أشارت البيانات الرسمية التي قدمتها السلطات الإسرائيلية إلى أنه في السنوات الأخيرة لم تكن هناك نسبة كبيرة من اليهود الفرنسيين المهاجرين نحو إسرائيل.
بعبارة أخرى، لم تلبّ هذه الهجرة توقعات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خاصة إثر كلمته التي ألقاها في الكنيس الكبير في باريس في 11 كانون الثاني 2015.
تجدر الإشارة إلى أنه خلال كلمة ألقاها في الكنيس الكبير في باريس، شدد نتنياهو على ضرورة هجرة اليهود الفرنسيين إلى إسرائيل قائلا: "لديكم حق العيش في دولة حرة، وهي دولة إسرائيل، الدولة اليهودية الوحيدة. إن لديكم الحق في الشعور بالفخر عند باب النبي داود، في عاصمتنا الأبدية، القدس. وأي يهودي يرغب في الهجرة إلى إسرائيل سيُرحب به بأذرع مفتوحة وقلب محب".
وقبل أسبوع واحد من خطاب نتنياهو، كان مسلحون قد استهدفوا مقر الصحيفة السياسية الهزلية "شارلي إبدو" في باريس مخلفين 12 قتيلا.
وبعد يوم من إلقاء نتنياهو كلمته، قتل متطرف شرطية فرنسية، كما تم قتل أربعة مواطنين يهود في هجوم على متجر يهودي في باريس.
يرى بعض اليهود الفرنسيين أن المجتمعات اليهودية في فرنسا وأوروبا ما زالت ستمر بمحطات صعبة أخرى في المستقبل.
ومع ذلك، ما زالت الدائرة السابعة عشرة في باريس المليئة باليهود، تنبض بالحياة. في الواقع، انتقل العديد من اليهود من ضواحي باريس إلى المناطق المركزية في العاصمة الفرنسية، من أجل تجنب الاحتكاك مع جيرانهم في الأحياء ذات الأغلبية المسلمة.
بالإضافة إلى ذلك، تعج الدائرة السابعة عشرة في باريس بعدد كبير من المتاجر والمطاعم المتخصصة في بيع الأطعمة التي تخضع لقوانين الطعام المعمول بها في الشريعة اليهودية.
كما تضم هذه المنطقة، منذ أكثر من عقدين من الزمن، حوالى 15 معبدا يهودياً، وهو ما يدل على أن الطقوس الدينية ليست حكراً على اليهود في إسرائيل.
من ناحية أخرى، أكدت البيانات الصادرة عن الوكالة اليهودية، التي تشجع على الهجرة والاستيطان، أن أرقام اليهود الفرنسيين العائدين إلى إسرائيل لا تتطابق مع حجم التوقعات الإسرائيلية، خاصة بعد الهجمات الإرهابية التي استهدفت فرنسا وبقية الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية منذ بضع سنوات.
وفقا للبيانات الرسمية، شهدت هجرة اليهود الفرنسيين نحو إسرائيل على وجه الخصوص تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة.
في هذا الصدد، توقعت وزارة استيعاب المهاجرين الإسرائيلية أنه سيهاجر ما لا يقل عن 10 آلاف يهودي فرنسي إلى إسرائيل سنة 2015 إثر الهجوم الإرهابي في باريس.
لكن الأرقام خيبت هذه الآمال، حيث هاجر 6628 يهوديا فرنسيا فقط إلى إسرائيل، وهو رقم مماثل تقريبا لسنة 2014 حين بلغ عدد المهاجرين اليهود الفرنسيين في تلك السنة 6547 شخصا.
وخلال سنة 2016، شهدت هجرة اليهود الفرنسيين إلى إسرائيل تراجعا مدويا، حيث هاجر 4239 يهوديا فرنسيا إلى إسرائيل، أما خلال سنة 2017، فقد هاجر 3157 يهوديا فرنسيا فقط.
في المقابل، تحوم شائعات في إسرائيل حول أن العديد من الشباب الإسرائيليين يهاجرون إلى أوروبا والولايات المتحدة، وخاصة مدن نيويورك وبرلين، فضلا عن لندن وباريس.
وعموما، كشفت البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة استيعاب المهاجرين أن عدد اليهود الوافدين إلى الأراضي الإسرائيلية أعلى من عدد اليهود المهاجرين إلى الخارج.
يرتبط تاريخ فرنسا بشكل وثيق بمعاداة السامية، خاصة خلال فترة الثلاثينيات وخلال الحرب العالمية الثانية.
ومؤخرا، بات اليهود الفرنسيون يتحدثون عما وصفوه "بمعاداة السامية الجديدة"، الذي يحمل اتهاما ضمنيا للأقلية المسلمة في فرنسا، حيث يعيش حوالى خمسة ملايين مسلم ونحو نصف مليون يهودي.
والجدير بالذكر أن تفشي معاداة السامية مرتبط بشكل وثيق بتدهور الوضع في الشرق الأوسط. فعندما يرتفع عدد القتلى في صفوف الفلسطينيين ترتفع الهجمات ضد اليهود في فرنسا وأوروبا بشكل عام.
مع ذلك، يعمد اليهود في إسرائيل وفي بقية دول العالم إلى تجاهل هذه العلاقة على الرغم من وضوحها الشديد.
في هذا السياق، اشتكت فتاة يهودية شابة تعيش في باريس مؤخراً من أن بعض المسلمين أحيانا يبصقون على الأرض عندما يرون نجمة داود على رقبتها.
ومن المفارقات أن هذه الحركة تحدث بشكل متكرر للغاية في القدس ولكن في الاتجاه المعاكس، حيث عادة ما يبصق اليهود المتدينون عند رؤية الرهبان الفرنسيسكان، بما أن السلطات الإسرائيلية لا تتخذ أي إجراءات لمكافحة هذه الظاهرة.
من جهته، أكد جويل سامون، وهو فرنسي من مدينة تروا وأب لأربعة أطفال ويعمل ممرضا، أنه فكر جديا في الهجرة إلى إسرائيل بعد سماع خطاب نتنياهو في الكنيس الكبير في باريس، حيث باشر في إعداد الإجراءات الأولية للسفر، ولكنه قرر العودة إلى فرنسا بعد الصعوبات التي واجهها في العثور على وظيفة في إسرائيل، مشيرا إلى أنه من الممكن أن يستقر في إسرائيل عندما يتقاعد.
علاوة على ذلك، أمضى عديد المهاجرين من اليهود الفرنسيين، الذين أُدرجت أسماؤهم في الإحصاءات، فترة قصيرة في إسرائيل.
ولم يستطع الكثيرون من هؤلاء المهاجرين التأقلم في المجتمع الإسرائيلي، كما لم تكن مسألة العثور على عمل سهلة مثل ما يحدث في فرنسا، وهو ما جعلهم يقررون العودة إلى بلدهم الأوروبي بعد سنة أو سنتين على أقصى تقدير.
كما أكد بعض الشباب من اليهود الفرنسيين أنهم حاولوا العودة إلى إسرائيل، لكنهم فشلوا في التغلب على عديد العقبات على غرار اللغة والعقلية.
بالإضافة إلى ذلك، اشتكى البعض الآخر من مسألة صعوبة عثور الشباب، الذي لم يلتحق بالجيش، على وظيفة. وببساطة، لا يبدو من الممكن مقارنة دولة الرفاهية السائدة في فرنسا بدولة إسرائيل.
______________________
إيوغينيو غارسيا غاسكون*
عن "البوبليكو" الإسبانية
*كاتب وصحافي إسباني مختص في قضايا الشرق الأوسط.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف