بات مؤكداً أن صفقة ترامب، سوف تكشف عن تفاصيلها بعيد عيد الفطر وتشكيل حكومة نتنياهو الجديدة.
كثير من التفاصيل لم تعد أسراراً. صحف عبرية وأميركية وخليجية كشفت عن معظم هذه التفاصيل.
رغم إنكار مسبق، عاد الثنائي كوشنر وغرينبلات، ليؤكدا صحة العديد من هذه التفاصيل، أبرزها أن القدس «الموحدة»، أي المحتلة «بقسميها»، ستبقى تحت السيطرة (السيادة) الإسرائيلية. أن «حل الدولتين» مجرد خدعة، لا وجود لهذا الحل في «الصفقة». بقي من «حل الدولتين» الدولة الأولى أي الدولة الإسرائيلية، التي اعترف بها المفاوض الفلسطيني مسبقاً دون الحصول على ضمانات أو اعتراف بالدولة «الثانية»، أي الدولة الفلسطينية. أن المستوطنات أقيمت لتبقى لا لتفكك، ستضم لدولة إسرائيل بصيغ مختلفة، حق العودة لا وجود له في الصفقة. تفسيرات وهرطقات سياسية وقانونية تنزع صفة اللجوء عن ملايين اللاجئين. من هنا، التقى عزام الأحمد مع زميله في اللجنة التنفيذية في م.ت.ف، وفي اللجنة المركزية لحركة فتح، صائب عريقات، على أن معظم بنود الصفقة تم تنفيذه، ولم يبق منها سوى الإعلان عنها، والضغط على المعارضين لها، بأشكال شتى، للموافقة عليها، بالترغيب (بالتلويح بعشرة مليارات دولار). بالترهيب؛ أي الإقصاء من المعادلة السياسية الإقليمية.
اتضح أيضاً أن نتنياهو، الذي أسعده كثيراً أن حليفه ترامب أخذ عنه العبء الأكبر من مشروع تصفية المسألة الفلسطينية، يستعد، مع الإعلان عن حكومته الجديدة، للإعلان في الوقت نفسه عن ضم الضفة الفلسطينية، بعد أن أهداه ترامب الجولان المحتل مكافأة له على فوزه في الإنتخابات الأخيرة في الكنيست.
* * *
الدوائر الأميركية الإسرائيلية أنهت الشوط الأول والأكبر من صفقة ترامب. هي تتهيأ للدخول في الشوط الثاني. ما يدعو للتساؤل عن الإجراءات والخطوات التي أنجزتها القيادة الرسمية الفلسطينية في مواجهة الهجمة الأميركية – الإسرائيلية.
• تتباهى أنها أول من اعترض على الصفقة ورفضها رفضاً تاماً. وأنها قررت مقاطعة الراعي الأميركي، حيث «اكتشفت» أنه غير نزيه، ومنحاز للجانب الإسرائيلي (بعد ربع قرن من العملية السياسية تحت الرعاية المنفردة لواشنطن) وأنها قاطعت الدوائر الأميركية ما عدا وكالة المخابرات الأميركية لأنها متعاقدة معها على التعاون ضد «الإرهاب».(!)
• تصدر بيانات وتصريحات تجدد فيها رفضها للصفقة، تدعو الولايات المتحدة للتراجع عنها، رغم أن الجميع يدرك بعمق شديد أن «الصفقة» ليست نبتاً شيطانياً بل هي تعبير عن إستراتيجيات أميركية إقليمية ودولية مترابطة ومتشابكة، يستحيل تفكيكها، وهي تتبادل المنافع والخدمات والنتائج في حركة جدلية صارخة. ما يعني أن الدعوة للتراجع عن الصفقة، ما هي إلا تعبير، إما عن إنفصال سياسي عن الزمان والمكان، وإما هي تهرب من المواجهة، أو هي الإحتمالان معاً في الوقت نفسه.
• آخر ما تفتقت عنه عبقرية الرفض الكلامي واللفظي للصفقة، هي تشكيل الوفود لزيارة بعض العواصم من أجل شرح الصفقة ومخاطرها، ومطالبة هذه العواصم باتخاذ الموقف المطلوب. وكأن هذه العواصم لم تطلع بعد على حقائق السياسة الأميركية والإسرائيلية.
• ترافق ذلك مع تصريحات جاءت تعبيراً فاقعاً عن حقيقة الأزمة التي تعانيها الفئة الممسكة بزمام القرار، وأزمة الجوقة التي تحيط بها والتي لا تتأخر في نجدتها سريعاً بسلسلة من التصريحات الجوفاء.
• أمين سر اللجنة التنفيذية، عندما سئل عن الحل في مواجهة إجراءات التحالف الأميركي الإسرائيلي، أجاب «بتطبيق القانون الدولي». دون أن يوضح من هو المعني بتطبيق هذا القانون، وما هي شروط تطبيقه، وكيف يتم توفير هذه الشروط، والأهم أنه تجاهل تماماً أن القانون الدولي الذي تحدث عنه، يعطي الشعب الفلسطيني الحق في الدفاع عن أرضه وسيادته وحريته في وجه العدوان الإسرائيلي، كما من حقه أن يلجأ إلى كل أساليب المقاومة دون إستثناء.
• عضو لجنة تنفيذية، إستمرأ أن يصدر كل يوم تصريحاً، أتحفنا مؤخراً أن صفقة ترامب، وحكومة نتنياهو تحضران لضم المستوطنات وأجزاء واسعة من الضفة، وكأنه بذلك توصل إلى الإكتشاف الكبير. لكنه صمت عندما سئل: وماذا بعد؟.
• عضو آخر، يعتبر نفسه «الناطق السامي» باسم القيادة الرسمية، وصف ما نشر عن صفقة ترامب أنها «مجرد خزعبلات»، لكنه تجاهل أو تناسى تصريحات زميليه عزام الأحمد وصائب عريقات أنه تم تنفيذ أكثر من 70% من هذه «الخزعبلات» على الأرض.
* * *
أين الخزعبلات؟
هذا ما يتوجب البحث وكشف الغطاء عنه.
• منطق الأحداث يقول إن دولة الإحتلال تجاوزت إتفاق أوسلو، وشروطه، وإنتهكت الكثير منها. إحتجت السلطة الفلسطينية، ثم ما لبثت أن «تكيّفت» مع هذا التطور الجديد، ولم ترد عليه لا بإجراءات أو خطوات مضادة.
• منطق الأحداث يقول، إن سلطة الإحتلال سطت على أموال المقاصة، وإن السلطة الفلسطينية إحتجت وشكت إلى الدول العربية، ثم ما لبثت أن «تكيّفت» مع هذا التطور.
• منطق الأحداث يقول، إن التطورات تتلاحق في قطاع غزة، في أجواء سياسية وأمنية قلقة، لها إنعكاساتها الكبرى على الحالة الفلسطينية بكل عناصرها. السلطة الفلسطينية تحتج وتحذر من الفصل بين الضفة والقطاع، ثم ما تلبث أن «تتكيّف».
• هي قبل الآن «تكيّفت» مع ضم القدس، ومع توسيع المستوطنات، ومع إجتياح رام الله وباقي المدن، مع العديد من الخطوات التحضيرية لمحاصرة السلطة الفلسطينية، وتحجيم دورها، وإضعافها، وإرهاقها، لتصل إلى نهاية شوط صفقة ترامب، وهي مفككة الأوصال. ومع ذلك تبدو السلطة الفلسطينية، عند كل منعطف، في حالة «تكيف» مع نتاج هذا المنعطف.
بيد القيادة الرسمية، واللجنة التنفيذية في م.ت.ف، والضفة الفلسطينية سلسلة كبرى من القرارات التاريخية، التي من شأنها أن تقلب الطاولة في وجه ترامب وفي وجه نتنياهو، وأن تخربط حسابات التحالف – الأميركي الإسرائيلي، وأن تعيد خلط الأوراق، ونسف قواعد اللعبة التي تحاول صفقة ترامب ترسيخها، لصالح قواعد جديدة وضعت قراراتها المؤسسة الوطنية، أي المجلس المركزي (5/3/2015+15/1/2018) والمجلس الوطني (30/4/2018).
يحق لأي مراقب وهو يشهد الحالة الفلسطينية على ما هي عليه:
• رهان على العنصر الخارجي، شبه المعطل أو الضعيف أصلاً .
• تعطيل العنصر الفلسطيني الذي يملك وحده القدرة على الفعل والتغيير.
أن نسأل السؤال التالي:
ماذا ستختار القيادة الرسمية بعد الإعلان عن صفقة ترامب: العمل على تطبيق قرارات المؤسسة الوطنية وخريطة حسابات تحالف ترامب نتنياهو، أم أنها ستواصل «إستراتيجية التكيّف»؟!

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف