يثير مصير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" قلقاً كبيراً لدى اللاجئين الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، في ظل تزايد التحذيرات من محاولات لتصفية المنظمة وإنهاء خدماتها.
ومصدر هذا القلق لا يتأتى من كون الاونروا مجرد هيئة دولية تقوم بتقديم العون والإغاثة للملايين من الفلسطينيين في عدد من الدول المضيفة وحسب، بقدر ما هي مسألة رمزية وشاهد دولي على الجريمة التي اقترفتها العصابات الصهيونية بطرد شعب كامل من أرضه، وعلى استمرار وجود اللاجئين، منذ العام 1948.
يلحظ المتتبع لمسار عمل الاونروا خلال الثلاثين سنة المنصرمة، التراجع التدريجي لدور ونطاق عملها، والذي بدا أكثر وضوحاً بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، حيث قامت الاونروا بتخفيض عدد كبير من المعونات الاغاثية الأساسية، تماشياً مع المخططات الصهيونية الرامية إلى إنهاء الدليل الأكبر على وجود وطن سليب والقضاء على هوية شعب بأكمله.
التصفية ضرورة ملحة لكيان الاحتلال
شكلت تصفية "الاونروا" هدفاً رئيسياً تسعى إليه دولة الاحتلال الصهيوني بمساعدة الكونغرس الأمريكي، وبتنفيذ بعض المسئولين الكبار في الوكالة، الذين اخذوا على عاتقهم تنفيذ تلك السياسة من خلال برامج تعليمية وصحية، وخصوصاً أن هذه المسألة تعتبر ضرورة ملحة لمستقبل الكيان الصهيوني، فمنظري السياسية الصهيونية يرون في هذه المنظمة أداة لإدامة حالة اللجوء من خلال منح صفة لاجئ لكل فلسطيني حتى وإن كان ممن ولد خارج فلسطين المحتلة، وما يترتب على هذا الأمر من ازدياد أعداد اللاجئين الفلسطينيين بحسب قواعد الأمم المتحدة التي تحدد "بأن من ترك بيته في عام 1948 في فلسطين هو لاجئ وجميع ذريته لاجئين أيضا".
وتشير بعض الدراسات الصهيونية إلى أن مجرد وجود الاونروا يغذي الإيمان لدى اللاجئين بإمكانية العودة إلى "إسرائيل"، عدا عن كون البيئة والتجمعات التي تشرف على إدارتها الاونروا "هي من أخطر المواقع ليس على "إسرائيل" وحسب؛ بل وعلى السلم والأمن العالميين، وأنها مصدر تفريخ (للإرهاب الدولي!!)".
تحريض وضغوطات
لقد بات واضحا للقاصي والداني أن الكيان الصهيوني وأدواته في العالم - ومن ضمنهم نواب في الكونغرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي - يضغطون باتجاه تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) وتسليم مهامها للمفوضية العليا السامية لشؤون اللاجئين. حيث أن هذه الضغوطات تفسر تعميق أزمات الاونروا المالية والإدارية منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في شهر أيلول من عام 1993.
ولقد"أخطأت هذه الوكالة الدولية بخروجها عن ولايتها بعض الشيء، وإسهامها في تمويل ما أطلق عليها "صناديق السلام" غير المنصوص عليها في ولايتها، وجلب ذلك عليها غضب اللاجئين الذين ترعاهم والموظفين الذين استنوا سنة الإضرابات والاحتجاجات، ضد ما سموه التقليصات التي لجأت إليها الوكالة، بحجة العجز المالي، وكذلك تحسين أوضاع العاملين في الوكالة".
وقد لوحظ في السنوات الأخيرة، أن الاونروا وضعت فعلا في دائرة تسليط الأضواء وأصبحت في عين العاصفة، وقاد الحملة الإسرائيلية النائب اليميني المتطرف أرائيه الداد، الذي نجح في نسج شبكة من البرلمانيين في العالم وفي مقدمتهم أعضاء في الكونغرس الأمريكي، وضغط هؤلاء بشدة على المجتمع الدولي لوقف تبرعاتهم للاونروا من أجل التخلص من الشاهد الوحيد على جرائمهم اللانسانية المتمثلة بتشريد شعب كامل من أرضه، وطي ملف اللجوء الفلسطيني، وتعميق وجودها في المنطقة كدولة سيدة.
تناغم بين الاونروا والطروحات الصهيو- أمريكية
الأمر لا يقتصر على أعضاء المجتمع الدولي، حيث يرى مراقبون أن الطواقم القيادية التي تشرف على إدارة الاونروا تتناغم مع الطروحات الأمريكية - الصهيونية حول ضرورة تصفية المنظمة وإنهاء خدماتها خلال الفترة القصيرة المقبلة.
وفي هذا المضمار، يمكن الإشارة إلى التهم التي ألصقت بالاونروا وفي مقدمتها أنها تؤوي "إرهابيين" ومن ذلك اتهام مدير عمليات الاونروا السابق في غزة جون كنج، رئيس اتحاد العاملين العرب في الوكالة بغزة بانتمائه لحركة حماس.
وكذلك تقارير المراقبين الحقوقيين الذين اتهموا الاونروا باتخاذ إجراءات اقصائية وتصفوية مقصودة تجاه المفكرين والمثقفين العاملين لديها، حيث بينت هذه المصادر أن هذه السياسة تعتمد بشكل "مركّز" على استهداف القيادات "الإدارية والمثقفة العربية والفلسطينية". وشرحت أن هذه "التصفية" متمثلة بتقليل عدد العاملين العرب في الرئاسة العامة للوكالة الـ"HQ"، مؤكدة أن الرئاسة كانت تحوي حوالي 129 عربيا (من المناطق الخمسة التي تخدمها الوكالة) يشغلون مناصب كبار الموظفين والذين لم يتبقّ منهم خلال 18 شهرا سوى حوالي 25 عربيا الآن.
وفي إطار متصل، المعنون بـ" إنهاء خدمات الاونروا: كابوس يهدد قضية اللاجئين" على الرسالة التي وجهها مفوض عام الأونروا فيلبيو جراندي إلى الموظفين في الأونروا بداية هذا العام، بالقول أنها "تستدعي التوقف مليا، حيث رسمت معالم خطته خلال السنوات القادمة خصوصاً خلال العام الحالي". وتفيد الرسالة بأن قضية اللاجئين ستواجه "تحديات أخرى إضافية"، تأمل الأونروا تجاوزها بما لا يمس الخدمات الأساسية المقدمة من قبلها خصوصاً الصحة والتعليم. الأخطر من ذلك قول غراندي: "ستدخل الأراضي الفلسطينية عامها الخامس والأربعين تحت الاحتلال في حزيران القادم" وهي إشارة إلى أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. أي انه لم يشر إلى فلسطين المحتلة عام 1948 أبداً، وهي دلالة إلى أن حتى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم وفق القرار 194 لم تعد من اهتمامات الأونروا على الأقل من الناحية الثقافية، علما أن عمل الأونروا يرتكز على مفهوم خدماتي ومفهوم سياسي، وان عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين المحتلة عام 1948 يشكل صلب المفهوم السياسي من عمل الأونروا.
ويبشر مفوض الأونروا للاجئين الفلسطينيين خلال رسالته المثيرة للجدل بأن من بداية العام 2013 سوف يشهد مزيداً من التقليص في الخدمات أكثر مما هو قائم فعليا"، وأن ثمة "تضحيات" سوف تقوم بها الأونروا هذا العام حفاظاً على الخدمات الأساسية!!
ويطلب غراندي من موظفي الأونروا عدم الانخراط في أي عمل سياسي قد يشكل قلق للدول المانحة التي تعتمد على ما تجمعه من ضرائب المواطنين لديها.
إضافة إلى ما سبق، يمكن الإشارة إلى القرار الذي اتخذته الوكالة بتغيير اسمها، ورغم تراجع الأونروا عن قرارها بتأثير الاحتجاجات الكبيرة، فإن ذلك لا ينفي وجود نية كهذه، ففجأة ومن دون مقدمات أرادت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) تغيير اسمها لتنزع عن جسدها المهمات التي أخذتها على عاتقها، ومن أجلها أسستها الجمعية العامة للأمم المتحدة تنفيذاً لقرارها رقم 302 للعام 1949، ولتمحو صفة (اللاجئين) عن الفلسطينيين الذين شرّدتهم (إسرائيل) من وطنهم في عام 1948 حين قيامها، ولتقطع الطريق على قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذي يتحدث عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة هذا التهجير.
إنطلاقاً مما سبق، فليس هناك مجالاً للشك أن وكالة الاونروا تتعرض لعملية تصفية تدريجية مركزة، يشارك فيها إضافة إلى الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية، عدداً من الدول الأوروبية والمنظمات الدولية والإقليمية، بهدف التمهيد لإنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين وشطب حقهم في العودة وتوطينهم في أماكن تواجدهم.
مؤشرات التصفية المتدرجة
وما يعزز هذا الاستنتاج مجموعة المؤشرات والظواهر المتعلقة بعمل الاونروا وهي:
- اعتماد الوكالة لنظام التعاقد الوظيفي حتى تاريخ الأول من حزيران 1999، وهو الموعد المفترض نظريا حسب "اتفاق أوسلو”، للانتهاء من المفاوضات حول الحل النهائي، ويبدو أن الوكالة قامت بتمديد هذا الموعد دون تاريخ نهائي محدد.
- امتناع الوكالة عن قبول موظفين بشكل دائم.
- إنشاء الوكالة لصندوق خاص لدفع تعويضات نهاية الخدمة لموظفيها المحليين عندما يتطلب الأمر ذلك.
- المحاولات الدولية لتحويل الوكالة إلى "وكالة إقليمية” تمولها الدول العربية كمدخل لنزع البعد الدولي من قضية اللاجئين، وتحويلها إلى مسألة أو قضية عربية إقليمية داخلية. ومن المفيد الإشارة إلى ملاحظة هامة في هذا الصدد تتعلق بخلو تقارير المفوض العام للوكالة خلال السنوات الأخيرة، من أية إشارة إلى قرارات الأمم المتحدة.
- تغيير تسمية مدير شؤون الوكالة في الأردن إلى مدير عمليات الوكالة في الأردن، وهذا يرتبط مباشرة بالتوطين، عبر مشاريع التطوير الحضري والتمليك تمهيدا لإلغاء مخيمات اللاجئين في الأردن.
- دور الحكومة الأردنية، بالنسبة لإنهاء قضية اللاجئين، خاصة بعد التوقيع على اتفاق وادي عربة، الذي اعتبر أن ملف اللاجئين المقيمين على ارض الأردن بحكم المغلق ولن يعاد فتحه لاحقا بينها وبين إسرائيل.
- البرامج الأمريكية / الإسرائيلية التي تدعو إلى إلغاء مخيمات اللاجئين نهائيا ودمجهم في بلدان الشتات.
- كل المخططات الحالية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين تندرج في إطار شروط اتفاقات "السلام” بعيدا عن قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بقضيتهم.
- الحديث عن تنفيذ خطة الوكالة التي تستهدف تسليم كافة خدماتها إلى السلطة الفلسطينية، وهي خطوة سياسية خطيرة، تستهدف إسقاط حق 1.137780 لاجئ في قطاع غزة، و796088 لاجئ في الضفة الغربية، بنسبة 42.5% من مجموع اللاجئين المسجلين البالغ عددهم 4.881856 لاجئ في بداية 2011.
- الأونروا تقدم تجربة "الهولوكست” والتعايش السلمي وتقبل الآخر والإقرار بحقوقه ضمن سياق الرؤية الإسرائيلية، لكنها – بالمقابل - لم تجد في معاييرها ما يمكنها من "المعاملة بالمثل”، بتخصيص أيام لإحياء ذكرى "الهولوكست الفلسطيني” على امتداد تواريخ النكبة والنكسة. فالبرنامج الذي قدمته الوكالة، يحمل في باطنه تطبيعاً وتقبلاً للمحتل الإسرائيلي وإقراراً بحقوقه، حيث قامت بتضمين ما يسمى تجربة "الهولوكست” في سياق برنامج حقوق الإنسان، باعتبارها مزاعم اتخذت ذريعة لتهجير اليهود من ألمانيا وأوروبا إلى فلسطين ، لكن الأونروا -على الأغلب- ستعود ثانية لتأجيل تعليم المحرقة في مدارسها خشية من ردود فعل مجتمع اللاجئين والقوى والمؤسسات الوطنية الفلسطينية.
- تنظم الأونروا زيارات لطلبة مدارسها إلى الخارج، بخاصة ألمانيا والولايات المتحدة، وإقامة معسكرات شبابية طلابية مختلطة من اللاجئين الفلسطينيين ومن الإسرائيليين، وتدريس مفاهيم التعايش والتسامح وقبول الآخر والإقرار بحقوقه، إلى جانب تنظيم ما يسمى بـ”المخيمات الصيفية” بذريعة الترفيه عن الأطفال في قطاع غزة!! في حين أن الأونروا خفضت عدد المتعهدين المؤقتين الذين يقدمون الخدمات لمنشآت الوكالة بحوالي 20%، كما خفضت عدد المستفيدين من المساعدات الغذائية، في قطاع غزة إلى 120 ألف مستفيد منذ بداية تموز 2011، وقررت وقف المساعدات المالية لطلاب مدارس الوكالة في القطاع البالغة 100 شيكل.
- وزعت الأونروا - خلال السنوات الماضية - خرائط لمناطق عملياتها الخمس (الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة)، بعد حذف اسم فلسطين منها، واستبدالها بالضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب إسرائيل.
- تقوم الأونروا منذ فترة بإجراءات مشبوهة، لتجفيف ينابيع ثقافة العودة وقبول الحق الإسرائيلي في الأراضي المحتلة والتخلي عن مطالب العودة والتحرير.
- سياسة الولايات المتحدة تجاه قرار 194، فمنذ البداية (1950) دأبت الولايات المتحدة، وبانتظام، على تقديم القرارات المتعلقة بالاونروا إلى الجمعية العامة ودعمها، بما فيها الفقرة المهمة جداً والتي تعيد تأكيد قرار الأمم المتحدة الأصلي رقم 194، إلا أنها منذ ديسمبر 1993 – إلى يومنا هذا – تراجعت عن دعم القرار 194 في ضوء تطابق الموقف الأمريكي الإسرائيلي.
جميع هذه الدلائل يجب أن تدفع إلى دق ناقوس الخطر إزاء كل ما يعدّ من خطط تطال قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبالأخص انعكاس هذه الخطط على وكالة الأونروا.
طريق العودة

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف