الاستدارة الدراماتيكية الكاملة التي قامت بها ادارة ترامب بخصوص التهديد النووي الايراني الذي وصل ذروته في الاعلان عن الانسحاب الامريكي من اتفاق فيينا في ايار هذا العام زادت مجددا التوتر بين واشنطن وطهران. على خلفية تبادل التهديدات بين الدولتين والتقديرات بأن في نية الولايات المتحدة تشجيع خطوات لتغيير النظام الايراني، مرة اخرى يتم طرح سيناريوهات بشأن حرب اقليمية عتيدة تشرك ايضا حتى اسرائيل.
خطر ذلك يبدو الآن ضعيفا، لكن بالضبط بسبب ذلك من المهم فحص احداث بداية هذا العقد – التي هددت فيها حكومة نتنياهو بمهاجمة المواقع النووية في ايران وحثت ادارة اوباما لبدء خطوات قوية من العقوبات الاقتصادية الدولية، التي ادت في النهاية الى التوقيع على اتفاق فيينا في تموز 2016. د. دانييل سوبلمان الذي يعمل اليوم محاضر في قسم العلاقات الدولية في الجامعة العبرية بحث هذه الفترة في السنوات الاخيرة في عمله في اطار ما بعد الدكتوراة في جامعة هارفارد. في المقال الذي نشر في الاسبوع الماضي في مجلة “تكساس ناشيونال ريفيو” عرض سوبلمان (الذي كان في الماضي مراسل الشؤون العربية في هآرتس) استنتاجاته المستندة ايضا الى مقابلات مع شخصيات رفيعة اسرائيلية وامريكية كانت مشاركة في الاتصالات في الشأن الايراني في تلك السنوات ومنهم وزير الدفاع السابق ليئون بانتا ووزير الدفاع السابق اهود باراك ورئيس الموساد السابق تمير بردو.
سوبلمان الذي يركز على السنوات الاولى من العقد (2011 – 2012) يستعرض جهود اسرائيل لاقناع الولايات المتحدة بأنه يتم دراسة هجوم احادي الجانب بصورة جدية. وبهذه الطريقة تجعل امريكا تتخذ موقف اكثر تصلبا ضد ايران بصورة تخدم مصالح اسرائيل.
هل صحيح أن اسرائيل كانت تنوي مهاجمة ايران؟ سوبلمان ومثل مراسلين وباحثين طلب منهم الاجابة عن ذلك في السابق (واحد المشاركين انفسهم) لا يتوصل الى استنتاج قاطع. ولكن بعض المشاركين الذين اجرى معهم محادثات اعترفوا بأن الاستعدادات كانت جدية وأن الولايات المتحدة قامت بتتبع استخباري واسع لاسرائيل من اجل الوقوف على حقيقة نواياها.
بنيامين نتنياهو واهود باراك، كتب، اثاروا بصورة متعمدة فزع الحرب لتحسين قدرة المساومة امام الامريكيين الذين خافوا من حرب اقليمية تعرض مصالحهم للخطر.
الاثنان سعيا للحصول على تعهد امريكي صريح وصادق بمنع ايران من الوصول الى قدرة على انتاج سلاح نووي اكثر مما تعهدت به ادارة اوباما حتى ذلك الوقت. رغم تقارب سياسات ومصالح الدولتين إلا أنه لم يكن تطابق بخصوص ايران. في 2011 اجرت الادارة اتصالات سرية مع ايران بواسطة سلطنة عمان. اسرائيل سربت هذه الاتصالات بهدف التشويش عليها. “عرفنا ما يكفي من المعلومات عن الاتصالات غير المباشرة بين الامريكيين والايرانيين”، قال باراك لسوبلمان. “قلقت جدا من أن النغمة الامريكية غير واضحة بما يكفي لجعل الايرانيين يتخذون قرار”.
مجال الحصانة
التوتر بين الولايات المتحدة واسرائيل وصل ذروته طوال فترة استمرت سنة وانتهت في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني 2012 التي فاز فيها اوباما بولاية ثانية. نتنياهو وباراك تحدثا بصورة صريحة عن احتمال هجوم وباراك عرض نظرية “مجال الحصانة” التي بحسبها خلال اقل من سنة تستطيع ايران تحصين منشأة التخصيب النووي في فوردو بصورة تقلل اضرار الهجوم الاسرائيلي.
في واشنطن خشوا من أن اسرائيل تحاول جر الولايات المتحدة الى حرب. في الصحف الامريكية اقتبسوا شخصيات كبيرة في الادارة حذرت من انه ليس لديهم “رؤية كاملة” بخصوص التحضيرات الاسرائيلية لهجوم وانه لم يتم التوصل الى تفاهم فيه اسرائيل تتعهد بأن لا تقصف ايران دون التنسيق مع الولايات المتحدة. في البيت الابيض قلقوا بشكل خاص من احتمال هجوم انتقامي ايراني ضد القوات الامريكية في الشرق الاوسط اذا هاجمت اسرائيل.
الامريكيون اعتقدوا أن اسرائيل تستطيع التملص من وسائل متابعتهم وأن تضع امامهم حقائق منتهية. بانتا قال لسولبمان بأنه كانت للامريكيين مصادر جيدة لمعرفة اذا كانت اسرائيل تستعد لهجوم كهذا، “دولة دقيقة مثل اسرائيل كان يمكنها ايجاد سبل لاخفاء خطوة كهذه، لانهم كانوا يعرفون عن مصادرنا”. دان شبيرو سفير الولايات المتحدة في اسرائيل في حينه صادق: “كنا متأكدين من أنهم اذا لم يعطونا انذار، فلن يكون لدينا انذار مسبق. الاسرائيليون كانوا يستطيعون مفاجأتنا واعطائنا فقط انذار لمدة ساعة أو ساعتين قبل الهجوم”، واضاف بانتا بأنه استنتادا الى مهاجمة اسرائيل للمفاعل النووي العراقي في 1981 والمفاعل السوري في 2007 “الجميع ادركوا أن اسرائيل يمكنها العمل وحدها امام تهديد وجودي”.
في زيارة للبلاد في تشرين الاول 2011 طلب بانتا من اسرائيل انذار مسبق – ورفض. اوباما، بانتا وشخصيات كبيرة في الادارة حذروا اسرائيل من تداعيات شديدة لهجوم أحادي الجانب. وكالات استخبارات زادت متابعتها لنشاطات اسرائيل. حسب تقارير صحفية امريكية فان الادارة زادت التنصت على محادثات سرية في اسرائيل خلف ما يجري في مكتب رئيس الحكومة، وشخص حالات استعداد في قواعد سلاح الجو وحدد مسبقا ليالي لا يوجد فيها قمر يكون فيها خطر اكبر لهجوم اسرائيلي. خبراء سايبر امريكيون اخترقوا انظمة الطائرات القتالية والطائرات بدون طيار الاسرائيلية.
شبيرو ارسل برقية من تل ابيب ليتم نشرها بصورة موسعة في واشنطن وفيها حذر من أنه لا يستطيع أن يضمن انذار اسرائيلي مسبق بشأن الهجوم. في كانون الاول من تلك السنة حذر بانتا بشكل علني أن هجوم اسرائيلي سيؤدي الى مواجهة اقليمية “سنندم جميعنا عليه”.
في الوقت الذي خشيت فيه امريكا من الشرك. كتب سوبلمان، اسرائيل خافت من التخلي عنها. لقد حاولت ان تفرض على اوباما تعهد بالتصميم امام الايرانيين الى درجة وضع تهديد عسكري حقيقي امامهم. من خلال تقييد المرونة الامريكية. في البيت الابيض عارضوا ذلك. عدد من كبار الشخصيات السابقة في ادارة اوباما صادقوا في محادثات مع سوبلمان انه في الاشهر الاولى من 2012 ساد في واشنطن شعور بأن هجوم اسرائيلي ضد ايران قادم.
غاري سايمور من الشخصيات الرفيعة في الادارة قال انه “باستثناء نائب الرئيس جو بايدن الذي اعتقد ان هذه خدعة كبيرة. كل الشخصيات الرفيعة الاخرى ومن ضمنهم اوباما شعروا بضغط ازاء تهديد الهجوم الاسرائيلي”. ايضا اليوم يواصل باراك الحفاظ على الغموض. لقد قال لسوبلمان “إن جو هجوم مرتقب عكس استعدادات عسكرية حقيقية. الامريكيون تابعونا، كانوا يشاهدون ما فعلناه”، قال “نحن قمنا بالاستعداد”، حسب اقواله اسرائيل عملت على فرض أن امريكا تتابع استعداداتها.
باراك اعترف أنه اعطى اهمية لابعاد رؤساء الاذرع الامنية عن معرفة نواياه بخصوص الهجوم. رؤساء الاجهزة الامنية في اسرائيل عارضوا هجوم احادي الجانب ونتنياهو وباراك عرفا أن جزء منهم يتحدث مع نظرائهم الامريكيين كل يوم. رئيس الحكومة ووزير الدفاع، كتب سوبلمان، حافظ على السرية من اجل زيادة مصداقية التهديد بالهجوم. ايضا المحيطون بهما لم يعرفوا ما هي نواياهم الحقيقية. يعقوب مريدور، مستشار الامن القومي السابق، قال إنه اعتقد بأنهم “جديون ولا يخدعون”.
حسب تمير بردو كانت لديه شكوك طوال الوقت. “لكن عندما يقول رئيس الحكومة لي بأن استعد للعد التنازلي للهجوم، فأنت تعرف أنه لا يلعب. توجد لذلك تداعيات قوية. هذا ليس شيء يمكن القيام به فقط كتمرين”.
حتى ولا 24 ساعة
في بجاية 2012 اعلنت اسرائيل عن الغاء مناورة عسكرية مشتركة خطط للقيام بها مع الامريكيين. قال باراك لسوبلمان إن بانتا فهم أن اسرائيل جدية وطلب انذار مسبق لمدة اسبوعين على الهجوم. قلت له لا اسبوعين وحتى ليس 24 ساعة. ولكنني اكدت له اننا سنوفر انذار بحيث لا نعرض حياة جندي امريكي واحد للخطر في الشرق الاوسط.
سوبلمان تولد لديه انطباع ان باراك ارسل بصورة متعمدة رسائل مختلفة لجماعات مختلفة. للجمهور الاسرائيلي تم بيع ذريعة بأن المناورة الغيت بقرار مشترك مع الامريكيين لاعتبارات مالية. وباراك قال في مقابلة مع صوت الجيش إن هجوم اسرائيلي لايران هو احتمال “بعيد جدا”. الامريكيون في المقابل صدقوا التهديد الاسرائيلي. رئيس الاركان الامريكي ارسل في زيارة عاجلة لاسرائيل وبانتا قال في مقابلة مع “واشنطن بوست” بأن هناك احتمالية عالية لهجوم اسرائيلي حتى ربيع 2012.
رئيس الاستخبارات الامريكية “دي.ان.آي” في عهد اوباما، جيمس كلابر، قال لسوبلمان إنه حلل الخطوات الاسرائيلية كاندماج بين “قلق كبير ورغبة في الضغط علينا… لقد اعتقدت أن هذا حرب نفسية”. أي حرب نفسية هدفها خداع الادارة.
الامريكيون، كتب سوبلمان، لم يكونوا سلبيين في الرد على الضغوط الاسرائيلية. حسب سايمور “جزء كبير من استراتيجيتنا في تلك الفترة،كيف نوقف الاسرائيليين عن الهجوم. بدرجة ما هذا تحول الى هدف فوري اكثر من صد ايران”. رئيس الاركان الامريكي مارتن دامبتسي قال في حينه ان هجوم اسرائيلي على ايران سيضعضع استقرار المنطقة ومشكوك فيه أن يحقق اهدافه. بعد ذلك اضاف أن هجوم كهذا “سيعيق ولكنه لا يدمر المشروع النووي”.
السفير شبيرو يقول الآن ان الامريكيين زادوا من ارسال بعثات رفيعة المستوى الى اسرائيل من خلال افتراض أن زيارات كهذه تؤجل القرار الاسرائيلي. “هكذا انت تكسب ثلاثة اسابيع في كل مرة. كان هذا جزء من استراتيجيتنا”. سوبلمان يشير الى أن الامريكيين حاولوا ابراز الخلافات في الرأي في اسرائيل بخصوص الهجوم وان الرئيس اوباما شجع الرئيس في حينه شمعون بيرس على أن يظهر ثقة بالوعد الامريكي وبهذا التحفظ من الهجوم احادي الجانب.
التهديدات الاسرائيلية بالهجوم تلاشت في ايلول 2012 عندما اجتمع باراك مع شخصيات كبيرة في الادارة اثناء زيارة للولايات المتحدة واعلن بأنه لم يعد يؤيد هجوم غير منسق. هذه الخطوة لباراك لم يتم تنسيقها مع نتنياهو، لكن رئيس الحكومة نفسه في خطاب في ذلك الشهر في الجمعية العمومية للامم المتحدة (الذي تم تذكره طويلا بالاساس بسبب صورة القنبلة والخط الاحمر)، قال انه بقيت اشهر على وقف ايران. وبهذا اشار الى رفع احتمال الهجوم الفوري عن جدول الاعمال اليومي. في صيف 2013 الولايات المتحدة وايران كانتا اصبحتا مشاركتين في مفاوضات مكثفة قادت الى التوقيع على الاتفاق المرحلي في تلك السنة. بهذا تم رفع احتمال الهجوم الاسرائيلي عن الاجندة.
حسب سوبلمان فان الولايات المتحدة اخذت ما تريد من اسرائيل: سلاح الجو لم يهاجم واوباما لم يتعهد بأن يهاجم ايران بنفسه. ولكن كان للضغط الاسرائيلي تأثير هام آخر: سرعوا خطوات العقوبات الاقتصادية الدولية التي قادتها امريكا وأدت فيما بعد الى التوقيع على الاتفاق المرحلي وبعد ذلك التوقيع على الاتفاق النووي النهائي في فيينا بعد سنتين.
دنيس روس، من كبار شخصيات الادارة، كتب انه كان لاسرائيل تاثير كبير على المقاربة المصممة للبيت الابيض تجاه ايران في مجال العقوبات. نائب وزير الخارجية وليام برانس قال لسوبلمان ان ضغط اسرائيل سرع خطوات اوباما بسنة على الاقل تقريبا. حسب اقواله اوباما تحرك بوتيرة سريعة اكثر بسبب القلق من هجوم محتمل اسرائيلي”. الادارة نفسها استخدمت التهديد الاسرائيلي من اجل الضغط على روسيا والصين والاتحاد الاوروبي من اجل الانضمام الى العقوبات. “التهديد الاسرائيلي بالتاكيد ساعد” لخص غاري سايمور. سوبلمان لخص: في نهاية 2011 اسرائيل جعلت الولايات المتحدة عمدا تقدر ان هجوم اسرائيلي ضد ايران سيتم القيام به، وهذا سيناريو اقلق جدا الادارة.
واشنطن التي كانت غارقة في حربين في العراق وافغانستان خافت من التورط في حرب غير ضرورية اخرى. هنا بدأت المساومة الداخلية بين الحليفتين: اسرائيل نجحت في اقناع امريكا بتبني خطوات متشددة اكثر ضد ايران. ولكن حقيقة ان الهجوم الاسرائيلي لم ينفذ تدل ايضا على قدرة المساومة للدولة الاقوى من بين الدولتين.
البحث يقتبس للنهاية بانتا: “ليس هناك مثل هجوم عسكري من اجل لفت الانتباه. وهذا (استعداد اسرائيل للهجوم) زاد نشاطنا العسكري والدبلوماسي. لقد كانت جهود للضغط على ازرار اخرى من اجل رؤية هل يوجد حل دبلوماسي للتهديد”.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف