المنطقة الصناعية بركان، حيث وقعت، أول من أمس، العملية الرهيبة، ليست مكاناً خاصاً إلى هذا الحد، ففي "يهودا" و"السامرة" يعيش الواحد إلى جانب الآخر، يهوداً وعرباً، يلتقون بعضهم بعضاً في جملة من المناسبات: في السفر في الباص، في المشتريات في السوبرماركتات وكذا غير مرة في أماكن العمل.
لا يوجد جدار فصل بين اليهود والعرب في "يهودا" و"السامرة"، ولا يمكن أن يكون جدار كهذا. والعيش الواحد إلى جانب الآخر هو الأمر الاعتيادي في المنطقة منذ قرابة يوبيل من السنين وليس في ذلك أي شيء شاذ، مدهش أو غريب. هكذا هو الحال.
حياة الفئتين السكانيتين المتعاديتين الواحدة إلى جانب الأخرى من شأنها أن تضلل، ففي وسعها أن تدفع الناس محبي الخير ليقعوا في تصورات خاطئة منقطعة عن الواقع عن "التعايش" بين اليهود والعرب في ظل احترام متبادل وتعاون.
فالحياة اليومية تخلق وهما، إذ إن أحداً ليس بقادر على أن ينظر إلى الإنسان الذي يجلس إلى جانبه في الباص في نهاية يوم عمل أو إلى ذاك الذي يقف أمامه في الطابور في السوبرماركت، فيتخيل عدوا.
الاحساس البسيط هو إحساس تجربة إنسانية مشتركة مُقربة ورابطة للقلوب، كل هذا صحيح بأضعاف حين يدور الحديث عن رفاق في العمل، يتواجدون الواحد إلى جانب الآخر لساعات طويلة وينمون على نحو محتم علاقات ود على خلفية شخصية.
ولكن هذا وهم خطير. لا توجد هنا فقط فئتان سكانيتان تعيشان الواحدة إلى جانب الأخرى.
ما يعتمر تحت السطح في كل لحظة، في كل دقيقة، هي الحرب. قد يبدو هذا قولاً بعيد الأثر، ولكن من يكون مستعداً لينظر إلى الواقع بعيون مفتوحة يفهم بأن هذا وصف حقيقي.
منذ قرابة 150 سنة، منذ بدء عودة صهيون الحديثة إلى "بلاد إسرائيل"، تجري هنا حرب حياة أو موت على البلاد.
وعلى مدى كل هذه المدة كان دوما من تبنى فكرا متفائلا، آمن بكل قلبه بإمكانية التعايش الحقيقي، فوهم إمكانية التعايش ليس مسألة سياسية بالضرورة، فهو منتشر في اليمين مثلما هو منتشر في اليسار أيضا، ببساطة لأنه ساحر، أما الواقع فيشهد على أنه في لحظة الاختبار فإنه يتبدد دوماً.
إن القتل الرهيب في المصنع في بركان هو دعوة لصحوة من الأوهام التي نرويها لأنفسنا.
ما يوجد هنا هو صراع عنيد، لن يكون هؤلاء ضحاياه الأخيرين. فالأوهام لن توصلنا إلى أي مكان، بل وحده الاعتراف بالحاجة إلى الاستمرار والكفاح في سبيل حق الشعب اليهودي لأن يعيش في البلاد.
عندما نفهم أن هذا هو الوضع، سنفهم أن الصراع يجب أن يدار مثلما يدار الصراع: بيد من حديد، في ظل خلق ردع، في ظل استهداف واضح للعدو، وبلا أخيلة عن حلول سحرية من الحب، الأخوة، والتعايش، الآن.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف