نشاطات الجيش الإسرائيلي على حدود لبنان ـ التي وصفت بسخرية معينة كعملية هندسية دفاعية أهميتها قليلة ـ تصل الآن إلى المرحلة الأكثر حساسية لها. بعد بضعة أيام من الإرباك يبدو أن الحكومة اللبنانية بدأت تبلور سياسة رد على العملية الإسرائيلية. في الأماكن التي تحفر فيها قوات الجيش الإسرائيلي قرب الحدود تقف أمامها الآن دوريات من الجيش اللبناني. وبشكل خاص يزداد التوتر ـ ومعه إمكانية حدوث خطأ يمكن أن يتطور إلى حادثة ـ في الأماكن التي يعمل فيها الجيش الإسرائيلي داخل «الجيوب». هذه مناطق توجد شمال الجدار الحدودي، لكن إسرائيل تدعي السيادة عليها استناداً لما قررته الأمم المتحدة.
في هذه المواقع لا يفصل أي جدار أو سور بين القوات الإسرائيلية واللبنانية. في عدد من المواقع وضع الجيش الإسرائيلي أسلاكاً شائكة لتحديد الموقع الدقيق للحدود. ولكن الصور التي تنشر من الجانب اللبناني، مثلاً من قرية «ميس الجبل» تتحدث عن القصة الرئيسية للأيام الأخيرة. جنود الجيش اللبناني يظهرون فيها وهم مزودون بالبنادق والصواريخ المضادة للدبابات، في الوقت الذي تعمل جرافة إسرائيلية في الجانب الآخر من وراء الصخور.
عندما ينظر الطرفان الواحد إلى الآخر من مسافة قريبة، مزودين بأسلحة موجهة للطرف الآخر من الحدود، تحاول قوات اليونفيل تشكيل حاجز بين الإسرائيليين واللبنانيين (مقاتلو حزب الله كما يبدو يراقبون عن كثب). هنا وصفة لانفجار محتمل.
الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى إدارة العمليات بحذر شديد حتى لا يؤدي الأمر إلى حادثة غير مرغوب فيها.
الأعصاب مشدودة جداً؛ يكفي وجود جندي لبناني متوتر من أجل إشعال النار التي سيكون صعباً فيما بعد إطفاؤها.
تذكير قصير للتاريخ: إسرائيل انسحبت في أيار 2000 من جنوب لبنان، ووقفت عند «الخط الأزرق»، عند الحدود الدولية التي اعترفت بها الأمم المتحدة، والخبراء فيها علموها على الأرض. ولكن في عدد من المواقع على طول الحدود أقيم جدار، على الاغلب لأسباب هندسية، من جنوب الخط الأزرق بصورة أبقت جيوباً تقع تحت سيادة إسرائيل شمال الجدار.
حدث صغير قد يشعل المنطقة
بعد حرب لبنان الثانية في 2006، بدأت إسرائيل في التمسك بوجود حضور إسرائيلي في هذه الجيوب بواسطة دوريات أجريت فيها بين الفينة والأخرى. حكومة لبنان تعترف مبدئياً بخط الأمم المتحدة، لكنها تتحفظ فيما يتعلق بالـ 13 نقطة خلاف على طول الحدود. الخلاف بين الطرفين اشتد في السنة الأخيرة لأن إسرائيل بدأت بإقامة جدار لمنع التسلل من فوق الأرض في منطقتين مختلف عليهما، بين المنارة ومسغاف عام وشرق الناقورة.
في الماضي حدثت عدة أحداث حول نشاطات إسرائيلية في الجيوب. في 2007 حدث تبادل إطلاق نار بين قوة إسرائيلية وناقلة جنود مدرعة للجيش اللبناني عندما صممت إسرائيل على البدء بوضع حقائق ثابتة على الأرض في أحد الجيوب. وفي 2010 قتل قائد احتياط من كتيبة، المقدم دوف هراري، بنار الجيش اللبناني، في الوقت الذي كان فيه الجيش يقوم بقطع الأشجار في جيب قرب كيبوتس المنارة.
العملية الإسرائيلية للعثور على الأنفاق تدخل تحت الضغط كل من لهم صلة. لجميع من هم في الجانب اللبناني هناك ما يخفونه. قام حزب الله بحفر الأنفاق وخرق بذلك قواعد وقف إطلاق النار. الجيش اللبناني الذي يحصل على مساعدة كبيرة من الولايات المتحدة وفرنسا لم يحرك ساكناً من أجل منع نشاط حزب الله (في الوقت الذي يساعد فيه رجال استخباراته، أحياناً، حزب الله بصورة نشطة)؛ اليونفيل بالأساس كانت منشغلة بدس أنفها داخل المنديل، دون إلقاء أي نظرة على الجانبين.
الأنفاق التي اكتشفت الآن تخرج من داخل بيوت في القرى اللبنانية، وهي المواقع التي تريد إسرائيل من الأمم المتحدة منذ سنوات تمشيطها، لكن يتم الرد عليها سلباً بذريعة أن هذه ساحات خاصة، ويحتاج رجال الأمم المتحدة إلى دلائل ملموسة من أجل العمل فيها. بعيون إسرائيلية، يبدو هذا عملية تمويه متعددة المشاركين، حيث حكومة لبنان والأمم المتحدة تشاركان فيها. حتى لو لم تكن لديهم معلومات استخبارية مفصلة عن الحفر السري الذي قام به حزب الله. إلى جانب رغبة إسرائيل في سحب هذا الذخر العملياتي للأنفاق من حزب الله، واستغلال الكشف في الساحة الدبلوماسية، تدفن البذور لأزمة ثقة شديدة بين إسرائيل والأمم المتحدة، التي كانت متوقعة منذ فترة طويلة. هذه الأمور تجري على خلفية الصمت المدوي والمتواصل لحزب الله، الذي لم يرد حتى الآن على تصريحات إسرائيل.
يمكن الافتراض أن حزب الله ينشغل الآن بنفسه، في محاولة للعثور على كيفية تسرب أسرار العملية إلى الجيش الإسرائيلي وفحص ما الذي تعرفه الاستخبارات الإسرائيلية بالضبط عن خططه الأخرى. إذا حدث احتكاك مباشر على الحدود. إذا حدث احتكاك مباشر على الحدود فمن المعقول أكثر أن يحدث ذلك بين الجيش الإسرائيلي والجيش اللبناني مثلما كان في الماضي. ولكن على المدى البعيد فإن العثور على الأنفاق وتدميرها سيجبر حزب الله وأسياده في إيران على إعادة فحص الاستعداد العملياتي على طول الحدود مع إسرائيل.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف