” استخدام العنف الذي جاء نتيجة الخلافات بين القاهرة وحماس لا يغير تقدير الاستخبارات في اسرائيل بأن حماس قد اختارت طريق التسوية “.
الضربة المتجددة للبالونات المتفجرة التي تطلق من قطاع غزة الى سماء النقب تسبب بها الخلاف بين مصر وقيادة حماس في القطاع. وحسب تفسير الجيش الاسرائيلي فان الهدوء النسبي على حدود القطاع، بدون مظاهرات عنيفة ومع القليل من اطلاق القذائف، تم خرقه نتيجة التوتر الذي حدث بين القاهرة وحماس. سفر شخصيات حماس الكبيرة من القطاع الى الخارج مشروط بمصادقة مفصلة من المخابرات المصرية لأن المنفذ الوحيد بالنسبة لهم هو من معبر رفح. رئيس المكتب السياسي لحماس، اسماعيل هنية، يعرف حساسية مصر بالنسبة لايران، وقد تعهد بأن لا تشمل جولته طهران، وأنه سيركز على محطات مثل قطر وتركيا، من اجل تجنيد الاموال لحماس. ولكن الولايات المتحدة قامت باغتيال الجنرال قاسم سليماني.
هنية سارع الى المشاركة في جنازة سليماني في طهران وأثار غضب المصريين الذين لم يعتبروا الاغتيال مبررا لخرق التعهدات. القاهرة ردت بفرض قيود على تصدير الغاز من مصر الى القطاع، واغلاق معبر رفح لبضعة ايام وادارة ظهرها لحماس.
في نفس الوقت تطور في حماس غضب على وتيرة تطبيق التسهيلات الاقتصادية للقطاع من جانب اسرائيل. حماس كالعادة ردت باطلاق العنان لاعمال العنف. وهذه المرة لم يكن هذا بواسطة الغمز للجهاد الاسلامي أو غض النظر عن نشاطات الفصائل الاصغر التي تعتبرها اسرائيل مارقة. اطلاق البالونات المتفجرة التي انجرف أحدها في الاسبوع الماضي ووصل الى أسدود المسؤولون عنه هو نشطاء حماس. واسرائيل ايضا لا تخفي ذلك، وهي لا تختبيء هذه المرة وراء التفسير الذي يتحدث عن مارقين. هدف حماس هو هدف مزدوج وهو اقناع المصريين بالعودة الى مهمة الوساطة مع اسرائيل والسماح بحركة اكثر حرية للبضائع والاشخاص في معبر رفح وحث اسرائيل على مواصلة التقدم في تطبيق بادرات حسن النية.
ربما أن حماس تلاحظ في هذا الاسبوع وجود نقاط ضعف لدى اسرائيل تمكنها من زيادة الضغط. وفي الغد سيصل الى اسرائيل اكثر من 40 رئيس دولة، منهم الرئيس الروسي فلادمير بوتين، للمشاركة في الذكرى الـ 75 لتحرير معسكر الابادة اوشفيتس. وبالنسبة لحماس هذه ظروف فيها تخشى اسرائيل من استخدام القوة الزائدة في القطاع، خوفا من تصعيد أمني يضع في الظل الاحداث الرسمية. وفي جهاز الامن يحذرون حماس من أنها تشد الحبل أكثر من اللازم ومن شأنها أن تدفع الثمن. الفلسطينيون، يقولون في الاجهزة الامنية، سبق واخطأوا في تحليل درجة تحمل الاسرائيليين في مسألة أي اخطار اسرائيل مستعدة لأخذها على عاتقها عندما استمروا في اطلاق الصواريخ من قبل الجهاد الاسلامي في بداية تشرين الثاني الماضي. هذا التقدير الخاطيء أدى الى اغتيال بهاء أبو العطا وعملية “الحزام الاسود”.
ولكن استخدام حماس الكبير للعنف، صحيح أنه بحجم محدود، لا يغير في هذه الاثناء تقدير الاستخبارات بأن حماس اختارت طريق التسوية. الخطوات التي قامت بها، الغاء مظاهرات أيام الجمعة، (على الاقل حتى نهاية آذار) ووقف اعمال الشغب الليلية ووقف استخدام البالونات الحارقة والطائرات الورقية الحارقة (حتى الاسبوع الاخير)، تدل حسب تقدير الاستخبارات العسكرية على مقاربة حماس للتسوية.
وحتى قبل وقف المظاهرات، تم تقليص عدد المشاركين فيها وتضاءلت مظاهر العنف. قائد كتيبة يخدم في منطقة غزة قال إن القناصة طلب منهم اطلاق النار الحية فقط مرتين في مظاهرات جرت على طول الجدار بين تشرين الثاني وكانون الاول.
تفكير ايجابي
في هذه الاثناء يبدو أن اعادة تأهيل البنى التحتية في القطاع وتحسين ظروف الحياة هناك ازاء الوضع البائس فيه، اكثر اهمية لحماس من الحاجة الى الحفاظ على نار النضال ضد اسرائيل. الكابنت الاسرائيلي ناقش مرتين الوضع في القطاع في بداية الشهر الحالي. ولم يتم اتخاذ أي قرارات ملزمة هناك، لكن السياسة بقيت على حالها – استمرار التسهيلات مقابل استمرار الهدوء. وعلى التقدم في التسوية يوجد عائقان، على المدى القريب، وتيرة التسهيلات الاسرائيلية لا تناسب مع توقعات الفلسطينيين. وعلى المدى البعيد، اسرائيل لا يمكنها أن ترفع تماما الحصار عن القطاع بدون تقدم في قضية الأسرى والمفقودين. ولكن هنا مطالب الحد الادنى لحماس بعيدة جدا عن الحد الاقصى للتنازلات التي اسرائيل مستعدة لتقديمها. ومع ذلك سجلت تحسينات ما في ظروف الحياة في القطاع. منطقة الصيد تمت زيادتها الى 15 ميل عن الشاطيء، واسرائيل زادت عدد تصاريح العمل لتجار من غزة، وتزويد الكهرباء اليومي المتوسط ازداد وبدأت اعمال في البنى التحتية تمهيدا لمشاريع كبيرة منها مد خط كهرباء جديد في القطاع ومستشفى ميداني امريكي سيعمل قرب حاجز ايرز.
في الجيش الاسرائيلي يوجد تأييد واضح لزيادة دراماتيكية لعدد العمال الذين سيسمح لهم بدخول اسرائيل. وهناك يتحدثون عن آلاف العمال الآخرين الذين سيحصلون على تصاريح بالتدريج بعد الخضوع للفحص الامني. وفي المستوى السياسي يميلون الى تبني الاقتراح، كما أن معارضة الشباك انخفضت قليلا، ربما سيتم التوصل الى اتفاق على دخول بضعة آلاف اخرى من العمال في السنة القادمة اذا عاد الهدوء الى المنطقة. وفي هذه الاثناء يتم الحفاظ على درجة من التوتر في اعقاب اطلاق البالونات المتفجرة، لكن رد اسرائيل ما زال معتدلا – هذا متعلق بالظروف العامة – الافضلية التي تعطيها الحكومة للتوتر مع ايران وحزب الله في المنطقة الشمالية ودعم محاولات التسوية في المنطقة الجنوبية. وسائل الاعلام الاسرائيلية، بدرجة من الحق، تعطي منصة لكل مظهر من مظاهر الخوف والغضب في اوساط سكان غلاف غزة، في كل مرة تتجدد فيها صافرات الانذار. ولكن في نفس الوقت، الخطوات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة ومنها تسهيلات ضريبية كبيرة، تضمن تدفق مستمر للسكان الى بلدات الغلاف وبناء احياء توسيعية في الموشافات والكيبوتسات، وحتى في التي توجد على بعد بضعة كيلومترات عن الحدود.
بالنسبة لغزة فقد حدث توافق نادر بين المستوى السياسي والمستوى العسكري. ولكن السؤال الرئيسي بقي مفتوحا وهو هل الاستخبارات العسكرية تقرأ بشكل صحيح الصورة، وهل حماس حقا ناضجة لتسوية طويلة المدى، مع الأخذ في الحسبان الروح الملزمة لديها والتي اساسها المقاومة العنيفة لاسرائيل، ومواقف الفصائل الفلسطينية الاخرى؟ يبدو أنه مطلوب درجة من التفكير الايجابي والمتفائل من اجل أن نصدق أنه بالامكان استقرار الوضع في القطاع لفترة طويلة مع الشريك الحالي (غير المباشر وغير المعلن) في الجانب الفلسطيني.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف