في شباط 2018 قام وزير خارجية عمان يوسف بن علوي بزيارة رسمية أولى للسلطة الفلسطينية، وبزيارة غير رسمية في اسرائيل. الزيارة لاسرائيل اعتبرت زيارة دينية في المسجد الاقصى، ووسائل الاعلام لم تلاحظه. مع ذلك، الاقوال التي قالها في رام الله كانت مدهشة وذهبت بعيدا حتى أبعد من تصريحات السلام المؤثرة في حينه للرئيس المصري أنور السادات والملك حسين.
قبل حوالي سنتين دعيت مع مجموعة دولية صغيرة من قبل سلطان عمان، قابوس بن سعيد، لزيارة بلاده. هو الحاكم الاقدم في العالم الاسلامي، وقيل لي بأنني أول من هبط على ارض عمان بجواز سفر اسرائيلي منذ اندلاع الانتفاضة الثانية. منذ ذلك الحين ظهرت اشارات أولية لتغيير في سياسة عمان، زيارة وزير الخارجية في شهر شباط عززها.
وزير الخارجية العماني لم يقم بادانة الاحتلال ولم يذكر حدود 1967 أو حق العودة، وإن كان من الواضح أن تأييده لاقامة دولة فلسطينية معناه انسحاب اسرائيل منها. وهو لم يقم بادانة الولايات المتحدة ايضا على نقل السفارة الى القدس ولم يطالب بعاصمة فلسطينية في القدس. ما قاله إبن علي حقا هو أن “الحاجة الى اقامة دولة فلسطينية اليوم تشبه الحاجة التي استشعرت في حينه لاقامة دولة اسرائيل بعد الحرب العالمية الاولى والثانية”. في حينه “كان هناك رغبة دولية لاقامة اسرائيل”، حسب اقواله مثلما هي اليوم “اقامة دولة فلسطينية اصبحت حاجة استراتيجية لكل العالم”. هذا في الوقت الذي شريكنا في السلام، محمود عباس، ينكر حق اسرائيل في الوجود، التي حسب رأيه ليست سوى نتاج للامبريالية الغربية، ويطلب من بريطانيا الاعتذار عن تصريح بلفور.
لماذا وافق السلطان الآن على زيارة رسمية لرئيس حكومة اسرائيل (قبل اسبوعين ونصف)؟ عُمان تستخرج حوالي مليون برميل من النفط يوميا، وكمية من الغاز لها دخل مشابه. هذا ليس بالكثير، لكن بسبب العدد المتواضع للسكان (3 ملايين نسمة، و1.5 مليون عامل اجنبي، الذين يعيشون على مساحة اكبر بـ 12 ضعف من مساحة اسرائيل)، وبسبب قلة الفساد في الدولة وبسبب السياسة الاقتصادية الحذرة، فقد علمت أن المواطنين يتمتعون بمستوى حياة جيد. هذا ما سمعته وما رأيته في عُمان، بما في ذلك من شخص عادي في الشارع، ومن رجال الحراسة في بيت الضيافة الرسمي.
الطعام والكهرباء والوقود، كل ذلك مدعوم، العلاج الطبي مجاني، شقة من ثلاث غرف بمستوى اسرائيلي متوسط هي في متناول زوجين شابين في ضواحي العاصمة مسقط. وأكثر من ذلك في مدن الدولة الصغيرة، لأن الارض تعطى بالمجان تقريبا، والعمل (اجنبي في معظمه) رخيص جدا.
أجر العمال الاجانب منخفضة، ولكن النظرة اليه هي افضل من معظم دول النفط. الاستقرار السياسي ينبع ايضا من جيش صغير واجهزة أمن فعالة: كل معارضة تواجه بمعاملة متشددة. مع ذلك، رافقنا طوال الوقت الشعور بأن الاستقرار لا يرتكز على ارض صلبة، بل هو نتيجة سلوك حذر وحفاظ على التوازن.
التهديد الداخلي الاساسي للاستقرار هو تنوع السكان والوضع الصحي المتدهور للسلطان. لا يوجد وريث له، وحتى أنه نشر تعليمات مفصلة (معقدة جدا) عن كيفية ضمان النقل السلس للحكم بعد وفاته، ليس هناك ثقة بأن ما يبدو كاتفاق مستقر بين المجموعات السكانية، العرقية والدينية، لن يتحطم. الخوف من اختفائه عن الساحة يجسد شعبية قابوس، صحيح أنه يوجد برلمان، لكنه هو الحاكم الوحيد. هناك شكاوى، لكن غياب معارضة عنيفة يدل على أن معظم الجمهور يوافق عليه لأنهم يشعرون أنه بدونه سيكون هناك تدهور.
الاستقرار ايضا ينبع من أن عمان محايدة في كل نزاعات العالم العربي والاسلامي. تقريبا كل العمانيين هم من المسلمين. ولكن غالبيتهم الحاسمة ليسوا من السنة أو الشيعة، بل أباضيون، وهي صورة مدهشة للطائفة الخارجية المتطرفة من القرن السابع. اليوم هم من بين الطوائف الاسلامية المعتدلة جدا. مكانة المرأة جيدة نسبيا، في كل فندق يمكن الحصول على الكحول، مسجد السلطان جميل ومفتوح أمام الزوار، وقد رأيت عشرات طلاب الدين في مدرسة مجاورة، ولكن في وقت صلاة الظهر لم يحضر الكثير من المصلين الى المسجد. قابوس يحظى بعلاقة جيدة مع العالم الاسلامي، ويقوم بدور الوسيط. اهتمامه بتهدئة النزاعات ينبع من المكانة الرفيعة التي يمنحها هذا الدور. ولكن ايضا لأن هزة اقليمية كبيرة – مواجهة بين السعودية وايران أو بين امريكا وايران – من شأنها ابتلاع سفينته التي تبحر الآن في مياه هادئة.
السلطان يحاول تشجيع اتفاق يهديء قوة اللهب في الازمة بين اسرائيل والفلسطينيين، ووساطة بدون محادثات مباشرة ليست وساطة. لذلك قبل زيارة بنيامين نتنياهو في عُمان، قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة الى عمان. في دائرة أوسع فان ارسال وزير الخارجية العماني في شهر شباط وزيارة رئيس الحكومة الاسرائيلي مؤخرا استهدف المصالحة بين السلطة الفلسطينية والادارة الامريكية.
عمان تستطيع مساعدة ترامب بالتحديد لأنها بعيدة عن النزاع. لذلك، السلطان يمكنه ايضا أن يعرض على محمود عباس أفكار لن يكون رئيس السلطة مستعدا لسماعها من أي جهة اخرى. مساعدة ترامب مهمة لأنه يستطيع أن يقدم لعمان ضمانات أمنية امريكية.
المواجهة الامريكية الايرانية ارتفعت درجة، وفي الاسبوع الماضي تم تطبيق المرحلة الجديدة من العقوبات الاقتصادية. بسبب علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع ايران فان عُمان معرضة لخطوات رد امريكية. لذلك من المهم للسلطان أن يجسد لترامب الفائدة التي تستطيع عُمان أن تجلبها لادارته في السياق الاسرائيلي الفلسطيني. اذا كان السلطان يحاول، كما جاء في وسائل الاعلام، التوسط بين الولايات المتحدة واسرائيل وبين ايران، فليس لذلك فرصة الآن، وهو يعرف ذلك. ولكن ستكون أهمية لهذا العرض في اللحظة التي يتغير فيها شيء ما في الولايات المتحدة، في ايران أو لدى الطرفين.
من شبه المؤكد أن السلطان لن يدفع أي ثمن بسبب زيارة نتنياهو في بلاده. لقد تولد لدي انطباع اثناء زيارتي بأن سيطرته شبه مطلقة أو مطلقة. ايران غير راضية عن هذه الزيارة، لكنها بحاجة الى عمان. في العالم العربي يهاجم من قبل اسلاميين ومثقفين متطرفين، وليس من قبل الانظمة. كان هناك كما يبدو تنسيق مسبق بهذا الشأن مع دول الخليج.
احتمالية أن وساطة عُمان ستحرك العملية السياسية، ضعيفة، ولكن حتى لو فشلت فان هذه الخطوة لقابوس تكون قد ساعدت أمن بلاده. ربما ايضا أن التعاون التكنولوجي والاستخباري مع اسرائيل سيساعد عُمان، وفي المقابل، ستنشأ علاقات تجارية. الزيارة عملت على تحسين مكانة نتنياهو وتقليل مكانة عباس. وهي ايضا شجعت خطوات مشابهة في دول اخرى، وهذا المنحى سيستمر. ربما أن هذا الامر سيخفض سقف التوقعات الفلسطينية. إلا أن هذا الهدف ربما لا يمكن مطلقا تحقيقه.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف