لم يستبشر المسؤولون اللبنانيون خيراً في مستقبل الوضع على صعيد المنطقة، وتحديداً في ما خص قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، منذ آخر زيارة للرئيس الفلسطيني محمود عباس الى بيروت، حيث تعمّد تقديم مطالعة مطولة خلال اجتماعاته الرسمية مع أركان الدولة عن مسار القضية الفلسطينية تاريخياً وصولا الى الواقع الراهن، يومها عكس ابو مازن صورة قاتمة جداً عن مآل مفاوضات التسوية، شارحاً بالتفصيل الشروط الاسرائيلية التعجيزية التي بموجبها لا يمكن ممارسة ادنى مقومات السيادة الوطنية.
وعبّر ابو مازن في حينه عن ريبته وشكواه من الأداء الأميركي للملف التفاوضي الفلسطيني ـ الاسرائيلي، حيث لا اعتراف بحدود ولا حل جذرياً لمرض الاستيطان ولا حق بإقامة مشاريع تنموية وحتى سياحية على البحر الميت، ولا منفذ للدولة الموعودة خارج السيطرة الاسرائيلية، ولا حق عودة للاجئين الفلسطينيين حتى الى شبه الدولة الفلسطينية الموعودة، مع نية واضحة للفرز الديني النهائي عبر تهجير فلسطينيي اراضي 1948 الى خارج ما يسمى الخط الأخضر في سياق عملية التهويد.
هذه «اللواعج» التي بثها أبو مازن في بيروت، عززها بيان اعلان النيات الذي يعمل عليه وزير الخارجية الاميركي جون كيري وهو «شبه مقيم» في المنطقة، والذي ظاهره توازن ونيات سليمة، وباطنه إعطاء اسرائيل كل شيء بما فيها يهودية الدولة، وسط معلومات بدأت تتواتر عن توجه اميركي ـ غربي يُعمل على إنضاجه عربياً لتمرير هذه «التصفية» للقضية الفلسطينية على «وقع النيران السورية المستعرة، وانشغال كل الدول العربية بواقعها الداخلي، وعدم استقرار الوضع في مصر».
بعد أيام يحل الرئيس الاميركي باراك اوباما ضيفاً في السعودية، هذه الزيارة التي تسبق انعقاد القمة العربية في الكويت، سيكون جوهرها الملف الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وهذا ما دفع ابو مازن الى القيام بأوسع مروحة زيارات الى عواصم غربية وإقليمية وعربية مع اتصالات مكثفة في كل اتجاه.
ويكشف مصدر ديبلوماسي مخضرم عن أن «الرئيس الفلسطيني ابلغ الأميركيين والأوروبيين والعرب، وتحديداً المرشح الرئاسي المصري المشير عبد الفتاح السيسي، انه بعد المشهد العربي الراهن والمخاطر الكبيرة على القضية الفلسطينية، يفضل بقاء الرئيس السوري بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا مع الحفاظ على النظام العلماني، لأن ذهاب الأسد ودخول سوريا في فوضى عارمة سيوسع دائرة نفوذ التنظيمات المتشددة وسيؤدي الى ضرب كل قوى الاعتدال في المنطقة، لا سيما على الساحة الفلسطينية».
ويوضح المصدر «ان ابو مازن ابلغ محدثيه الغربيين والعرب ما مفاده، ان القضاء على قوى الاعتدال يعني القضاء على القوى المعتدلة التي تمسك بالسلطة الفلسطينية لمصلحة قوى التطرف، والدليل على ذلك ان المتطرفين التكفيريين ظهر منهم انتحاريان فلسطينيان، وبالتالي فإن سقوط النظام في سوريا سيرتد على الساحة الفلسطينية عبر تصويب الإرهاب التكفيري على قوى الاعتدال المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح، ونحن كسلطة فلسطينية لم نلمس من النظام السوري ما يؤذينا. لذلك فإن سقوط هذا النظام لمصلحة سيطرة التكفيريين هو اضعاف للقضية الفلسطينية، بحيث تصبح قوى الاعتدال في موقع متدن ليسود منطق التطرف».
وقال المصدر: «إن ابو مازن سأل امام الاميركيين، هل تريدون إلغاء قوى الاعتدال الفلسطيني لمصلحة قوى التطرف كي يكونوا في مقابل المتطرفين الاسرائيليين؟ هذا لا يعني اننا مع فئة من الشعب السوري ضد فئة اخرى، نحن مع كل الشعب السوري وتعافي سوريا يهمنا، لأنه يؤثر على مسار القضية الفلسطينية، لكن مسار الاحداث يخيفنا، وهذا يرتد على القضية الفلسطينية المهددة بالتفسخ والانهيار من قبل المتطرفين الذين يأخذون الصراع من صراع عربي ـ اسرائيلي قابل للحل السلمي، الى صراع مع الانظمة، والى صراع مذهبي مدمر يطيح بالقضية الفلسطينية».
ويضيف المصدر «إن هذه المخاوف تحدث بها ابو مازن مع ملك الاردن عبدالله الثاني كما نقل موفدون من قبله موقفه الى دول خليجية، وهذا الموقف كان له تأثير إيجابي وحقق نتائج مرحلية، تمثّلت في تحفيز واشنطن للضغط على الرياض لرفع الفيتو عن مشاركة الائتلاف السوري المعارض في اجتماعات جنيف2 التي حققت نتيجة وحيدة وهي اللقاء فقط».
كيف يتحضّر لبنان لدرء المخاطر الناجمة عن اي حل غير عادل للقضية الفلسطينية، لا سيما تصفية حق العودة؟
يقول الديبلوماسي المخضرم «إنه أجرى سلسلة لقاءات مع سفراء غربيين، ومنهم السفير الاميركي في بيروت دايفيد هيل باعتباره أحد أعضاء الفريق الاميركي الذي يحضّر لزيارة اوباما الى السعودية، حيث لمس منه ان محادثات الرئيس الاميركي مع القيادة السعودية ستركز على محاربة الارهاب وتشجيع الاعتدال والاتجاهات التي سيرسو عليها مسار الحكم في العالم العربي والصراع العربي ـ الاسرائيلي والوضع في سوريا. ومن المؤكد سيتحدثون عن الوضع في لبنان عشية الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية».
ولفت المصدر الى انه «شجع من التقاهم من الديبلوماسيين الغربيين على ان يكون هناك حل للخلاف السعودي ـ الايراني عن طريق التفاوض، لأن تفاهماً كهذا بين طهران والرياض سيقطف ثماره لبنان وفاقاً داخلياً بسرعة، وكذلك حل كل القضايا في المنطقة بالتفاوض وليس بالعنف، وضرورة إيجاد حل سلمي في منطقة الشرق الاوسط، وسط معلومات عن انه يعمل على بيان اسرائيلي ـ فلسطيني ـ اميركي حول مسار التفاوض القائم وآفاقه المستقبلية».
وأكد المصدر «ان لبنان سيسعى في الإطار الديبلوماسي لكي تأتي الاتصالات القائمة في خصوص الصراع العربي ـ الاسرائيلي متوافقة مع مندرجات المبادرة العربية للسلام، والتي هي بالاساس مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز، وتحديداً في بند حق العودة للاجئين الفلسطينيين ورفض توطينهم في الدول التي يقيمون فيها، وخصوصاً الدول التي تنص دساتيرها على ذلك، والدستور اللبناني ينص بوضوح على رفض التوطين.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف