حتى قبل نصف عام، لم يكن أحد يستطيع أن يُصدق أن بيني غانتس سيكون قريبًا لهذا الحد من أخذ محل بنيامين نتنياهو كرئيس حكومة إسرائيل. هو الآن بمثابة أمل للإسرائيليين المستعدين التبرع بكليتهم كي يروا نتنياهو يحزم حقائبه ويُخلي البيت في شارع بلفور بالقدس.
هذا الرجل غير المؤثر، الذي أخلى كرسي رئاسة الأركان قبل أربع سنوات وشهرين (2015)، ومنذ ذلك الحين وهو يبحث عن نفسه، شكّل قبل عدة شهور (ديسمبر 2018) حزب "حصانة لإسرائيل" ونجح بإنزال المنظومة السياسية بأكملها على ركبتها.
من بين كل أولئك المتهمين بمحاصرة نتنياهو، أصبح هو تحديدًا المرشح المفضل، هو من يتصدر في أغلب الاستطلاعات، وهو قادر على ذلك، ربما. أصبح بيني غانتس "الأمل الأبيض الكبير" للمعسكر المعادي لنتنياهو، أي كان.
شغل هذا المنصب في السابق يائير لبيد، أفيغدور ليبرمان، بوغي يعلون، نفتالي بينت وحتى غابي اشكنازي، رئيس الأركان الشعبوي الذي حل محله غانتس في 2011. لكن اشكنازي سرعان ما استُنزف في "قضية هارباز"، ليبرمان ضيّع فرصته في 2015، بينت تم طحنه بين عجلات آلة نتنياهو ولبيد لم ينجح في اختراق السقف الزجاجي الخاص به. غانتس، الرجل الذي جاء من أي مكان، فعل ذلك، حتى هو أيضًا لا يكاد أن يُصدق أن ذلك حدث معه فعلًا.
في نهاية الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، حتى استطلاعات الرأي العام مشوشة؛ جزء منها سجل تعادلًا بين "الليكود" و"أزرق - أبيض" (لكن الأفضلية لكتلة اليمين)، وفي استطلاع واحد عاد "الليكود" ليتصدر في المقاعد، وفي الاستطلاع الأهم - للخبراء مينا تساميخ ومانو جيبع في أخبار القناة 12 - تقدم غانتس على نتنياهو بفارق أربع مقاعد، وهو فارق كبير، لم تحصل كتلة مركز اليسار على فوز على اليمين في أي استطلاع من الاستطلاعات.
انتخابات 2015 علّمت القائمين على الاستطلاعات والمحللين أن الاستطلاعات ليس لها قيمة حقيقية، وأنها تصلح فقط للدقيقة التي نُشرت فيها، في أفضل الأحوال.
إضافة لذلك، خلافًا للحملة الانتخابية في 2015، هذه المرة يقف أمام "سيد الأمن" بنيامين نتنياهو ثلاثة رؤساء أركان سابقين، اثنين منهم في الاحتياط، والآلية السياسية المنتجة التي بناها لبيد في "يوجد مستقبل". خلافًا للمرة الماضية، هذه المرة اللعبة مختلفة تمامًا.
لقد كان غانتس ضابطًا هادئًا يبتعد عن المواجهات، يسير وفقًا لـ "روح القائد" ويسعى للعودة للبيت بسلام، أصبح رئيس الأركان الـ 20 للجيش وأنهى فترة مدتها أربع سنوات، خلالها غيّر الشرق الأوسط من وجهه في أعقاب "الربيع العربي" وخرجت إسرائيل لعملية "الجرف الصامد" بغزة عام 2014، كما أنه واصل خط الجيل الذي سبقه، غابي اشكنازي، مائير دغان، عاموس يدلين، ويوفال ديسكين، في معارضتهم الشديدة لمغامرة عسكرية إسرائيلية في إيران. في هذا المجال، أظهر غانتس أن لديه عزم واصرار على المبادئ، رغم ان ذلك نادرًا ما يظهر.
بعد انتهاء فترة خدمته، تجول غانتس في العواصم الغربية، وطد علاقاته التي بناها حين كان الملحق العسكري الإسرائيلي في واشنطن وأصبح لديه عدد ليس بالقليل من الداعمين. لقد نجح بأن يبني لنفسه، في السنوات الماضية، قاعدة مانحين جيدة وجمع كثيرًا من الأموال في الفترة التي سُمح له فيها ذلك، قبل دخوله للسياسة. وحين قرر تشكيل حزب، كان مزودًا بأساس لبنية تحتية اقتصادية داعمة.
قبل عامين، بدأ الحديث عن السياسية. في البداية، من تحت الرادار؛ في هذه المرحلة، ما زال غانتس لا يحلم بأن يكون له حزب خاص، غانتس أجرى اتصالات هادئة مع نتنياهو وبحث اقتراحات لكي يتولى منصب وزير الجيش في حكومته، ثم تمتع باقتراح أن يكون وزير الخارجية أو السفير الإسرائيلي في واشنطن. لكن بعد ذلك بدأت تتدفق استطلاعات الرأي التي أظهرت شعبيته، الاستطلاعات صدمت المنظومة السياسية بأكملها. بعد ثلاث سنوات من تقاعده من منصب رئيس الأركان، يرى الجمهور الإسرائيلي غانتس كبديل حقيقي وحيد لنتنياهو، لقد قرر أن يقول "لا" لنتنياهو، وأن يشكّل حزبًا، كانت الخطة بسيطة: كان يُفترض أن تشكيل الحزب يرفعه فوق آفي غباي و"يوجد مستقبل" ويهز الأرض تحتهم، هو سينضم إلى يعلون وسيعمل بعد ذلك على تجنيد قوات اضافية.
هذه الخطة، التي بدت وهمية في البداية، أخذت شكلها وتحققت بصورة تامة؛ تشكل حزب "حصانة لإسرائيل"، يعلون انضم، وبين عشية وضحاها حصل غانتس ويعلون على 20 مقعدًا، لبيد وغاباي انهارا، لبيد تفاجأ وقبل الأمر، "يوجد مستقبل" انضم لـ "حصانة لإسرائيل"، والبينغو الحقيقي للحدث كان انضمامًا مذهلًا لرئيس أركان إضافي، شعبوي بشكل خاص بالنسبة لليكوديين، وهو غابي اشكنازي. بين عشية وضحاها، قفز هذا الفريق لأكثر من 30 مقعد، وهو حتى اليوم يحظى بهذا الرصيد.
غانتس يحتاج مزيد من الحظ ليكون رئيس الحكومة، من ذاك النوع الذي حظي به في الصفقات التجارية طوال سنواته المهنية، يجب أن يحظى بمزيد من المقاعد من نتنياهو ويأمل ألا يتجاوز واحد أو أكثر من أحزاب اليمين نسبة الحسم. هو بحاجة لأن يلقي عليه الرئيس رؤوفين ريفلين مسؤولية تشكيل الحكومة، هو بحاجة لعاصفة كاملة ومزيج سحري من الظروف لكي يكون الرجل الذي يخلع من سيطر على السياسة الإسرائيلية ومحكمها لفترة طويلة. حتى الآن، علامات العاصفة تلوح في الأفق. صباح الأربعاء المقبل (10 ابريل) سنعرف إن كان ذلك حقيقيًا أم لا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف