اسرائيل اليوم–

لا يوجد تفسير آخر – الجمهور يشتبه بان منظومة انفاذ القانون استخدمت للاطاحة ببنيامين نتنياهو ومعه الاطاحة بالجمهور عن مكانته كصاحب السيادة من خلال المندوبين. هذا اشتباه معلل، ليس غير عقلاني، وليس تآمري بالذات
“.

لا نعرف بعد اذا كان نتنياهو سيتمكن من تشكيل حكومة في الكنيست التي انتخبت لتوها، ولكن واضح أنه انتصر انتصارا شخصيا وسياسيا كبيرا. في وضع الامور العادي، فان الزعيم الذي يقف امام اتهامات كالتي وجهت له، ما كان سيتجرأ على أن يضع نفسه امام الانتخاب. واذا كان يتجرأ فان حزبه كان سيحبط هذا او انه سيفشل في صناديق الاقتراع. اما نتنياهو فقد كبح في 2019 أ، تبقى على قدميه في 2019 ب، والان، بعد رفع لوائح اتهام خطيرة وفي ضوء منظومة النيابة العامة لدولة اسرائيل – حقق انجازا انتخابيا جارفا في مواقع التأييد له.

واضح أن التفسير يكمن في عدم ثقة الجمهور في منظومة انفاذ القانون، الشرطة، النيابة العامة والمستشار القانوني. ولكن ما هو السبب لعدم الثقة؟ يقول لنا المدافعون عن هذه المنظومة ان نتنياهو يحرض ضدها. وهو ظاهرا صاحب كفاءات مثابة عجيبة ينجح في ان يوقع في شباكه الجمهور الساذج او الشاذ، عديم الفهم في انظمة الحكم في الجمهورية المناسبة. هذا الادعاء يترنح بشكل سخيف بين مشاعر التفوق ومشاعر الدونية. وهو يعزو للخصم نتنياهو قدرات خطابية عبقرية، فوق طبيعية تقريبا، ولكنها تتعالى على مؤيديه.

مهما يكن من أمر، فان نتنياهو رجل كفؤ، ولكن ليس لديه قدرات فوق طبيعية. والكثيرون من ناخبي نتنياهو قد يكونوا ينتمون الى الشرائح التي هي نسبيا اكثر فقرا واقل تعلما، ولكنها عقلانية بقدر لا يقل عن مؤيدي المعسكر المضاد. فاحيانا التعليم يعمي، ولا سيما حين تتعفن لتصبح غرورا. الواقع السياسي المتقلب من شأنه أن يدحض تماما مواقف تبدو مفهومة من تلقاء ذاتها للاشخاص المتنورين والمتعلمين، ذوي الفهم السياسي الدقيق ظاهرا. الروح الديمقراطية تقوم على اساس الفهم بانه يوجد في السياسة عدم يقين عملي واخلاقي بنيوي، واحد لا يحوز في يديه “حجر الحكماء” السياسي. وبالتالي، وضمن امور اخرى، تستبعد حكم “العارفين” من “الجديرين بالحكم”ِ على نمط افلاطون. هذا هو احد الاساسات الضرورية الهامة لمبدأ سيادة المواطنين ولمطلب ان يعطى الحكم بموافقتهم.

يجدر بمن هزموا في الانتخابات ان يكفوا عن الاختباء وراء الادعاءات بقدرات نتنياهو وبدونية مؤيديه المزعومة، وان ينظروا الى الحقيقة الجلية التي تنعكس من صناديق الاقتراع: جمهور هرع للدفاع عن سيادته امام التبجحات المتطاولة لشريحة المدراء العسكريين، القضائيين، الاعلاميين، الاقتصاديين والاكاديميين. وعندما يراد التحفظ يسمون هذا شعبوية، ولكن في واقع الامر رب البيت هنا يقول “هذا لي”.

لعل الجمهور يأمل بان يبسط القانون على الغور وعلى الكتل الاستيطانية في المناطق. كما انه لعله ايضا انتبه للتطور المكثف، للنمو الهائل في الناتج القومي الاجمالي او للنجاح السياسي لحكومات نتنياهو. كل هذا لعله يشرح انتصار الليكود، ولكن ليس عندما يكون زعيمه يقف امام الاتهام بالرشوة. لا يوجد تفسير آخر – الجمهور يشتبه بان منظومة انفاذ القانون استخدمت للاطاحة ببنيامين نتنياهو ومعه الاطاحة بالجمهور عن مكانته كصاحب السيادة من خلال المندوبين. هذا اشتباه معلل، ليس غير عقلاني، وليس تآمري بالذات.

ينبغي أن نلاحظ هنا جيدا: الجمهور ليس لجنة محلفين، وليس هو المؤتمن على الحسم في الاتهامات التي وجهت لنتنياهو. ولكن منظومة انفاذ القانون متعلقة، لمجرد قدرتها على انفاذ مهامها، بثقة الجمهور بطرق عملها. المستشار لم يعمل عندما انكشف ابتزاز الشاهد الملكي. لم يفسر لنا لماذا حتى لم يحقق، فما بالك يتهم مع اولئك الوزراء في حكومة 2013 – 2015 والنواب الذين حاولوا اغلاق “اسرائيل اليوم” مقابل تغطية عاطفة في “يديعوت احرونوت”. هذه مجرد نماذج من جملة واضحة لعيان الجمهور، بما في ذلك الجمهور الذي يزعم بانه غير متنور. مثل هذه الاخفاقات ضخمت الاشتباه بصلاحية لوائح الاتهام. عندما تحقق منظومة انفاذ القانون وتتهم شخصا انتخبه الجمهور لقيادته، فان اناسها ملزمون بان يفهموا بان ثقة الجمهور هي الارضية السياسية التي يقفون عليها أو لا سمح الله يبلعون فيها. محظور أن يتخذوا صورة وكأنهم صياديو اسماك او صيادو براري. وبالتأكيد محظور ان يتخذوا صورة وكأنهم لاعبون سياسيون.

الضباط، النواب العامون والمستشار وبعد ذلك ايضا القضاة، هم اعضاء محترمون في شريحة المدراء في المجتمع الاسرائيلي. سمو مكانتهم يجعلهم مرشحين على نحو خاص للغرور والتسلط. وعندما تستقطب السياسة بين “المتنورين” و “الجهلة” المزعومين، مثلما يحصل مؤخرا ليس فقط عندنا، فان الميول الانسانية الثابتة هذه تصبح خطيرة حقا. الجمهور الاسرائيلي كبحها الان.

آفي برئيلي ، بروفيسور محاضر في معهد بن غوريون لبحوث اسرائيل والصهيونية

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف