مركز أطلس
بعد أن نجح راسمو السياسة الإسرائيلية في ابتلاع أكثر من نصف أراضي الضفة الغربية، بحيث أصبحت فكرة الدولة الفلسطينية أمرًا متعذرًا بحكم الواقع الاستيطاني الممتد على طول مساحة الضفة، وفصل شمالها عن جنوبها عن وسطها؛ تأتي فكرة الحل الكونفدرالي للخداع والتحايل لحل المعضلة المتبقية: معضلة العنصر الديمغرافي للفلسطينيين الباحثين عن استقلال. مقترح الاتحاد الكونفدرالي يعتمد بالأساس على المسار الإسرائيلي - كما يقول تسيفي برئيل من "هآرتس" - الذي يعرض إلحاق ما تبقى من الضفة المحتلة (بدون القدس) تحت الوصاية الأمنية الأردنية، بحيث يكون الأردن مسؤولًا عن حماية الحدود بين إسرائيل وبين الكونفدرالية، ويقضي التصور الإسرائيلي المذكور بأن قطاع غزة لن يكون جزءًا من الكونفدرالية.
"فكرة الكونفيدرالية ليس شيئًا جديدًا" كتبت سيما كدمون في "يديعوت"، فمن كتب عنها لأول مرة هو اللواء احتياط غيورا آيلاند في كانون الثاني 2010؛ بحث كُتب لمركز بيغن - السادات للبحوث الاستراتيجية في جامعة "بار ايلان" تحت عنوان "بدائل إقليمية لفكرة دولتين للشعبين". "الحل الأول المقترح هنا" كتب آيلاند "هو إقامة مملكة أردنية فيدرالية، ولها ثلاث دول: الضفة الشرقية، الضفة الغربية وغزة. هذه الدول (أو الولايات بالمفهوم الأمريكي) ستكون مثل بنسلفانيا أو نيوجيرسي، ستكون لها استقلالية كاملة في الشؤون الداخلية، وستكون لها ميزانية، مؤسسات حكم، قوانين خاصة، شرطة وباقي رموز الاستقلال، ولكن مثل بنسلفانيا ونيوجيرسي لن تكون لها مسؤوليات في موضوعيْن: السياسة الخارجية وقوات الجيش. هذان المجالان (كما في الولايات المتحدة) سيبقيان بمسؤولية الإدارة الفيدرالية في عمان".
يعتقد آيلاند بأن هذا الحل أفضل للفلسطينيين، للأردن ولإسرائيل، من حل الدولتين للشعبين؛ فالفضائل للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة ولا يؤيدون حماس واضحة، فلسطينيون كثر ممّن يريدون أن يروا نهاية للاحتلال الإسرائيلي سيفضلون هذا الحل الذي يحقق ذات التطلع على انتظار السلام الإسرائيلي - الفلسطيني المشكوك بأن يأتي قريبًا. ويوضح آيلاند "يفهم أولئك الأشخاص بأنه إذا ما أقيمت دولة فلسطينية مستقلة تمامًا، فستسيطر عليها حماس. ويفضل الكثيرون منهم العيش تحت الحكم الأردني على أن يعانوا من الطغيان الديني لحماس مثلما يحصل في غزة".
ويواصل آيلاند بالقول "تحقيق حق العودة، والموافقة على نهاية النزاع وما شابه؛ سيكون من الأسهل بكثير اقتسام هذا العبء العاطفي مع جهة سياسية عربية مثل الأردن"، يفهم الفلسطينيون أيضًا - كما يدعي - بأن بديل الدولتين للشعبين سيجعلهم مواطني دولة صغيرة جدًا، غير قابلة للعيش، وستكون لها قيود قاسية في كل الموضوع الأمني، "من الأفضل أن يكون الناس مواطنين متساويين في دولة محترمة وكبيرة يكونون فيها هم، الفلسطينيون، الأغلبية الديمقراطية" كما يشرح.
وعلى حد قول آيلاند، في الأردن يفهمون جيدًا بأنه إذا قامت دولة فلسطينية مستقبلة في الضفة، فإنها ستقع في يد حماس، مثلما حصل في غزة؛ وضع يكون فيه في دولة مجاورة حكم للإخوان المسلمين، وبالنظر للحدود الطويلة بين الدولتين والتهديد الموجود منذ الآن من جانب الاخوان المسلمين في الأردن؛ معناه بداية النهاية للمملكة الهاشمية. ويكمل آيلاند قائلًا "في الشرق الأوسط، فإن الطريق الوحيد لضمان بقاء الحكم هو السيطرة الأمنية الناجعة، وبالتالي فإن الطريق لمنع الاضطراب في الأردن - والذي يغذيه حكم حماس المستقبلي في الضفة - هو السيطرة العسكرية الأردنية في هذه المنطقة".
وعن مزايا الحل لإسرائيل، فلم يعد الحديث يدور عن شعب فلسطيني تحت الاحتلال، بل عن نزاع إقليمي بين دولتيْن: إسرائيل والأردن. الضغط الدولي الموجود اليوم على إسرائيل للتنازل في كل أمر سيتغير، كذلك يمكن للأردن أن يكون أكثر تنازلًا في بعض المواضيع، كالموضوع الإقليمي مثلًا".
ويقول آيلاند بأن كل هذا ساري المفعول في كل ما يتعلق بالتركيبات الأمنية، فإسرائيل ستطالب بتجريد الضفة الغربية، "في حالة الدولة الفلسطينية، يدور الحديث عن تجنيد كل الدولة من السلاح الثقيل؛ هذا مطلب من الصعب على شعب ما ينشد الحصول على الاستقلال أن يقبل به. أما عند الحديث عن اتفاق بين إسرائيل والأردن، فالمطلب يبدو معقولًا اكثر، كل ما هو مطلوب هو التخلص عن انتشار القوات في منطقة معينة (الضفة الغربية)، هذا مطلب سيبدو للأردنيين معقولًا بالضبط مثلما قبلت مصر في حينه المطلب الإسرائيلي، ووافقت على ألا ينشر في مقدمة سيناء قوات جيش ذات مغزى".
ويعتقد آيلاند بأن الفضل الأكبر هو موضوع الثقة، في حالة حل الدولتين ستكون إسرائيل مطالبة بالتنازل عن ذخائر ملموسة مقابل وعد فلسطيني بالحفاظ على الهدوء الأمني، لإسرائيل أسباب وجيهة للتخوف من وضع الخسارة المزدوجة: أن نتنازل عن كل المنطقة، وفي ذات الوقت لا تحصل على الأمن، والمخاطرة في ألا يكون الحكم الفلسطيني قادرًا أو راغبًا في توفير البضاعة تبدو كبير وملموسة؛ وهذا يختلف عند الحديث عن اتفاق سلام إسرائيلي - أردني. إسرائيل مطالبة بان تأخذ مخاطر، ولكن هذه تشبه المخاطر التي أخذتها على عاتقها في 1979، حين وقعت على اتفاق سلام مع مصر وتنازلت عن كل سيناء.
آيلاند على وعي بأن لإسرائيل أسباب للتخوف من دولة فلسطينية مستقلة، وذلك أيضًا لأن ضعفها البنيوي سيخلق عبئًا آخر على إسرائيل، "فكل مشاكل الدولة المستقبلية، مثل انعدام البنية التحتية، النقص في أماكن العمل، الانقسام بين الضفة وقطاع غزة؛ ستقع على كاهل إسرائيل. كما أن الأسرة الدولية تشير إلى أن من واجب إسرائيل أن تساعد الدولة الجديدة، وهذه ستكون مصلحة إسرائيلية أيضًا. اليأس، الفقر والإحباط في الدولة الفلسطينية ستبث بشكل سلبي علينا أيضًا، ولن يكون الحال كذلك في حال كانت الضفة جزءًا من المملكة الأردنية الكبرى".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف