رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، يقضي منذ ثلاثة أيام وقته مع رئيس المكتب السياسي لـ»حماس» في غزة، يحيى السنوار، ومع السكرتير العام لـ «الجهاد الإسلامي»، زياد نخالة، في جهود لتحقيق تهدئة مؤقتة.
يحاول كامل إحداث العجائب في المكان الذي اصبح فيه منذ زمن لا يجدي السحر. في الطرف الفلسطيني عليه أن يجعل «حماس» و»الجهاد الإسلامي» يعملان بتناسق، والخضوع للتفاهمات التي توصلوا إليها قبل شهرين، ووقف إطلاق النار على الفور ضد إسرائيل وتقليص مسيرات العودة على حدود القطاع ووضع أساس المرحلة القادمة التي ستشمل تهدئة طويلة المدى وإعادة إعمار الاقتصاد في غزة.
في الطرف الإسرائيلي يجب على مصر أن تواجه تراجع إسرائيل من التفاهمات أو على الأقل عدم تنفيذها بشكل كامل واستئناف تحويل الأموال من قطر لـ»حماس»، والعودة إلى منطقة الصيد المسموحة في القطاع، وهي 15 ميلاً، وتسهيلات في الحصار.
جدول الأعمال الإسرائيلي مضغوط. الاحتفال بـ «يوم الاستقلال» ومهرجان الأورفيجن إلى جانب إحياء يوم النكبة، تحولت إلى أداة ضغط استراتيجية تجبر إسرائيل على ضبط النفس، و»حماس» و»الجهاد» يستخدمان ذلك كأداة ابتزاز لتحقيق تنازلات.
ولكن مصر تسعى في المقابل إلى إنجاز أكبر: التوصل إلى مصالحة بين «فتح» و»حماس» تمكن من نشاط حكومة فلسطينية متفق عليها في القطاع، وتقوم بتشغيل المعابر الحدودية وتأخذ على عاتقها المسؤولية عن إدارة مشتركة لغزة والضفة، وتلقي المساعدات الدولية المطلوبة لتطوير غزة. هنا تكمن الصعوبة الأساسية لمصر، حيث إن هذا الهدف مناقض لسياسة إسرائيل، التي عملت على مدى سنين على فصل غزة عن الضفة، وذلك بهدف عرض العملية السلمية مع الفلسطينيين كعملية غير محتملة بادعاء أن السلطة الفلسطينية ومحمود عباس على رأسها، لا تمثل جميع الفلسطينيين في «المناطق»، لذلك لا تستطيع أن تكون شريكة في المفاوضات.
هكذا، في حين أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عرض في زيارته الأخيرة في البيت الابيض الوحدة الفلسطينية كعنصر حيوي في الدفع قدما بـ «صفقة القرن»، التي ينوي الرئيس الأميركي نشرها بعد انتهاء شهر رمضان، إسرائيل معنية بالحفاظ على الانقسام الفلسطيني كحائط زلق للخطة المتوقعة.
الفجوة الاستراتيجية بين إسرائيل ومصر في مسألة المصالحة الفلسطينية لا تزعج في هذه الأثناء مصر من التوسط في موضوع التهدئة العسكرية، وهي لا تطرح هذه الوساطة كشرط لموافقة إسرائيل على المصالحة الفلسطينية. التهدئة في غزة تخدم مصالح مصر، واستمرار التعاون العسكري بين مصر وإسرائيل، حيث يوجد لـ»حماس» دور مهم لكونها حامية الحدود بين القطاع ومصر، وليس فقط مع إسرائيل.
الحوار بين «حماس» ومصر مهم ايضا من اجل وقف محاولة إيران إعادة «حماس» الى أحضانها والتعاون بين «حماس» و»حزب الله». جس نبض بهذا الاتجاه قام به نائب اسماعيل هنية وصالح العاروري، الذي التقى في بيروت مع حسن نصر الله في آذار. وليس واضحا اذا كان جس النبض هذا قد أثمر واذا كان ذلك قد تم بموافقة هنية والسنوار. ولكن هذا النشر أثار مجددا القلق من تدخل إيران التي تؤيد «الجهاد الإسلامي»، لكنها فصلت نفسها عن «حماس».
الظل الإيراني و»صفقة القرن» يضخمان مكانة «حماس» كمنظمة تتصرف كدولة تتعلق بيديها مفاتيح خطوات سياسية كبيرة، اكبر من إطلاق متبادل مع إسرائيل. تعترف مصر بهذه المكانة وساهمت كثيرا في تطويرها، حيث إنه مثل إسرائيل هي ترى أمام ناظريها مصلحتها الأمنية قبل التسوية السياسية الشاملة، ومثل إسرائيل هي معنية بالعمل مع جسم واحد مسؤول وليس مع عدة تنظيمات.
ولكن تعزيز مكانة «حماس» السياسية والحفاظ على قوة تأثير مصر على سلوكها، تحتاج مقابل حقيقي في مجال الاقتصاد. «حماس» والقطاع يوجدان منذ فترة في وضع عدم الرضى عن بادرات حسن النية والمساعدات الانسانية. تطلب «حماس» ترجمة المسؤوليات الملقاة عليها من قبل مصر وإسرائيل الى اداة سيطرة فعلية تضمن حصرية سيطرتها على القطاع حتى أمام «الجهاد الإسلامي». الأموال القطرية لتمويل النشاطات الجارية لا يمكن أن تكون كافية لسلطة عليها الاهتمام بتوفير مصدر الرزق لمليوني شخص من سكانها. فتح المعابر أمام مواد البناء وإنشاء محطات لتوليد الطاقة وميناء واستثمارات أجنبية لبناء المصانع، هذه هي الأسس التي ستمكن «حماس» من مواجهة أي تنظيم يتحداها لأنها لم تحقق إنجازات، وكذلك تواجه الجمهور الذي أوضح أنه في وقت الحصار الصعب هو مستعد أيضا للاحتجاج في الشوارع ضد النظام.
مصر شريكة في هذه الرؤية، ليس فقط بسبب التداعيات السياسية والعسكرية. التفاهمات التي تم التوصل اليها بين إسرائيل ومصر و»حماس» شملت إقامة مناطق صناعية في أراضي شبه جزيرة سيناء، يستطيع سكان غزة العمل فيها، الامر الذي يضمن ايضا اماكن عمل لسكان سيناء. اعادة اعمار غزة ستوفر عملا لشركات مصرية وتسهيلات في الحصار، وبالأحرى إلغائه، وستحول غزة الى مركز تجاري مزدهر بالنسبة للبضائع المصرية. ولكن الجهد الدبلوماسي المصري الموجه الآن لإقناع إسرائيل بعلاقة وطيدة بين تطوير اقتصادي ومنح ضمانات لتنفيذه وبين الهدوء الأمني، لا يمكنه أن يطرح في هذه الأثناء ضمانات مصرية كي توقف هذه المعادلة اطلاق النار بصورة مطلقة.
هنا تكمن ايضا معضلة إسرائيل التي تعتبر مصر شريكة وليس فقط وسيطة. هذه الرؤية تلقي على مصر مسؤولية هي لا تريدها ولا يمكنها القيام بها. الضغط على «حماس» و»الجهاد» وطلب ضمانات لهدوء سيجبر مصر على تدخل أعمق في غزة، وربما إغلاق معبر رفح، وعرضها كشريكة لإسرائيل في فرض الحصار على القطاع. ولكن أيضا في مكانتها كوسيط مصر مجبرة على تحقيق نتائج حقيقية لإسرائيل و»حماس» حيث تمنحها الصلاحية والتأثير للدفع قدما بالخطوات القادمة، وبالأساس الهدوء على المدى البعيد. الأطراف الثلاثة – إسرائيل ومصر و»حماس» – يسيرون الآن على الحافة وهم يستندون إلى الافتراض الذي يقول إنه لا يوجد لأي طرف، خاصة لإسرائيل، أي مصلحة في حرب شاملة. ولكن لا يوجد لأي طرف من هذه الأطراف قدرة على تقدير متى سيخترق الإحباط والضائقة والغضب حواجز الافتراضات المتفائلة في إسرائيل وغزة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف