الآن وبعد أن انتظمت النجوم في السماء ومكعبات الحكومة القادمة استقرت في مكانها، جاء دور البطل الامريكي للخروج من داخل الآلة واملاء شروط الانتداب الامريكي. “صفقة القرن” كالوصف الفخم لحلم الرئيس ترامب للسلام في الشرق الاوسط ستنشر أخيرا. حسب الاشارات والتخمينات التي رافقت عملية ولادتها التي كان آخرها هو التقرير الذي نشر في “واشنطن بوست”، هي أنها لن تشمل الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.
اسرائيل والفلسطينيون تنتظرهم خطة تعتمد على مقولة ترامب من ايلول 2018 التي تقول “اذا اراد الاسرائيليون والفلسطينيون دولة واحدة فان هذا جيد بالنسبة لي، واذا ارادوا دولتان فهذا جيد ايضا. أنا سأكون مسرورا اذا كانوا مسرورين”. هذا التعبير الرومانسي يمكن توسيعه قليلا والقول “اذا كان الطرفان سعيدان الى جانب بعضهما، واذا كان طرف واحد سعيد، ايضا هذا جيد بالنسبة لي”. اسرائيل حصلت على سلفة جدية على حساب سعادتها المستقبلية. الاعتراف بضم هضبة الجولان والقدس كعاصمة ليس فقط اظهار للتأييد الامريكي، بل هو شهادة موثقة للاتجاه الذي يسعى اليه ترامب. هذا يبدو كخطة فيها الولايات المتحدة تعترف بارض اسرائيل الكاملة التي تشمل ليس فقط هضبة الجولان، بل ايضا ضم “الكتل الاستيطانية في الضفة”.
خطة كهذه بالتأكيد ستثير مشاعر الجمهور الاسرائيلي والشعب اليهودي في كل العالم. لأن الجمال فيها هو أنها لا تطلب موافقة أو تعاون الفلسطينيين. اذا رفضوها كما هو متوقع حتى قبل نشر أي بند منها، فلا شيء سيوقف ترامب عن تحويل خطته الى املاء فقط اسرائيل يمكنها تبنيه دون أن الطلب منها دفع ثمن عال أو دفع أي مقابل. إن قدرته على تحطيم أدوات الخزف الحساسة سبق واثبتها. ولكن الامور لا يتم قولها فقط برسم حدود جغرافية تمثل الواقع الذي نشأ في الـ 52 سنة من الاحتلال، بل بتشكيل صورة وطابع الدولة اليهودية على أيدي دولة عظمى اجنبية. وليس نتيجة مفاوضات داخلية اسرائيلية ومفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين.
مكان القانون الدولي وميثاق جنيف وقرارات الامم المتحدة التي تم خرقها اصلا بصورة منهجية من قبل اسرائيل سيحل محلها مصدر صلاحية جديد يسكن في البيت الابيض ويعتبر نفسه نموذج متطور للورد بلفور. حسب رأيه، دولة القومية للشعب اليهودي ستتحول الى دولة كل مواطنيها. أكثر من نصف الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة وفي شرقي القدس وقطاع غزة سيحصلون على حكم ذاتي غير فيدرالي، موزع على عدة جيوب بدون حقوق سياسية، في حين أن الباقين، يهود وعرب اسرائيليين، سيحظون بمكانة أسمى وهي مكانة مواطنين لهم حق السيطرة الحصرية على كل اجزاء الدولة الجديدة.
سكان الحكم الذاتي الفلسطيني يمكنهم مواصلة تطبيق عاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم وانشاء مؤسسات ادارة لادارة ميزانية مستقلة، وفي افضل الحالات، تأسيس مؤسسات منتخبة مثل البرلمان، لكن مصدر الصلاحية للتشريع الفلسطيني سيكون التشريع الاسرائيلي الذي لا يمكنهم التدخل فيه.
هذه الخطة لا يمكنها بالطبع خلق اتفاق سلام بين اسرائيل والفلسطينيين. أو أن تدفع قدما بعلاقات اسرائيل مع الدول العربية، لكنها ستعزز تبرير سيادة اسرائيل المطلقة على الفلسطينيين. وهذه المرة بموافقة امريكية. اسرائيل التي تلاحق جمعيات حقوق الانسان بذريعة أنها تخدم مصالح دول اجنبية، ستحصل بدل ذلك على دولة عظمى تملي طابعها وتشكل نظامها. الضرر الكبير الذي من شأن خطة كهذه أن تحدثه لا يضر فقط مستقبل طموحات الشعب الفلسطيني، بل سينهي الجانب الديمقراطي في تعريف الدولة كدولة يهودية وديمقراطية. ولكن بتفكير آخر، ليس في الخطة شيء لم تفعله الحكومة أو ستفعله أصلا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف