بقلم: يوتم بيرغر
هآرتس 19/7/2018
بمحاذاة الشارع وعلى بعد عدة مئات من الأمتار عن مدخل قرية العيزرية الفلسطينية المجاورة لـ«معاليه أدوميم»، وضع مقاولون في الإدارة المدنية في الأيام الأخيرة كرفانات بيضاء. وقد وضعت على بعد عدة أمتار من الشارع الرئيسي الخارج من القرية، قرب محل لتفكيك السيارات، فوق خيام البدو الذين سبق وتم إخلاؤهم في السابق إلى المنطقة. المقاول الذي كان في الموقع لا يعرف على الإطلاق ما الذي يفعله، فعندما سمع بتوقع إخلاء سكان القرية البدوية الخان الأحمر إلى ذلك المكان ـ القريبة من معاليه أدوميم ـ تفاجأ قليلًا، وعندما سمع أن أحد المباني سيتم إخلاؤها هو مدرسة، فإن الأمور ظهرت سليمة في نظره «حقًا، هل سننشئ هنا صفوفًا؟»، قال. قرية الخان الأحمر موجودة على أراضي دولة، هكذا كان يمكن من ناحية قانونية تسوية أمرها، لكن إسرائيل امتنعت عن ذلك وهي تطلب إخلاء سكانها إلى الموقع الثابت الذي يدور الحديث عنه، المحاذي لقرية العيزرية. بعد نحو أسبوعين، في الأول من آب، ستناقش المحكمة العليا التماس سكان القرية الذي أدى إلى تجميد الهدم المخطط له للقرية، وفي هذا الالتماس قال السكان إن الدولة رفضت خطتهم لتسوية القرية دون البحث فيه مطلقًا.
الدولة تبجحت في السابق مرات عدة بأنها تساعد البدو في تخصيص أراض لهم، وثمة حقيقة ملتوية أكثر خلف هذا الادعاء: الأراضي الفارغة في الضفة الغربية أحد الموارد المطلوبة والمهمة جدًا هناك، وتقريبًا تعطى لليهود فقط، بينما يحصل عليها الفلسطينيون في حالات نادرة، وإذا ما حدث ذلك فبديل عن أراض أخرى أخذت منهم.
معطيات الإدارة المدنية التي وصلت للصحيفة تظهر عدة مرات كم هي الأراضي الفعلية التي خصصتها الدولة للفلسطينيين، ومنهم البدو من قرية الخان الأحمر، وعشرات آلاف الفلسطينيين الآخرين، وتكشف درجة التمييز التي توجد في سياسة إدارة أراضي الدولة في الضفة. منذ العام 1967م خصصت إسرائيل (1624) دونمًا للسكان الفلسطينيين في الضفة. وحسب تقديرات محافظة يدور الحديث عن (0.27) في المئة من التخصيصات في الضفة، في حين أن نصيب الفلسطينيين من سكان مناطق (ج) هو على الأقل (17.5) في المئة، وعلى الأكثر (45) في المئة. الرقم الدقيق للفلسطينيين في مناطق (ج) غير واضح، وهناك تقديرات متناقضة فيما يتعلق بعدد الفلسطينيين الذين يعيشون فيها.
من بين الـ (1624) دونمًا التي خصصت للفلسطينيين، هناك (630) دونمًا خصصت لتوطين القبائل البدوية. هذه حالات أخليت فيها قبائل بدوية أو أن هناك نية لإخلائهم من المناطق المجاورة للمستوطنات. (669) دونمًا تقريبًا خصصت لغاية تعويض نقل فلسطينيين من مناطق خصصت لتطوير المستوطنات، أما الباقي، (326) دونمًا، فخصصت للفلسطينيين لغايات أخرى.
المعطيات الجديدة تشمل فقط عدد الدونمات التي خصصت للفلسطينيين حتى الآن، لكن ليس فيها عدد محدث للدونمات التي خصصت للمستوطنات. المعطيات الأخيرة التي يمكن الوصول إليها هي معطيات محدثة من عام 2011م والتي طرحت على المحكمة اللوائية في القدس. ومنذ عام 2011م معروف أنه خصص المزيد من الأراضي الكثيرة للمستوطنات، لكن ليس معروفًا بالضبط كم هي مساحتها، أي أن نصيب الفلسطينيين من الأراضي عمليًا أقل من (0.27) في المئة.
حسب معطيات عام 2011م يوجد في الضفة الغربية نحو (1.3) مليون دونم من الأراضي التي أعلنت كأراضي دولة. حتى في تلك السنة خصصت الدولة أكثر من (600) ألف دونم من أراضي الدولة للمستوطنات، منها (400) ألف دونم للواء الاستيطان. وحسب هذه المعطيات فعن كل دونم خصص للفلسطينيين فقد خصص (370) دونمًا للمستوطنات. أكثر من (18) ألف دونم خصصت لأغراض الصناعة والتجارة في الضفة حتى عام 2011م، أي أكثر بـ (11) ضعفًا مما خصص للفلسطينيين حتى الآن.
مساحة أراضي الدولة الإجمالية وتلك التي خصصت منها لاستخدام المستوطنات عن طريق لواء الاستيطان أو بطرق أخرى، كانت قد كشفت خلال المحاكمة التي أدارها قبل بضع سنوات رجال «بمكوم» وجمعية حقوق المواطن. في حينه قالت الإدارة المدنية إن هذه المعطيات «ليست دقيقة». ويمكن أن يكون هناك تخفيض بعشرات النسب المئوية في مساحة الأراضي. في عام 2013م نشر في «هآرتس» أن الإدارة المدنية قالت إنها خصصت للفلسطينيين (8600) دونم في مناطق الضفة الغربية، وحسب وثيقة حرية المعلومات التي تم الحصول عليها الآن فالرقم أقل بكثير، وهو حوالي الخُمس.
فحص حذر أكثر للمعطيات الجديدة يظهر أن مساحة الأراضي التي خصصت للفلسطينيين هي أقل بكثير. (121) دونمًا خصصت للفلسطينيين قبل توقيع اتفاقات أوسلو في المناطق التي تسمى الآن مناطق (ب) حيث لا يوجد فيها إسرائيليون وتدار عمليًا من قبل السلطة الفلسطينية. وهكذا، فليس هناك معنى للقول إنه خصص للفلسطينيين أراض هناك، فالمسألة المهمة هي تخصيص أراض في مناطق (ج) التي توجد فيها كل المستوطنات وبضع عشرات من الفلسطينيين على الأقل.
حسب التقديرات التي استخدمها الوزير بينيت في خطته السياسية للعام 2014م، فإنه يعيش في مناطق (ج) نحو (70) ألف فلسطيني و(400) ألف مستوطن. وحسب معطيات أخرى فإن الرقم مضاعف. في «بتسيلم» و«بمكوم» قدروا عدد الفلسطينيين في مناطق (ج) بـ (180) ألفًا تقريبًا. أما «اوتشا»، منظمة تابعة للأمم المتحدة تعمل في الضفة، فقدرت عددهم في عام 2016م بـنحو (150) ألفًا تقريبًا، أما باقي الفلسطينيين فيعيشون في مناطق (أ) و (ب).
هذه المعطيات تكشف في أعقاب طلب حرية معلومات قدمته «السلام الآن» و«حركة حرية المعلومات»، ومن التحليل يتبين أن معظم التخصيصات للفلسطينيين، (نحو (53) في المئة منها)، نقلت قبل اتفاقات أوسلو في عام 1995م، وباقي الأراضي خصصت في الـ (23) سنة الأخيرة. وعلى سبيل المثال فإن (1.2) دونمًا خصصت لإنشاء بركة مياه في 1993م، و(1.5) دونمًا خصصت في 2012م لإنشاء محطة لجمع القمامة، وإن (4.25) دونمًا خصصت في 2010م لإنشاء عيادة، و(0.25) دونمًا خصصت في 2015م لإنشاء مبنى عيادة وإطفائية.
حسب أقوال نشيط في حقوق الإنسان، فإن سياسة تخصيص الأراضي لإسرائيل تتناقض بشكل مباشر مع ميثاق هاغ. في المادة (55) من الميثاق كتب «الدولة المحتلة تعتبر فقط وصية ومؤتمنة ومستخدمة للمباني العامة والعقارات الثابتة والغابات والمشاريع الزراعية التي تعود للدولة المعادية الموجودة في الدولة المحتلة. عليها الحفاظ على هذه الممتلكات وإدارتها حسب قواعد الاستخدام السليم». التمييز في تخصيص الأراضي، قال الوسطاء، هو خرق لهذه المادة.
«أكثر من (50) سنة والدولة تخصص أراضي في الضفة بصورة حصرية تقريبًا لحاجات الاستيطان، وبشكل كبير لا تخصصها لاستخدام السكان الفلسطينيين المحميين»، قال شفتي بندست رئيس طاقم متابعة الاستيطان في «السلام الآن».
وحسب أقواله: «الأراضي هي إحدى الموارد الهامة، وتخصيصها لاستخدام مجموعة سكانية واحدة فقط على حساب مجموعة سكانية أخرى هو أحد المميزات الواضحة للأبرتهايد. لحكومة إسرائيل إمكانية لتغيير التمييز العنصري من الغد، من خلال تأهيل وتسوية قرية الخان الأحمر البدوية التي توجد على أراضي دولة، ثم الوقف الفوري للطرد الزائد وغير القانوني».
المعطيات أعطيت بعد سنتين من طلبها في المرة الأولى؛ «كان من المفروض القيام بعمل سيزيفي من أجل الحصول على المعطيات، ذلك أن الطلب الأول للحصول على المعلومات قدم للإدارة المدنية في آذار 2006م»، قالت المحامية نوعا شليط من حركة «حرية الحصول على المعلومات»، وتابعت «المعلومات التي تم الحصول عليها لا تبرر استمرار العملية، وتباطؤ الإدارة المدنية الذي استمر سنتين وضع عقبات من أجل إنهاكنا، ولمنع نشر المعلومات». من الإدارة المدنية جاء رد على ذلك: «طلبات لتخصيص أراضي دولة تقدم بشكل روتيني من قبل إجمالي السكان، فلسطينيين وإسرائيليين. نؤكد أن عدد الطلبات التي قدمها السكان الفلسطينيين هو بشكل عام قليل جدًا. الإدارة المدنية تفحص كل طلب تخصيص يقدم لها بصورة مفصلة، وطبقًا لمعايير حددت في إجراءاتها وحسب توجيهات المستوى السياسي».

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف