في الضفة الغربية. الامر صادر من المجالس المحلية الفلسطينية حقها في التخطيط والبناء.
ومثلما كتب في بحث آخر لجمعية “بمكوم”، هكذا أعد الاساس القانوني للفصل بين جهاز التخطيط البخيل والمقيد المخصص للفلسطينيين والجهاز السخي والمشجع للمستوطنين. جهاز التخطيط المشوه هذا رفض أن يضم التجمعات البدوية القديمة التي طردت من النقب بعد العام 1948 وسكنت في المنطقة قبل وقت طويل من اقامة المستوطنات.
نصيب الاسد في اقتراح اريئيل نجح لأنه خلية في سلسلة من المخططات والافكار التي وضعت قبل ذلك في فترة حكومة المعراخ، والتي تم تشجيعها عن طريق بنية تحتية بيروقراطية لانشاء مستوطنات كانت قائمة قبل العام 1948. الآن، في الحكومة التي فيها حزب اريئيل هو المسيطر بشكل كبير، فان الطرد العلني للفلسطينيين، بدون محاولة للاختباء، هو أمر ممكن، لكن “الحل” المتمثل بطرد فلسطينيين أو “اخلاء” بلهجة مخففة، ليس غريب على اسرائيل وليس اختراع للبيت اليهودي. طرد جماعي لفلسطينيين نفذ ليس فقط في 1948، بل بطرق خفية ومخبأة، عسكرية وبيروقراطية، من سنة 1967 وما بعدها عن طريق حكومات المعراخ والعمل.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف