الصورتان ترويان كل القصة أفضل من آلاف الكلمات. في الصورة الاولى يظهر الجندي من القوات الخاصة الاسرائيلية (الكوماندو) وهو مسلح ومحصن من قمة الرأس حتى أخمص القدم، وجهه مغطى، يقف فوق فتى فلسطيني هو اسامة حجاجرة من قرية تقوع، الذي اعتقل قبل فترة قصيرة من ذلك من قبل الجنود الذين كمنوا له ولاصدقائه.

أيدي الشاب مكبلة خلف ظهره، عيونه معصوبة. وهو يجلس على الارض كما أمروه، وجهه موجه نحو الارض وظهره محني، في الوقت الذي فيه الجندي من الوحدة المختارة يصوب بندقية القناصة المتطورة نحوه. مهزلة لنشاط عسكري. كل التدريبات، كل المعدات، كل هالة لواء القوات الخاصة تنتهي في النهاية بطالب مدرسة مكبل وعيونه معصوبة ويديه مكبلة. جندي الكوماندو مقابل الحافي من تقوع. هذه هي الغنيمة. هذه صورة النصر اليومية لهم.

التهمة: الشاب حجاجرة رشق الحجارة على السيارات المارة: لو كان شاب مستوطن لكان سيزيل عن وجهه بالحجارة والشتائم الجنود والقصة كانت ستنتهي، لكن حجاجرة هو شاب فلسطيني، معظم الشوارع التي تؤدي الى قريته مغلقة مؤخرا، وامرأة من القرية قتلت قبل فترة قصيرة في عملية “اضرب واهرب” على أيدي سيارة اسرائيلية. القرية جميعها قررت الاحتجاج. الحجر هو وسيلة احتجاج. المحتل هو العدو.

الصورة الثانية هي هزلية أكثر: الشاب المكبل الايدي خلف الظهر ينجح بشكل ما في أن ينهض على قدميه ويبدأ بالركض في محاولة للهرب من حراسة جنود الكوماندو الاسرائيلي الشجعان. على الاقل اربعة جنود مسلحين يحيطون به من كل جهة. المسافة بينهم وبينه صفر، مدوا ايديكم وستلمسونه وتمسكون به. هذا اذا كان من المهم الامساك به. ولكن جنود الجيش يعرفون فقط التحدث بلغة واحدة لا بديل لها وهي لغة اطلاق النار. اطلاق النار الحية اذا اردنا الدقة. ارهابي انتحاري أو طالب في الثانوية يرشق الحجارة، فقط بنادقهم تعرف التحدث. وباستثنائها لا توجد لهم لغة اخرى. هكذا علموهم، ومن اجل ذلك دربوهم. لا توجد لهم قدرة على التمييز بين الشيء الاساسي والشيء الهامشي، بين حرب ونكتة. أن يمسكوا شاب ويعتقلوه؟ هذا أمر للضعفاء. وأصلا لماذا يعرقوا؟ لذلك، يطلقون النار على الشاب المكبل ومعصوب العينين، من مسافة قصيرة بالنار الحية، مباشرة نحو عورته. الشاب يسقط نازفا. الجيش الاسرائيلي انتصر.

هذه الصورة لا يمكنها عدم اثارة اسئلة اكثر عمقا: من هنا الاعمى ومن هو البصير؟ الشاب الذي عيونه معصوبة بقطعة قماش أم الجنود بعيونهم المفتوحة. والاكثر من ذلك، من هنا الشجاع ومن هو الجبان؟ الشاب الذي يحاول الهرب وهو معصوب العينين ومكبل أمام بنادق الجنود المصوبة نحوه أم الجنود الذين يطلقون النار عليه؟ ليس من الصعب التخمين من منهم هو الجبان في الصورة.

عندها جاءت الانعطافة المفاجئة غير المتوقعة وغير المعتادة بصورة واضحة. صوت الحكمة استيقظ للحظة في عقول الجنود، وهم يسمحون للسكان الغاضبين الذين تجمعوا حولهم لاخلاء الشاب المصاب والنازف ونقله الى المستشفى لانقاذ حياته. في لحظة الجنود انقذوا كرامتهم المفقودة تقريبا. لقد تعاملوا مع الشاب مثلما تعامل الضابط في قضية عهد التميمي، بصورة اكثر حكمة من كل سلسلة القيادة فوقه وتحته: لقد ضبط نفسه من صفعة التميمي واظهر القوة والحكمة. الآن جاء دور جنود الكوماندو لضبط النفس. اليمين بالتأكيد سيثير العالم. لا يسمحون للجيش الاسرائيلي بالانتصار، لكن على الأقل هذه المهزلة انتهت تقريبا بصورة جيدة. كل الاحترام للجيش الاسرائيلي.


لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف