هآرتس –

اليسار في اسرائيل نظر الى خزانة ملابسه ولم يعرف ماذا يريد أن يرتدي، هل سيرتدي الوطنية والقومية المتطرفة الصهيونية التي سيطر عليها اليمين أم اليسارية القيمية التي يخشى ارتداءها. وبذلك هو فقد الطريق
“.

يدور الآن في الشارع 15 مقعدا لا يريد أي أحد لمسها. 12.5 في المئة من مقاعد الكنيست ستبقى شاغرة. صحيح أنه سيجلس عليها اشخاص مخيفون، اشخاص تم انتخابهم في انتخابات حرة، لكنهم يعانون من عيوب جوهرية تمنعهم من المشاركة في السياسة الاسرائيلية. إنهم عرب. وهم ليسوا فقط الطائفة الادنى في التدرج الاجتماعي والاقتصادي في اسرائيل، بل هم من يحظر لمسهم. لأن كل من يقوم بلمسهم سيدنس نفسه.

ليس فقط اليمين على مختلف اشكاله يحذر من التسكع قربهم، بل حتى من يسمون انفسهم يسار، والقصد ليس ازرق ابيض، يحذرون جدا من أن يتم الصاق هذه الوصمة العربية بهم. التناقض الايديولوجي في اليسار هو أنه هو بالذات من كان يجب أن يتبنى الاقليات في اسرائيل، سواء الاثيوبيين اليهود أو المسيحيين أو المسلمين، ولكنه رش نفسه بمادة تعقيم قاتلة ضد هذه الآفات. تخيلوا أنه قد انضم الى المقاعد السبعة البائسة التي حصل عليها مزيج العمل – غيشر – ميرتس الـ 15 مقعدا للعرب ومقعدان للاثيوبيين. فجأة كان اليسار سيتحول الى كتلة حقيقية، ليس فقط بالعدد، بل كتلة يمكنها طرح برنامج انتخابي اخلاقي، يمكنه أن يُشرف مفهوم اليسار وربما حتى أن يساهم في تقليل اغصان حزب ازرق ابيض، الذي يوجد فيه مصوتون كثيرون تملكهم الشيطان وهم لاجئون لا يجدون بيت حقيقي لهم.

من السهل على اليسار أن يندب خسارته في الانتخابات وأن يفسر ذلك بأن المجتمع، الثقافة الشرقية، التوحش، الفظاظة وفقدان القيم في اليمين، تسببت بهذه الكارثة وأنه غير مذنب. وفي نفس الوقت هو يتبنى بسعادة الخطاب الجديد الذي يتحدث عن فوز “اسرائيل الثانية” على “اسرائيل الاولى”، لأنه بذلك يمكنه الضرب على صدر اليمين الذي طور هذا الخطاب وحرض به من يوجدون في الهوامش الجغرافية والاقتصادية. اليساريون يضربون الكفوف ازاء فشلهم في محاولة تجنيد “اسرائيل الثانية” وينسون أنهم لم يفعلوا أي شيء من اجل طرح تحد حقيقي امام خطة تقسيم اليمين.

اليسار نظر بدهشة الى خزانة ملابسه ولم يعرف أي فستان سيلبس. الوطنية والقومية الصهيونية المتطرفة أم اليسارية القيمية. وقد تجاهل بأنه قد سيطر على القومية المتطرفة وبنجاح اليمين – الوسط، اللذان لا يستطيع منافستهما. ولكنه ايضا سئم من أن يكون يساريا متماهيا مع كل ما هو ليس وطني، وكأنه يحمل الى الأبد صفة “محب العرب”. اليسار الذي صرخ ضد مفهوم “دولة يهودية وديمقراطية”، وأشار الى التناقض الداخلي الكامل في شطريه، ساهم بشكل كبير في ترسيخ هذه الايديولوجيا عندما ارتمى في احضان عمير بيرتس وشريكته وضرب بعرض الحائط الشراكة المحتملة مع العرب.

نتائج الانتخابات تبين بشكل قاطع وبارز بأنه لم يعد يوجد لليسار ما يخسره. فسياسيا هو أخلى مكانه في الكنيست، حتى لو شغل ممثلوه مقاعد في الكنيست عددها مثل عدد الضيوف في عشاء عائلي صغير. ولكن اليسار لا يزال حيا، وحتى أنه يمكنه النهوض اذا قرر أن يكون يسار حقيقي. الـ 15 مقعدا للعرب ربما أنها لا تنتظره بالسجاد الاحمر، لكنهم سيكونون على استعداد لبناء شراكة معه اذا تمكن من أن يزيل عن نفسه طبقات الماكياج التي بواسطتها أمل أن يكسب المزيد من الناخبين.

لا يجب على اليسار أن يخاف مما سيقولونه عنه اذا ارتبط بالعرب. لأن كل ما كان يمكن أن يقال، قيل. وبفضل نتنياهو ومساعديه تقترب الشرعية الجماهيرية لليسار من شرعية العرب. اذا كان يجب على اسرائيل الذهاب الى حملة انتخابية رابعة فيمكن لليسار أن يجد نفسه معزول ومنبوذ مثل المصاب بفيروس الكورونا، حتى على أيدي ازرق ابيض الذي يعمل بالتأكيد على أن يتحول من حزب وسط الى حزب يمين “عقلاني”، نوع من الليكود. وهو يمكنه الانسحاب من السعي نحو الاجماع والعودة الى أن يكون طليعيا. أن يعود الى نفسه.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف