حكومة نتنياهو هي حكومة "يسارية" وحمائمية جدا، يدعي ليبرمان وبينيت. فحكم اليمين الحقيقي يجب أن يعمل بشكل قتالي أكثر. ولكن في حقيقة الأمر، رئيس الوزراء لم يمل إلى اليسار، وبالتأكيد ليس في اتجاه السلام. فمهم لنتنياهو أكثر من أي شيء آخر أن يبقي الضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيلية، إثر مواجهات على الجدار أو طعن هنا وهناك. من الطائرات الورقية تعلمنا بأنه لا يوجد فصل تام بين إسرائيل وغزة، كما لا يوجد من يستطيع القضاء على حكم حماس دون احتلال القطاع. فالسبيل الوحيد لهدوء طويل المدى يمر في المقاطعة، في الحوار السياسي مع قيادة السلطة الفلسطينية. ولهذا فإن نتنياهو يرفض.
إن المفاوضات التي يخوضها نتنياهو مع حماس ليست خطوة حمائمية تجاه شريك جديد لحوار سياسي. بل العكس، هذه خطوة صقرية تلمح لحماس: نحن نرى استعراضات القوة ونفهم اللغة جيدا، ليس لنا مصلحة في حوار آخر.
كل الخطوات التي اتخذها نتنياهو في العقد الأخير، ولا سيما تلك التي لم يتخذها، تشهد على رغبته في إضعاف الشريك الأكثر اعتدالا – السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس – وتقويض نفوذها المحدود في غزة. عندما أقام محمود عباس حكومة مصالحة مع حماس، شجب نتنياهو التعاون مع منظمة الإرهاب.
بعد أن حلت حكومة الوحدة، ادعى بأن عباس لا يمثل كل الفلسطينيين. من ناحية نتنياهو، فإن التعاون بين عباس وحماس يتناقض والسياسة غير المعلنة لإسرائيل: تخليد الفصل بين غزة والضفة. فاذا حكمت السلطة الفلسطينية في غزة، فسيرى الجميع بأنه يوجد كيان فلسطيني واحد. والضغط الدولي لإنهاء الجمود السياسي سيزداد، وسيحشر نتنياهو في الزاوية.
وبالتالي فإن نتنياهو يبقي عباس على نار هادئة وإسرائيل تواصل التعاون الأمني مع قواته. وهكذا يتمتع معظم مواطني إسرائيل بهدوء أمني نسبي، بينما يمكن لمشروع الاستيطان أن يتواصل دون عوائق. لقد نفذ العمليات الإرهابية في السنوات الاخيرة أفراد عملوا خلف الخط الأخضر، حيث يصعب إحباطهم. هذا الثمن الدموي، من ناحية نتنياهو وقيادة المستوطنين، معقول دفعه من أجل المزيد من البؤر الاستيطانية. عمليا، يمكن حتى استخدام الإرهاب لتبرير المزيد من البناء؛ "رد صهيوني مناسب"، يسمون هذا في اليمين.
ومثلما يصمد نتنياهو أمام الانتقاد على الوضع الأمني، يعرف بأنه سيصمد أيضا أمام الانتقاد الذي سيثور بعد حملة عسكرية كثيرة الخسائر والإصابات. ولكن إذا ما نشبت لا سمح الله مفاوضات سياسية تشمل البحث في القدس وإخلاء المستوطنات، فإنه لن يصمد أمام ذلك.
لا يمكن حل النزاع بوسائل عسكرية، ومحظور إعطاء إنجازات سياسية لعدو عنيف. ليس اليسار وحده يدعي ذلك. فحتى كبار رجالات جهاز الأمن في الماضي وفي الحاضر يقولون أن الأمن الحقيقي لن يتحقق إلا في اتفاق مع الفلسطينيين. أما الثمن في التنازل عن حلم بلاد إسرائيل الكاملة، فإن "سيد الأمن" يخاف أن يدفعها.
*المديرة العامة للسلام الآن

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف