يعتبر تعيين "موشيه يعلون" وزيرا للجيش في الحكومة الصهيونية الجديدة، مؤشراً مفصلياً على توجهاتها السياسية والأمنية، سواء ضد الفلسطينيين أو الدول العربية المحيطة بـ"الكيان"، لما له من توجهات تتجاوز سيرته الذاتية العسكرية فحسب.
حيث يعتبر "يعلون"، من أشد الصقور في الحلبة السياسية الصهيونية، فإضافة لمواقفه السياسية الرافضة لجميع الحلول مع السلطة الفلسطينية، فإن تاريخه العسكري حافل بالعمليات ضد العرب والفلسطينيين، فهو رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الـ17، درس العلوم السياسية في جامعة حيفا، وقد تولى بعض المناصب القيادية في الجيش، كقائد فرقة في الضفة الغربية، ورئيساً لقسم الاستخبارات العسكرية، وقائداً للواء المركز العام، ثم نائباً لرئيس الأركان العامة.
وصرح مباشرة بعد تعيينه رئيساً لهيئة الأركان أن الفلسطينيين "سرطان يجب استئصاله"، وأنهى ولايته العسكرية في 2006، وكان "يعلون" رئيس الأركان الوحيد في الجيش الذي لم يمدد له من قبل لأنه عارض قرار رئيس الحكومة الأسبق "أريئيل شارون" بالانسحاب من قطاع غزة عام 2005، وبعد تعيينه في الحكومة السابقة وزيراً للتهديدات الاستراتيجية، قدم "تشريحًا" نقديًا للسياسة الرسمية في التعامل مع الفلسطينيين، سواء ما تعلق بحركة حماس، أو السلطة الفلسطينية.
ويعلي "يعلون" كعادته من شأن استخدام القوة، من خلال تأكيده على نظريته الدائمة "أن ما لا يأتي بالقوة يأتي بمزيد من القوة"، معتبراً الانسحاب من غزة خطيئة لا تغتفر! لأنه عرض أمن "الكيان" للخطر، وهذا الحل الذي اتخذته للتخلص من المشاكل الأمنية التي أحاطت بها في قطاع غزة، ليس مجدياً، لأن الحل بنظره للتعامل مع التهديدات الأمنية والعسكرية لا بد وأن يمر بـ"طريق طويلة".
وينظر "يعلون" إلى الانسحاب كما لو كان "كارثة" حلت بـ"دولة الكيان"، محملا المسئولية الأولى والأخيرة للمؤسسات التي اتفقت مع "شارون" على هذه الخطوة التاريخية، والخطأ الاستراتيجي الفادح، لأنه شق الطريق لفوز حركة حماس بالانتخابات.
ويشن هجوما على عدد من الساسة الذين ساهموا في السنوات الأخيرة في اتخاذ قرارات خطيرة تخص أمن "الكيان"، ولاسيما تلك المتعلقة ببعض الانسحابات من مدن الضفة الغربية، وإزالة عدد من الحواجز العسكرية، ويقرر أن هؤلاء الساسة، أو بعضهم على الأقل، اتخذوا هذه القرارات لحسابات شخصية بحتة.
يقول "يعلون": في سبيل التوصل إلى حل للصراع مع الفلسطينيين، فإن إقامة دولة فلسطينية أمر غير عملي وغير مجدٍ، لأنه يرى أنها لو قامت فعلًا، فلن تكون ذات قدرات اقتصادية حقيقية، ولن ترضي "طموحات" الفلسطينيين القومية، فضلًا عن كونها مقسمة جغرافيا، وغير مترابطة، مما سيحولها نهاية الأمر لدولة "عدوانية" تجاه جيرانها، ما يعني أن خيار الدولة الفلسطينية في الظروف الحالية وصفة لقيام حروب جديدة في المنطقة، مما يعني بصورة واضحة افتقاد "دولة الكيان" للشريك الفلسطيني في عملية التسوية.
أكثر من ذلك، يقرر "يعلون" أنه لا توجد اليوم قيادة فلسطينية تؤمن بحل الدولتين، وإنما القناعة السائدة في أوساط الفلسطينيين هي ضرورة إقامة كيان سياسي عربي على أنقاض "دولة الكيان"، وبالتالي ليس هناك من حل سحري وفوري للصراع.

وفي تقييمه للمجتمع الصهيوني، يرى أنّه بات مجتمعاً ثرياً وهشاً، لا يريد التضحية في الحروب، وقد أخذ هذا النهج منحى قوياً منذ عام 1992، وأنّ الكثير من القرارات لم يتم تنفيذها خوفاً من سقوط القتلى، كما أن نهج التردد الذي اتبعته الحكومة السابقة أدّى لخسارة بعض الحروب، مما جعلها تتردد في توجيه ضربة عسكرية لحركة حماس في غزة، لأنّها قيادة ضعيفة جداً.
وبذلك ارتفعت شرعية حماس، التي لن تتحول إلى منظمة خيرية تقوم فجأة بتوزيع الأزهار وحبات الشوكولا على الجمهور الفلسطيني، وتمد يدها للسلام مع "الكيان"، بل ستواصل التدريب على القتال، والاستعداد لصدام جديد مع الجيش، من خلال زيادة قدراتها التسليحية التي سيتم تهريبها عبر الأنفاق.
من الصعوبة بمكان أن نقدم عرضا لوزير الحرب الصهيوني الجديد، دون التعرض لأبرز المواقف المفصلية في سيرته الذاتية، فهو الجنرال احتياط "موشيه بوغي يعلون"، من مواليد 1950، نشأ وسط حركة الشبيبة الصهيونية، وحصل على البكالوريوس في العلوم السياسة، والتحق بالجيش عام 1968، واختار لواء المشاة "ناحال" وبقي فيه 3 سنوات.
وعندما كان في العاشرة من عمره اعتاد أن يقبض على القطط والكلاب الصغيرة، ثم يقوم بتحطيم رؤوسها بحجر كبير، وبعد ذلك يمكث وقتا طويلا وهو يقوم بدوسها بنعاله، قائلا لرفاقه: "هكذا يجب أن نفعل بالعرب"! ومن كثرة ما شوهد وهو يدوس عليها أطلق عليه أهل الحي "بوغي"، وتعني بالعبرية "جسم الدبابة"؛ نظرا للأثر الذي تركه على ضحاياه من الحيوانات الأليفة، وظل اللقب مرافقا لاسمه حتى هذه الأيام.
التحق بالجيش ثانية ضمن قوات الاحتياط في حرب 1973، وخدم في جبهة سيناء، حيث غيرت هذه الحرب قناعته بالنسبة لمستقبله؛ فقرر العودة للجيش كلياً، وانضم للواء المظليين، وسرعان ما اجتاز دورة ضباط، حيث شارك في عمليات الوحدة الخاصة بسلاح المظليين، وبعد اجتياح لبنان عام 1982 أصبح قائدا للواء المظليين، ورقي لرتبة عقيد.
وفي عام 1988 قاد وأشرف على أشهر عملية اغتيال وهي اغتيال خليل الوزير "أبو جهاد" في تونس، وفي عام 1990 رقي إلى رتبة عميد، فقائدا لقوات الجيش في الضفة الغربية، وعام 1996 عين رئيسا لشعبة الاستخبارات العسكرية المعروفة بـ"أمان"، ورقي لرتبة لواء، فقائدا للمنطقة الوسطى في الجيش، وأخيرا رئيسا لهيئة الأركان بين عامي 2002–2005، وشغل أخيراً في الحكومة السابقة وزير الشؤون الاستراتيجية.
في كل المناصب التي تقلدها في الجيش، كان "يعلون" يعيش بنفس مشاعر الكراهية ضد العرب التي سيطرت عليه عندما كان طفلا، وفي حرب 1973 تعمد إطلاق النار على الفلاحين المصريين الذين كانوا يقومون بفلاحة حقولهم.
يشير "يعلون" إلى أنه شارك في حرب لبنان الأولى قائدا للوحدة الخاصة التابعة لهيئة الأركان التي أنيطت بها مهمة البحث عن ياسر عرفات، لكنها لم تتمكن من رصده في بيروت الغربية طيلة الحرب سوى في يومه الأخير في بيروت، وقد رصدته بندقية قناص وهو يعتلي السفينة في ميناء بيروت عن بعد 180 متراً، مما مكننا من استهدافه بشكل مؤكد، لكننا لم نحصل على مصادقة قيادة الجيش على إطلاق النار عليه!

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف