دعوة اعضاء حكومة اسرائيل وعلى رأسهم اعضاء البيت اليهودي لـ “رد صهيوني مناسب” على العمليات الاخيرة، على شكل المصادقة على بناء المستوطنات على سفح الجبل، وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية واغلاق شارع 60 امام حركة الفلسطينيين، هي محاولة اخرى لتبرير ومناقضة الصورة البائسة لمشروع الاستيطان المسيحاني، الذي يتم خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة وشرق الجدار الامني.
المؤشر الاجتماعي – الاقتصادي للمستوطنات في مناطق يهودا والسامرة، التي يعيش في 127 مستوطنة، 413 ألف اسرائيلي، الذي نشر مؤخرا من المكتب المركزي للاحصاء، يعود ويكشف المكانة الاقتصادية – الاجتماعية المتدنية لاغلبية الاسرائيليين الذين يعيشون في هذه المستوطنات، وعن العبء على اقتصاد اسرائيل وعن “الاخوان” المفضلين الذين يعيشون فيها وعن المستقبل الاقتصادي البائس أكثر الذي ينتظرهم في الزاوية.
الاهم من ذلك هو أن التمييز بين “الكتل الاستيطانية” والمستوطنات المعزولة يظهر مرة اخرى الاستغلال الساخر لحكومة اسرائيل للطبقات الاضعف في المجتمع الاسرائيلي – اليهودي، التي تتم التضحية بها امام ملاك المسيحانية القومية المتطرفة الحبلى بالكارثة. هذه اصوات تريد أن تعرض عرض عبثي للتكاثر الطبيعي الحالي لليهود في يهودا والسامرة وتبرير الميزانيات الكبيرة التي تصب هناك، دون فائدة أو أي احتمال لتغيير الميزان الديمغرافي الذي يميل بصورة واضحة للجانب الفلسطيني.
الاغلبية الساحقة من العمليات تحدث خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة التي توجد داخل حدود جدار الفصل أو في منطقة غوش عصيون، التي لم يستكمل فيها الجدار بسبب ضغط رؤساء المجالس فيها. خلف جدار الفصل يعيش الآن على ظهر الجبل حوالي 90 الف شخص في 49 مستوطنة معزولة. 93 في المئة منها توجد في النصف الاسفل من التصنيف الاقتصادي – الاجتماعي (عناقيد 1 – 5). حسب نتائج انتخابات 2015، البلدات الاكثر فقرا والمصنفة في معظمها في العنقود 2، وبعضها في العنقود 3، هم مصوتو اليمين الديني القومي المتطرف المسيحاني (البيت اليهودي وحزب ياحد الذي بالكاد اجتاز نسبة الحسم)، مثل ايتمار والون موريه وبيت ايل ونفوت وعطيرت ومتسبيه يريحو وكريات اربع وبراخا ويتسهار وتفوح وشيلا وعيلي ومعاليه لبونه ونحلئيل ومعاليه حيفر وعتنئيل والبؤر الاستيطانية غير القانونية وغيرها. في المستوطنات المتبقية من هذه الطبقة، العنقود 2 و3، معاليه عاموس ومتساد، يصوتون للاحزاب الحريدية.
حكومة اسرائيل برئاسة نتنياهو وبقيادة بينيت وشكيد، تبخل عليهم بالاموال. في تقرير تم نشره الآن نكتشف أنه تقريبا في 80 في المئة من المستوطنات التي حسنت وضعها منذ نشر المؤشر السابق، البيت اليهودي هو الحزب الاكبر. مؤخرا صودق على خطة لتحسين الشوارع لصالحها بمبلغ 5 مليارات شيكل. نسبة مساهمة الوزارات الحكومية في مداخيل هذه المستوطنات مرتفعة بشكل خاص. مثلا في بيت ايل (64 في المئة)، كريات اربع (69 في المئة)، المجلس الاقليمي شومرون الذي يعيش فيه 41 ألف نسمة فقط، وصلت الى 84 في المئة، التي تبلغ 265 مليون شيكل.
الاخطر من ذلك هو أن هذه هي المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية التي لديها آلاف الوحدات السكنية التي بنيت على اراضي فلسطينية خاصة، وهي التي جلبت “قانون التسوية”. داخل جزء من هذه المستوطنات يخرجون لتنفيذ عمليات “تدفيع الثمن”، والى المواجهات مع الفلسطينيين ومع قوات الجيش الاسرائيلي. رغم حقيقة أنه في “ظهر الجبل” الديمغرافيا الفلسطينية تفوز بلا شك (93 في المئة من السكان)، وكذلك السيطرة المكانية (تقريبا 100 في المئة ملكية على الاراضي)، هذه المستوطنات والبؤر غير القانونية التي تسعى الى التدمير، في ظل الامن المطلوب من الجيش الاسرائيلي توفيره لهم، نجحت في تدمير التواصل الفلسطيني في الضفة الغربية المطلوب من اجل اقامة دولة فلسطينية قابلة للوجود. على هذه الخلفية يمكننا أن نفهم المطالبة الاخيرة لتقييد سفر الفلسطينيين في شارع 60 الذي يشكل الشريان الرئيسي للحياة في الضفة الغربية من جنين وحتى الخليل، عبر كل المدن الفلسطينية الرئيسية.
الى من يعيشون خلف الجدار يجب أن نضيف مستوطنات غور الاردن وشمال البحر الميت، التي عددها أقل بشكل خاص. 6451 شخص يعيشون في 26 مستوطنة. مكانة هؤلاء الذين يتماهون باغلبهم مع حزب المعسكر الصهيوني هي في النصف الاعلى من التصنيف الاقتصادي – الاجتماعي، ودوافعهم للاستيطان خلال العقد الذي اعقب حرب الايام الستة كانت أمنية بالاساس. من بينهم هناك مستوطنات في معظمها جديدة مثل حمدا وغيتيت (التي تركت واعيد اعمارها) وروتم ومشخيوت ويتياف، المصنفة في الثلث الاسفل (العنقود 2 والعنقود 3)، وسكانها يصوتون لـ “البيت اليهودي” بشكل عام.
في الجانب الغربي لمسار جدار الفصل الذي يفصل بين الكتل الاستيطانية الرئيسية والسكان الفلسطينيين، الصورة مختلفة تماما. المستوطنات في هذه المناطق بنيت حسب خطط حكومية (الون وشارون)، التي ارادت الامتناع عن اسكان يهود في مناطق مكتظة بالفلسطينيين.
هذه المجموعة التي يعيش فيها 316.608 اسرائيلي في 51 مستوطنة، تقسم الى ثلاث مجموعات فرعية. المجموعة السكانية الحريدية التي تعيش في خمس مستوطنات، بيتار عيليت وموديعين عيليت وغانيه موديعين ومتتياهو وعمانوئيل، وتشكل 41 في المئة من المجموعة، هي الاكثر فقرا وتقريبا كلها مصنفة في اسفل العنقود 1 رغم أن المدينتين الكبيرتين (موديعين عيليت وبيتار عيليت) حسنتا تصنيفهما في عدة مراحل داخل 255 من السلطات في البلاد.
في المجموعة الاكثر فقرا هذه، نسبة الاولاد حتى جيل 19 غير مسبوقة. بدء من عمانوئيل (54 في المئة) ومرورا ببيتار عيليت (65 في المئة) وانتهاء بموديعين عيليت (67 في المئة). نسبة الحاصلين على شهادة البغروت والذين لم يلبوا مطالب الحد الادنى للجامعات، من بين طلاب الصف الثاني عشر، هي نسبة فضائحية: في عمانوئيل 6.7 في المئة، في بيتار عيليت 3.7 في المئة، في موديعين عيليت 0.7 في المئة. أي في هذه المجموعة حوالي 90 ألف ولد، الذين يشكلون تقريبا ربع عدد السكان اليهود الاجمالي في يهودا والسامرة سيبقون في دائرة المدعومين وفي اسفل سلم الاجور في دولة اسرائيل.
معطيات المؤشر تظهر أن الاجر الشهري المتوسط للعاملين في هذه المجموعة هو في موديعين عيليت 4.475 شيكل، في عمانوئيل 4.540 شيكل، في بيتار عيليت 4.667 شيكل. نسبة العاملين بالأجر الادنى هي 60 في المئة. هذه المعطيات توضح ايضا نسبة مشاركة وزارات الحكومة في مداخيل هذه السلطات: في موديعين عيليت 55 في المئة، في بيتار عيليت 60 في المئة، وفي عمانوئيل التي تبلغ الذروة، 71 في المئة. حوالي 400 مليون شيكل بالاجمال. مساهمة هذه البلدات في الجوقة المسيحانية لبينيت وشكيد واصدقاءهما، هي تمكينهم من القيام بعرض عبثي وفارغ لزيادة عدد سكان المستوطنات، في حين أنه تقريبا نصف الزيادة السنوية مصدرها هو هذه المستوطنات الحريدية، الذين لا يتماهون مع الايديولوجيا القومية المتطرفة المسيحانية للبيت اليهود، وجزء من حزب الليكود، ومدعومون تقريبا جميعهم من دافع الضرائب الاسرائيلي.
في النصف الاسفل من المؤشر، من غرب مسار جدار الفصل، ما زال هناك مجموعة اخرى تتكون من 10 مستوطنات مثل كفار عصيون وكريات نتفيم ونافوه حورون وكدوميم، التي يعيش فيها أقل من 5 في المئة من السكان، وفيها جميعا (البيت اليهودي) هي الحزب الاكبر. كذلك 5 في المئة من السكان يوجدون في مستوطنات جفعات زئيف التي تدهورت في التصنيف مع اسكان الاحياء الحريدية والدينية القومية التي فيها الليكود هو الحزب الرائد.
المجموعة الثالثة والاكبر هي التي توجد في النصف الاعلى من المؤشر وفيها 49 في المئة من السكان الذين يعيشون في 35 مستوطنة، البارزة منها: معاليه ادوميم، الفيه منشه، هار أدار، اريئيل، شعاريه تكفا، سلعيت، كفار هورانيم وغيرها. في هذه المجموعة يتواجد اكثر مصوتي الليكود، المعسكر الصهيوني، يوجد مستقبل وكلنا. في هذه السلطات نسبة الاولاد اقل وتبلغ بالمتوسط 38 في المئة، باستثناء اريئيل (18 في المئة فقط). نسبة الحاصلين على شهادة البغروت الذين حققوا مطلب الحد الادنى للجامعات في المدن والمجالس المحلية أعلى، ويبلغ بالمتوسط 82 في المئة مع ذروة توجد في الكنا (96 في المئة). الاجر المتوسط للعمال يتراوح في معظم المستوطنات حول 9 آلاف شيكل باستثناء اورانيم، الفيه منشه والكنا (12 ألف شيكل). وفي الذروة توجد هار ادار (15 ألف شيكل). الربع تقريبا يحصلون على أجر الحد الادنى. مشاركة الوزارات الحكومية في مداخيل هذه السلطات هي بالمتوسط 40 في المئة باستثناء هار ادار (22 في المئة). الاجمالي هو مبلغ 30 مليون شيكل.
صورة المؤشر الاقتصادي – الاجتماعي تظهر لنا ما الذي يريد المتحمسون لـ “رد صهيوني” اخفاءه عنا. هم يدعون الى استيعاب المزيد من السكان في المستوطنات الفقيرة في ظهر الجبل، والتي اقيمت هناك من قبل غوش ايمونيم على مر اجيالها، والتي لم تتطور في قلب السكان الفلسطينيين، بل أدت الى الاحتكاك المتواصل والى اندلاع العنف. وحدات سكنية كثيرة فيها وفي البؤر الاستيطانية المحيطة بها بنيت بدون ترخيص على اراضي خاصة فلسطينية. رئيس الحكومة شارون في حينه خطط في اطار خطة الانفصال لاخلاء 21 منها من اجل السماح للفلسطينيين بتواصل جغرافي بين المراكز السكانية. كل محاولة اخرى للمس بهذا التواصل سيرفع سقف الاحتكاك والعنف بين الطرفين.
رد صهيوني مناسب سيكون في هذه المرحلة سن قانون “اخلاء – تعويض” واخلاء المستوطنات المعزولة واستكمال جدار الفصل حول الكتل الرئيسية في الفجوات الثلاثة المتبقية، وايجاد طريقة لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. لأنه فقط بواسطة اتفاق دائم سيكون بالامكان تحويل المستوطنات القوية قرب الخط الاخضر الى جزء من دولة اسرائيل والتعامل بشكل آخر مع السكان الحريديين الذين دفعوا الى هناك بسبب ضائقة السكن في القدس وبني براك. للاسف، من اجل ذلك نحن بحاجة الى حكومة تضع نصب عينيها الحلم الصهيوني بدولة ديمقراطية ذات اغلبية يهودية تسعى الى السلام مع جيرانها، وليس حكومة قومية متطرفة مسيحانية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف